07 أغسطس 2024

الذكاء الاصطناعي في التعليم: سباق سعودي على طريق الحرير الرقمي

 
 قبل سفري إلى روسيا، في مكتبة أحد جامعات الرياض، شاهدت مشهداً يشبه لقاء ابن سينا بستيف جوبز: طلاب يتحاورون صوتيًا مع ChatGPT باللغة العربية، يستنطقون المعرفة من عقل إلكتروني. هذا المشهد ليس مجرد تقدم تكنولوجي، إنه بداية ثورة تعليمية قد تعيد رسم خريطة القوى العالمية.
 
 وفقاً لتقرير Business Insider، 18% من استخدامات ChatGPT تتعلق بالواجبات المدرسية. هذه النسبة ليست مجرد إحصائية، إنها إعلان عن عصر جديد في التعليم، عصر قد يكون فيه الذكاء الاصطناعي معلماً افتراضياً لكل طالب.
 
 في المملكة العربية السعودية، حيث تسعى رؤية 2030 لبناء اقتصاد معرفي، يبدو هذا التطور كاكتشاف بئر نفط رقمي. لكن السؤال هو: هل ستنجح المملكة في استخراج هذا النفط الرقمي وتكريره، أم ستكتفي بدور المستهلك لتكنولوجيا الآخرين؟
 
 طرحت السؤال على مجموعة من الأصدقاء المهتمين بقروب الواتس اب. صديقي أستاذ تقنيات التعليم يقول: "نحن على مفترق طرق. إما أن نقود قافلة التغيير، أو نجد أنفسنا في مؤخرتها." كلماته تذكرني بما قاله لي صديق حكيم ومن كبار تجار الذهب: "في عالم الأعمال، إما أن تزن الذهب، أو تُوزن به." اليوم، الذهب هو المعرفة، والميزان هو الذكاء الاصطناعي.
 
 على الصعيد الجيوسياسي، هذا التطور يعيد تشكيل خريطة القوى العالمية. الصين استثمرت المليارات في الذكاء الاصطناعي التعليمي بالفعل، محاولة رسم طريق حرير رقمي تعليمي جديد. الولايات المتحدة، من جانبها، تسعى للحفاظ على هيمنتها التكنولوجية. وسط هذا السباق، أين تقف المملكة العربية السعودية؟
 
 سألت أحد الأصدقاء الذي يعمل مستشارًا للتحول الرقمي في وزارة التعليم السعودية، وقال: "نعمل على بناء منصة تعليمية ذكية تجمع بين التقنيات الحديثة وتراثنا الثقافي"، قلت في نفسي: هذه المنصة قد تكون بمثابة جسر يربط بين الشرق والغرب في عالم التعليم الرقمي او قد تكون مجرد بهرجة إعلامية، دعونا نتفائل ونترك السوداوية، فقصة نجاح وزارة التعليم بمشروع "مدرستي" تستحق الثناء وتجلب التفائل.
 
 على كل حال.. يبقى التحدي الأكبر الكامن في الموازنة بين التقدم التكنولوجي والقيم الثقافية. طرحت هذا السؤال على ذات المجموعة في قروب الواتس اب، ردت زميلة متخصصة في علم الاجتماع التربوي بما معناه: "نحن نحاول الملاحة في بحر رقمي بخريطة تقليدية. علينا رسم خريطة جديدة تجمع بين البوصلة الأخلاقية والرادار التكنولوجي".
 
 اقتصادياً، هذا التحول قد يكون المحرك الجديد للاقتصاد السعودي. تقرير ماكينزي يقول أن تقديراتهم تشير أن بحلول عام 2030، 27% من ساعات العمل في أوروبا و 30% من ساعات العمل في الولايات المتحدة يمكن أتمتتها باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفقاً لسيناريو التبني المتوسط. هذا ليس مجرد رقم، إنه وعد بمستقبل حيث تكون المعرفة هي العملة الجديدة، والمملكة قد تكون أحد أهم مصارفها.
 
 لكن هناك مخاوف أخلاقية تلوح في الأفق. فقد كشف تقرير Business Insider أن OpenAI طورت أداة للكشف عن النصوص المكتوبة بواسطة ChatGPT، لكنها اختارت عدم إطلاقها. هذا يشبه أن تخترع جهازًا يكشف الذهب ثم تقوم بإخفائه! لعل الجواب المنطقي أنهم يخشون من تبعات ذلك على مشتركيهم الطلاب الآخذين بالتزايد من شتى المعمورة.
 
 وهنا نسأل وزاراتنا وهيئاتنا المتخصصة: هل ستتمكن المملكة من تطوير أدواتها الخاصة للتعامل مع هذه التحديات الأخلاقية خصوصًا لحاجات البحث العلمي المحكم؟
 
 نجاح المملكة في هذا المجال سيعتمد على قدرتها على الابتكار والتكيف. قال لي معالي د عبدالله الغامدي في قمة الذكاء الاصطناعي 2023 بالرياض : "نحن لسنا مجرد مستهلكين للتكنولوجيا، بل مبتكرين لها". هذه العقلية قد تكون المفتاح لتحويل المملكة من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها.
 
 السؤال الآن: هل ستنجح المملكة العربية السعودية في تحويل صحرائها الرقمية إلى واحة معرفية عالمية؟ أم ستجد نفسها تائهة في رمال التغيير التكنولوجي؟ الإجابة على هذا السؤال لن تحدد فقط مستقبل التعليم في المملكة، بل قد تعيد تشكيل خريطة القوى المعرفية في العالم بأسره.
 

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤