ثمّة في اتهامي بالتلوّن ما يكشف عقولاً لا تُفرّق بين المبدأ والمزاج، بين الدولة والنظام، بين الوطن والإعلام الذي يختطف خطابه. ذاك أنّ هؤلاء، وأغلب الظنّ من لجان الشركة المتحدة الإلكترونية، محكومون بمنطق القطيع: من لم يُصفّق للذراع الإعلامي الاستخباري فهو خائن، ومن دافع عن السيادة الوطنية المصرية فقد تراجع عن نقده!
والحال أنّ موقفي لم يتبدّل: كنت وما زلت أهاجم من شوّهوا مصر إعلامياً، أولئك الذين حوّلوا الشاشات إلى سيرك للمهرّجين. بيد أنّ مصر - بعمقها التاريخي ودماء جيشها في سيناء - ليست الشركة المتحدة ولا لجانها المأجورة.
لقد تعلّمت أنّ الدولة تُنقَد لتُحمى، لا لتُهدم. أنّ النقد المبدئي لا يُلغي الانتماء الوطني، بل يُعمّقه. أنا مع مصر حين تحمي حدودها من التوطين والتهجير، وضدها حين يختطف إعلامُها الرخيص وعيَ شعبها. أدافع عن سيادتها أمام مخططات التفريغ الديموغرافي لسيناء، وأهاجمها حين تسمح لمرتزقة الأقلام بتشويه صورتها عن طريق الذباب الالكتروني المصري الذي تديره لجان الشركة المتحدة.
هذا التمييز بين الوطن وأدوات السلطة هو ما يعجز عنه أصحاب العقول الثنائية. يلوح أنّهم اعتادوا نمطاً واحداً: إما مُصفّق دائم أو عدو دائم. أما من يُفكّر ويضع كل شيء في موضعه، فيُربكهم. كيف تنتقد الإعلام وتدافع عن الدولة؟ كيف تهاجم الفساد وتحمي السيادة؟
الجواب بسيط: لأنّ مصر أكبر من نظامها وأعمق من إعلامها. موقفها من معبر رفح سيادي يستحق الدعم، ليس لأن النظام قاله، بل لأنّ مصلحتها الاستراتيجية تقتضيه، ولن تسمح بتحويل سيناء إلى مخيم دائم يخدم مشروعاً صهيونياً.
أما أنتم، يا أصحاب اللجان، فقد انكشفتم: لستم حماة الوطن، بل حراس إعلام فاسد يخشى النقد. ومصر ستصمد أمام محاولاتكم البائسة لاختطاف صوتها.
في النهاية، ستبقى مصر وتزولون. ستبقى الدولة وتسقط اللجان. وسيبقى المبدأ فيما ينكشف النفاق.