31 يوليو 2024

سباق الأدمغة: هل نحن على وشك إنجاب آينشتاين الرقمي؟

تخيل معي للحظة أنك في مقهى صغير في وادي السيليكون. على الطاولة المجاورة، يجلس إيلون ماسك وسام ألتمان في نقاش حاد. يقول ماسك بثقة: "ثلاث سنوات وسنصل إلى الذكاء الاصطناعي العام." يبتسم ألتمان موافقًا للفكرة، ومستدركًا للزمن ويقول: "أعتقد أننا نحتاج لخمس سنوات." وفجأة، من زاوية المقهى، يرتفع صوت هادئ وحكيم: "وماذا لو كنا نركض خلف سراب؟"
 
 هذا الصوت ينتمي للبروفيسور سوبارو كامبهامباتي، عملاق الذكاء الاصطناعي في جامعة ولاية أريزونا، الذي يطرح سؤالاً يزلزل أركان هذه الثورة التكنولوجية: هل تفكر النماذج اللغوية حقاً، أم أنها مجرد ببغاوات رقمية بارعة؟
 
 في عالم أصبح فيه ChatGPT وأخواته قادرين على كتابة مقالات وحل معادلات معقدة، يقول ماسك والتمان إننا على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي العام (AGI). لكن كامبهامباتي يدعونا للتوقف والتفكير: هل نحن حقاً نقترب من خلق عقل اصطناعي يضاهي العقل البشري، أم أننا نخدع أنفسنا بوهم الذكاء؟
 
 لنتخيل معاً أننا في غرفة اجتماعات في شركة مايكروسوفت. يُطرح السؤال الشهير: "لماذا تكون أغطية فتحات الصرف الصحي دائرية؟" هل الإجابة الذكية تأتي من فهم عميق، أم من استرجاع ماهر لمعلومات محفوظة؟ قبل سنوات كان الجواب يحتاج للفهم العميق، أما الآن بعد انتشار السؤال فأصبح حتى البغباء الرقمي قادرا على الجواب، هذه المعضلة، كما يشير كامبهامباتي، هي جوهر التحدي الذي نواجهه في تطوير AGI.
 
 يقول كامبهامباتي: "المشكلة الحقيقية مع الاستدلال، إذا سألتك سؤالاً يتطلب تفكيراً، وأجبت عليه، فلن تستطيع أبداً معرفة ما إذا كنت قد حفظت الإجابة أم فكرت فيها من المبادئ الأولى للجواب تماما." هذه الجملة تفتح صندوق باندورا الفلسفي: ما هو الفرق بين المحاكاة الذكية والذكاء الحقيقي؟
 
 لنعد إلى مقهى وادي السيليكون. ماسك وألتمان يتحدثان عن AGI وكأنه على بعد خطوات قليلة. لكن هل هما يتحدثان عن نفس الشيء الذي يتحدث عنه علماء مثل كامبهامباتي؟
 
 الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، في جوهره، يعني قدرة الآلة على أداء أي مهمة فكرية يستطيع البشر القيام بها. أما الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، فهو يتجاوز ذلك ليصل إلى مستويات ذكاء تفوق قدرات البشر بمراحل. هل نحن حقاً على أعتاب هذه الثورة، أم أننا نخلط بين القدرة على معالجة البيانات والقدرة على التفكير الحقيقي؟
 
 تخيل أننا في معمل للذكاء الاصطناعي. أمامنا جهاز كمبيوتر عملاق يعالج بيانات بسرعة مذهلة. هل هذا هو AGI؟ كامبهامباتي يهز رأسه نافياً: "ما نراه اليوم هو ذكاء اصطناعي ضيق أو متخصص. إنه بارع في مهام محددة، لكنه يفتقر إلى الفهم العميق والوعي الذاتي الذي يميز AGI.". هذا الطرح يتفق مع نظرة @ylecun كبير علماء الذكاء الاصطناعي حول هذا الجدل في شركة ميتا.
 
 كل هذا يقودنا إلى سؤال محوري: هل الوصول إلى AGI أو حتى ASI هو هدفنا النهائي؟ أم أن هناك شيئاً أكثر قيمة نسعى إليه؟ في عالم يواجه تحديات وجودية من تغير المناخ إلى الأوبئة العالمية، هل نحتاج حقاً إلى آلات تفكر مثلنا، أم إلى آلات تساعدنا على التفكير بشكل أفضل؟
 
 كامبهامباتي يدفعنا للتفكير خارج الصندوق. ربما، يقترح، الهدف ليس استنساخ الذكاء البشري، بل تعزيزه وتوسيعه. تخيل نظاماً يجمع بين قوة معالجة البيانات الهائلة للحواسيب والإبداع والحدس البشري. ألن يكون هذا أكثر قيمة من مجرد خلق نسخة رقمية من العقل البشري؟
 
 وهنا نصل إلى جوهر المسألة: ما الذي يجعل الذكاء البشري فريداً حقاً؟ هل هو القدرة على حل المعادلات المعقدة، أم القدرة على طرح الأسئلة الصحيحة؟ هل هو سرعة معالجة المعلومات، أم القدرة على التعاطف والإبداع؟
 
 في نهاية الأمر، قد نجد أن الطريق إلى AGI وASI أطول وأكثر تعقيداً مما يسوق ماسك وألتمان، والذين يتهمهم الكثيرون بأنهم يروجون لذلك لأخذ جولات تمويل استثمارية كبيرة لمشاريعهم في الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر بيع وهم الذكاء الاصطناعي الفائق.
 
 لكن هذه الرحلة، بكل تحدياتها وإنجازاتها، قد تكون هي نفسها أكثر قيمة من الوجهة النهائية. فهي تدفعنا إلى إعادة النظر في ماهية الذكاء، وما يعنيه أن نكون بشراً في عصر الآلات الذكية.
 
 وكما قال أينشتاين ذات مرة: "الخيال أهم من المعرفة." ربما هذا ما يفصلنا عن AGI وASI الحقيقيين: القدرة على تخيل ما هو أبعد من مجرد معالجة البيانات. وفي هذا السياق، قد نكتشف أن أعظم إنجازاتنا في مجال الذكاء الاصطناعي لن تكون في خلق آلات تفكر مثلنا، بل في تطوير أنظمة تساعدنا على التفكير بطرق لم نكن نتخيلها من قبل.
 
 فهل نحن على وشك إنجاب آينشتاين الرقمي؟ ربما السؤال الأهم: هل هذا ما نحتاجه حقاً؟ أم أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يكمن في شيء أكثر إثارة وإبداعاً مما نتخيله الآن؟
 
 فيديو مترجم للبروفيسور كامبهامباتي:
 

6 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤