20 أغسطس 2024

الصحراء تتحدث بلغة التكنولوجيا: كيف تستخدم السعودية الدرونز لتحقيق الأمن الغذائي؟

 
 عندما تنظر إلى صحراء المملكة العربية السعودية من نافذة طائرة، قد ترى بحرًا من الرمال الذهبية. لكن إذا نظرت عن قرب، ستكتشف ثورة خضراء تتشكل في قلب هذه الصحراء القاحلة. في حقول القمح الممتدة، تحلق أسراب من الدرونز، تراقب، تحلل، تسقي، وتغذي كل نبتة بدقة متناهية. هذه ليست رؤية مستقبلية، بل واقع يتشكل الآن في المملكة.
 
 الأرقام هنا ليست مجرد إحصائيات، بل تعكس تحولاً جوهريًا. استخدام الدرونز في الزراعة وفق الدراسات العلمية أدى إلى تقليل استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 25% و30%، وخفض استخدام المبيدات بنسبة تتراوح بين 10% و20%، وزيادة في الإنتاجية تصل إلى 20%. هذه هي بذور ثورة زراعية حقيقية.
 
 لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحن على أعتاب تحويل الصحراء إلى وادي سيليكون أخضر؟ مع توقعات بأن يصل سوق الدرونز الزراعية العالمي إلى ما بين 29 و30 مليار دولار بحلول عام 2030، هل ستكون السعودية مجرد مشترٍ أم ستصبح مصدرًا لهذه التكنولوجيا؟
 
 في السبعينيات، كانت المملكة تستورد غالب غذائها. واليوم، تطمح إلى تصدير نموذجها الزراعي المبتكر للعالم. كيف؟ الجواب يكمن في مزيج من الإرادة السياسية والابتكار التكنولوجي. لكن هل هذا كافٍ في عالم يتسابق نحو الأمن الغذائي؟
 
 تخيل معي مزارعًا سعوديًا في غرفة تحكم تشبه مركز ناسا، يراقب شاشات تعرض بيانات حية من مئات الدرونز. هذا ليس خيالًا علميًا، بل واقعًا تساهم في تشكيله جامعات المملكة وشركاتها التكنولوجية. التحدي الحقيقي الآن هو نقل هذه المعرفة إلى الحقول، وتحويل المزارع السعودي من مجرد مستخدم للتكنولوجيا إلى عالم بيانات بثوب وعقال.
 
 لكن لنكن واقعيين: التكنولوجيا وحدها لن تحل جميع مشاكلنا. فبينما نحتفل بتقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30%، تظل الحقيقة أن 70% من المياه العذبة في العالم تُستهلك في الزراعة. هل نحن ببساطة نضع ضمادة تكنولوجية على جرح بيئي عميق؟
 
 هنا تأتي الحاجة الملحة إلى مبادرة وطنية جريئة: "تحالف الواحة الرقمية". هذا التحالف سيجمع بين وزارة البيئة والمياه والزراعة، وسدايا، وهيئة الطيران المدني، والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وصندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى الجامعات السعودية الرائدة مثل كاوست وجامعة البترول وجامعة الملك سعود. لكن هل سيكون هذا التحالف مجرد بيروقراطية جديدة، أم ثورة حقيقية في الزراعة السعودية؟
 
 ربما تكمن الإجابة في إنشاء شركة "واحة التقنية الزراعية"، الذراع التنفيذي للتحالف. تخيل شركة سعودية تغطي حاجة السوق المحلي وتصدر درونز زراعية إلى بلد مثل السودان، الذي يمتلك أراضي زراعية شاسعة غير مستغلة. بينما تكافح الخرطوم لتحويل إمكاناتها الزراعية الهائلة إلى واقع ملموس، يمكن للتكنولوجيا السعودية أن تكون مفتاحًا لتحول السودان إلى سلة غذاء أفريقيا. وهذه فقط البداية، فهناك دول أخرى تنتظر مثل هذا التحول.
 
 في الوقت الذي نسعى فيه لاستخدام الدرونز لإحياء الصحراء، نجد دولًا أخرى تحول هذه التكنولوجيا إلى أدوات للدمار. في روسيا وأوكرانيا، تحولت الدرونز من أدوات لزيادة المحاصيل إلى آلات للقتل والتفجير. هل يمكن للسعودية أن تقود حركة عالمية لإعادة توجيه هذه التكنولوجيا نحو الحياة بدلًا من الموت؟
 
 تخيل معي مشهدًا مختلفًا: بدلًا من استخدام الدرونز لقصف حقول القمح في أوكرانيا وروسيا ، نرى أسرابًا من الدرونز السعودية تحلق فوق سهول السودان والقصيم وعسير، تزرع، تروي، وتحصد. بدلًا من تحويل الأراضي الزراعية إلى ساحات حرب، نحولها إلى مختبرات حية للابتكار الزراعي.
 
 هذا التباين الصارخ يضعنا أمام سؤال جوهري: هل ستكون السعودية رائدة في تحويل تكنولوجيا الحرب إلى تكنولوجيا السلام؟ هل يمكن لمهندسينا أن يطوروا درونًا تزرع الحياة بنفس الكفاءة التي طور بها آخرون درونًا تحصد الأرواح؟
 
 في النهاية، الإجابة لا تكمن في التكنولوجيا وحدها، بل في الرؤية الأخلاقية التي توجهها. هل سنستخدم الدرونز لتحويل الصحاري إلى حدائق، أم سنستمر في تحويل الحدائق إلى صحاري؟ هل سنصدر التكنولوجيا فقط، أم سنصدر نموذجًا جديدًا للتنمية المستدامة في مواجهة التحديات العالمية؟
 
 الإجابة تحلق فوق رؤوسنا الآن، في شكل طائرات صغيرة تحمل في أجنحتها ليس فقط بذور القمح، بل بذور مستقبل أكثر استدامة للمنطقة بأكملها. فهل نحن مستعدون لحصاد هذا المستقبل، أم أننا سنظل عالقين في رمال الماضي، ننتظر المطر في صحراء التغير المناخي؟

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤