18 مايو 2025

طبيب من سيليكون: كيف ترسم المملكة مستقبل الصحّة بخوارزميّات صينيّة؟

 هل نحن على أعتاب تغييرٍ جذريّ في صناعة الطبّ العالميّة؟ وهل ستنجح الصين في تقديم نموذج جديد للرعاية الصحيّة يلقى صدى في السعوديّة؟ أسئلة تفرضها تجربة رياديّة تقودها شركة صينيّة للذكاء الاصطناعيّ في المملكة العربيّة السعوديّة.
ففي الأحساء الشرقيّة يُجرَّب "طبيب" آليّ اسمه "الدكتور هوا" على مرضى حقيقيّين. ومع أنّ التجربة ما زالت محدودة ولا تتجاوز بضع عشرات من المرضى، فإنّها تكشف عن رؤية السعوديّة الاستراتيجيّة في مجال التحوّل التقنيّ، وهي الرؤية المنسجمة تماماً مع طموحات "رؤية 2030" التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاعات غير النفطيّة.
وأبرز ما في التجربة أنّها تنقل الذكاء الاصطناعيّ من مساعدة الطبيب، وهي الوظيفة التي اعتدناها، إلى محاولة الحلول مكانه. هكذا يجري الطبيب الآليّ التشخيص ويصف العلاج، فيما الطبيب البشريّ لا يتدخّل إلاّ في الحالات الطارئة، أو ليوقّع على التشخيص دون أن يرى المريض. بلغة أخرى: الذكاء الاصطناعيّ ليس مساعداً للطبيب، بل الطبيب هو المساعد للذكاء الاصطناعيّ!
بيد أنّ هذه التجربة، التي تنفّذها شركة "سينيي آي" الشنغهاية بالتعاون مع مجموعة "الموسى" الصحيّة، تواجه شكوكاً كبيرة من الاختصاصيّين. فنغيام كي يوان، وهو استشاريّ كبير في مستشفى جامعة سنغافورة الوطنيّة، يبدي تشكّكه الشديد في قدرة الذكاء الاصطناعيّ على أداء دور الطبيب الأساسيّ. ولا تقلّ شكوك المهنيّين في هذا المجال عن شكوك المرضى أنفسهم، الذين يلمسون في يد الطبيب وكلماته وعينيه طمأنينة لا يوفّرها طبيب من خلف شاشة.
وحتّى الآن، لا يستطيع "الدكتور هوا" معالجة أكثر من الأمراض التنفّسيّة، وعددها نحو 30 مرضاً. ويُعتزم رفع ذلك العدد إلى 50 خلال العام المقبل، على أن تشمل أمراضاً في الجهاز الهضميّ والجلد. وتزعم الشركة المطوّرة أنّ نسبة الخطأ في هذه التقنيّة لا تتعدّى 0.3% خلال الاختبارات السابقة.
والحال أنّ السعوديّة تقود بهذه التجربة مشروعاً طموحاً لإدخال الذكاء الاصطناعيّ في مجالات متعدّدة. وعلى عكس ما قد يتصوّره البعض، فإنّ المملكة لا تبحث في هذه التجربة عن مجرّد خفض كلفة الرعاية الصحيّة، فهي توفّر بالفعل رعاية صحيّة شاملة ومجّانيّة للمواطنين والمقيمين عبر شبكة واسعة من المستشفيات والمراكز الحكوميّة. إنّما تسعى، على الأرجح، إلى استكشاف آفاق جديدة لتطوير القدرات التقنيّة وتحسين جودة الخدمات الصحيّة.
وهنا تظهر الإيجابيّات المحتملة للتجربة السعوديّة. فالذكاء الاصطناعيّ قد يساعد على رفع مستوى التشخيص والعلاج، إذ يمكنه تحليل كميّات هائلة من البيانات الطبيّة واكتشاف أنماط قد تغيب عن العين البشريّة. كما أنّه يمكن أن يخفّف الضغط على الأطباء، خصوصاً في مواسم الازدحام، ويتيح لهم التركيز على الحالات الأكثر تعقيداً.
من جهة أخرى، فإنّ هذه التجربة تمنح السعوديّة فرصة لتكون في طليعة الدول التي توطّن تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ في المجال الطبّي. وإذا ما نجحت، فقد تصبح المملكة مركزاً للخبرة في هذا المجال، بل ومصدّرة لتلك الخبرة إلى المنطقة. ذلك أنّ مشاريع الذكاء الاصطناعيّ لا تقتصر على استيراد تقنيّة جاهزة، بل تتطلّب تدريب الأنظمة على بيانات محلّيّة وتكييفها مع الظروف والاحتياجات المحلّيّة، ممّا يبني قدرات محلّيّة في هذا المجال.
إضافة إلى ذلك، فإنّ التجربة قد تفتح آفاقاً جديدة للتعاون البحثيّ والتقنيّ بين السعوديّة والصين، وهو تعاون قائم بالفعل ويتّسع في مجالات متعدّدة. ويمكن لهذا التعاون أن يثمر نقلاً حقيقيّاً للمعرفة والتقنيّة، خصوصاً إذا اقترن بتأهيل كوادر سعوديّة قادرة على تطوير هذه التقنيّات وتوطينها.
لكنْ ينبغي أن تخضع هذه التجارب للرقابة الكافية من الجهات المتخصّصة. وتبرز أهميّة دور هيئات مثل الهيئة السعوديّة للتخصّصات الصحيّة و سدايا في وضع الضوابط والمعايير التي تضمن سلامة المرضى وخصوصيّة بياناتهم.
بين الوعود الصينيّة الكبرى والشكوك الغربيّة العميقة، تبدو السعوديّة في موقع مميّز يتيح لها الانفتاح على التجارب المختلفة والاستفادة منها. وتملك هذه التجارب القدرة على إحداث نقلة نوعيّة في الخدمات الصحيّة إذا أُحسن توظيفها وتكييفها ومراقبتها. وربّما كان الذكاء الاصطناعيّ هو الميدان الأمثل لتحقيق قفزة تنمويّة تتجاوز مراحل تطوّر تقليديّة وتقود المملكة إلى مصاف الدول المتقدّمة في هذا المجال.
وتبقى المعادلة الأساسيّة قائمة: كيف يمكن للسعوديّة أن تستفيد من هذه التجارب لتكون شريكاً في إنتاج المعرفة والتقنيّة، لا مجرّد مستهلك للابتكارات التي يصنعها الآخرون؟ إنّ الاستثمار في البنية التحتيّة البحثيّة والتعليميّة هو المفتاح لضمان  أن تقود  السعودية مستقبل الطب الذكي لا أن تُقاد إليه.




5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤