07 يوليو 2025

قنابل موقوتة تمشي على قدمين: كيف حولت مصر جاليتها إلى سلاح بيولوجي؟ "الشركة المتحدة" الاستخبارية ومصنع الكراهية: كيف تُبرمج العقول على الحقد؟

ثمة في التاريخ الإنساني نماذج كثيرة لشعوب عضت اليد التي أطعمتها، لكن نادراً ما رأينا شعباً يعض اليد، ثم يبصق عليها، ثم يُطالبها بالمزيد من الطعام، ثم يُحول أبناءه إلى فيروسات بشرية تسري في شرايين المجتمع المُضيف. هذا بالضبط ما تفعله الجالية المصرية الجديدة في السعودية - تلك التي تُشكل اليوم قرابة 2.5 مليون نسمة، أي ما يعادل جيشاً من النمل الأبيض يقرض أساسات البناء من الداخل بينما يدعي أنه يُرممها.
والحال أن النظام المصري اكتشف سر الخيمياء المعكوسة: كيف تُحول الذهب إلى رصاص، والكرامة إلى تسول، والشعب إلى سلعة للتصدير. لم يكتفِ بتصدير عماله، بل صدر معهم فشله الذريع، وغلفه بورق الهدايا القومي وشريط المظلومية التاريخية. إنها ليست جالية بالمعنى التقليدي، بل شحنة عداء مُبرمج، وقنبلة موقوتة اجتماعية، تمشي على قدمين وتتحدث بلهجة مصرية.
ذاك أن التحول الزلزالي جاء حين استيقظت السعودية من سُباتها الخيري الطويل. ذلك أن وزير المالية محمد الجدعان في دافوس 2023 دق المسمار الأخير في نعش الابتزاز: "لن نقدم منحاً مباشرة بعد الآن، بل سنربطها بإصلاحات هيكلية واقتصادية". هاتان الجملتان كانتا بمثابة إعلان استقلال سعودي عن عقود من الابتزاز المُمنهج، ربطتا بوضوح بين السيادة المالية والسيادة الإعلامية. وإذ انقطع الحبل السُري المالي، استشاط النظام المصري غضباً، واستدعى سلاحه الوحيد المتبقي: الحرب النفسية عبر الإعلام والجاليات.
بيد أن "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" ليست شركة بالمعنى التجاري، بل هي الذراع الإعلامي للمخابرات العامة المصرية هذا المخبز الشيطاني يُنتج يومياً خبز الكراهية الطازج في "على مسؤوليتي" مع أحمد موسى، وكعك المظلومية المُحلى في "حديث القاهرة" لإبراهيم عيسى، وسندويشات الحقد السريعة في برامج التوك شو، ووجبات التحريض الدسمة في السوشيال ميديا. والنتيجة؟ جيل كامل من المصريين يتغذى على الحقد كما يتغذى الرضيع على حليب أمه، يكبرون وفي دمائهم أجسام مضادة للامتنان، وفي عقولهم برمجة جاهزة: السعودي عدو طبقي يستحق كل أذى.
لعل أبلغ مثال على هذا التسمم الجماعي تلك الحادثة الفاضحة التي وثقها شابان كويتيان في الكويت ذاتها. دخلا كراج سيارات ليجدا مركبتهما وقد تحولت إلى تحفة فنية من الدمار: زجاج مُهشم، محرك محشو بالرمل، إطارات ممزقة. وحين وُوجه الجاني المصري، قالها بفخر الجاهل: "كنت فاكركم سعوديين، لأن جواز سفر سعودي كان على الطبلون". أي أن وثيقة الهوية وحدها باتت تستوجب التكسير. هنا تكمن المأساة: الجواز السعودي صار في اللاوعي المصري المُبرمج كالراية الحمراء أمام الثور الهائج. لم يعد العداء للسعودي مرتبطاً بما يفعل، بل بما هو. يكفي أن تكون سعودياً لتستحق التدمير!
يلوح في أفق هذه المأساة مشهد مأساوي يومي: عامل أوبر مصري يتحرش بامرأة سعودية، ثم يغضب حين تشتكي! عامل مطعم يبصق في الطعام الموجه للسعوديين ويعتبره "نضالاً طبقياً"! ميكانيكي يُخرب السيارة التي جاء ليُصلحها ويرى في ذلك "انتقاماً تاريخياً"! هؤلاء ليسوا مجرمين بالمعنى التقليدي، بل جنود في جيش الحقد المُبرمج. كل واحد منهم يحمل في رأسه شريحة إلكترونية مصرية الصنع، مبرمجة على قناة واحدة: "السعودي عدوك.. دمره بكل الوسائل المتاحة".
أغلب الظن أن من صمم الأحياء المصرية شبه المُغلقة في الرياض وجدة كان يقرأ رواية "1984" لجورج أورويل. هذه ليست مجرد تجمعات سكنية، بل معسكرات لغسيل الأدمغة، حيث يُربى الأطفال على أناشيد كراهية "الكفيل الظالم"، وتُتداول أساطير المظلومية كما تُتداول العملة، ويُمارس طقس الشتم الجماعي للسعودية كصلاة يومية، وتُخطط عمليات الأذى الصغيرة كأنها غزوات مقدسة. إنها دول داخل الدولة، محميات طبيعية للحقد، حاضنات دافئة للكراهية المُستدامة. وإن جالية بحجم 2.5 مليون نسمة، مُشبعة بالكراهية، مُنظمة في غيتوهات مُغلقة، قابلة للتجنيد والتحريض، تُشكل تهديداً أمنياً من الطراز الأول. لقد تحول بعض من يعيش بيننا من جالية وافدة إلى ما يُشبه "العدو الداخلي"... ذلك الذي لا يرفع سلاحاً، بل يزرع شكاً، ويبصق في طعامك لا لأنه ملوث، بل لأنك سعودي.
تأمل هذا الواقع، إذا فتحت تويتر السعودي ستجد ظاهرة عجيبة: "أبو فلاح النجدي" الذي يكتب "يا افندم" بدلاً من "يا خوي"، و"نورا السعودية" التي تقول "والنبي" كل ثلاث كلمات، و"محمد آل عتيبي" الذي يُدافع عن السيسي أكثر من دفاعه عن الملك سلمان! هذا الجيش الإلكتروني المصري لا يعمل كأفراد، بل عبر خوارزميات، تتلقى إشارات من غرف سوداء، وتنفذ حملات لصناعة رأي سعودي وهمي يُستخدم في الإعلام الدولي ضدنا. 
والإعلام المصري لا يخدم مصالح مصر فقط، بل صار أداة وظيفية ضمن منظومة دولية تهدف إلى زعزعة استقرار الخليج: قناة هنا، منصة هناك، حساب في كندا، وآخر من لندن... جميعهم يصطفون حين تصمت المملكة. إنهم يتسللون إلى كل نقاش سعودي ليُلوثوه، يصنعون انقسامات وهمية، يُضخمون كل سلبية ويُقزمون كل إنجاز، يُحولون كل قضية وطنية إلى معركة داخلية. إنها حرب من الجيل الرابع، تُشن بالهاشتاغات بدلاً من الرصاصات، لكن أثرها التدميري على السيادة الرقمية لا يقل خطورة عن أي تهديد تقليدي. أليس هذا السلوك تحديدًا ما كنا نعيبه على دولة شقيقة؟ فكيف تحولوا من ناقدين إلى مقلّدين؟ أهذا هو الدرس الذي خرج به حسن رشاد من فصول حروب الجيل الرابع والخامس؟ أن يُطلق الذباب ويُشيطن الشقيق ويُفتّت وعي الجار؟
لئن كانت جالية السبعينات تأتي بقلوب بيضاء وأيادٍ عاملة، فإن جالية ما بعد 2013 تأتي بقلوب سوداء وألسنة حاقدة. إن الجيل المصري الجديد، المكون بعد ثورة 2011، تلقى في مدارس إعلامه ما يُشبه دورة كراهية مكثفة ضد الخليج: شتم السلفية، السخرية من النفط، الحقد على الثراء، ازدراء العرق العربي النقي، وتقديس الذات الفرعونية المُتخيلة... مزيج قذر من خطابات العسكر والإخوان واليسار القومي الناصري، صُب في عقل الجالية كما يُحقن الدم الفاسد في الجسد. الأولى كانت تعمل بصمت الكرام، والثانية تصرخ بوقاحة اللئام. الأولى كانت تحفظ الجميل، والثانية تحفظ أغاني الهجاء ضد من يُطعمها. التحول ليس عفوياً، بل نتاج مشروع ممنهج لتحويل العامل المصري من إنسان يبحث عن رزق إلى قنبلة بيولوجية تحمل فيروس الحقد. جالية اليوم جاءت منزوعة من أي رابط أخلاقي، مُبرمجة على أن السعودي ليس إنساناً بل هدفاً، والسعودية ليست بلداً بل غنيمة.
وثمة في هذه المهزلة فصل خاص للنُخب المصرية التي عاشت في الخليج كالملوك، ثم عادت لتظهر على الشاشات كأنبياء الوطنية الزائفة. إعلاميون كانوا يعملون في قنوات سعودية، رضعوا من ثدي الخليج حتى التخمة، ثم فُطموا فصاروا يعضون نفس الثدي الذي أرضعهم! هؤلاء الممثلون الهواة، الذين تقمصوا دور الوطنيين بعد أن ملأوا جيوبهم بالريالات والدراهم والدينارات، يُحاضروننا اليوم عن "الكرامة الوطنية" و"الخليجي المتكبر" من على شاشات "صدى البلد" و"القاهرة والناس". يا للسخرية! كأن الكرامة تُشترى بالجنيه المصري المنهار، أو كأن الكبرياء يُباع في سوق الجمعة بالقاهرة!
يلوح سؤال مُحرج: لماذا نستمر في ضخ عشرات المليارات من الريالات سنوياً عبر تحويلات المصريين المقيمين في السعودية، حيث بلغت هذه التحويلات حوالي 28 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار أمريكي) في العام المالي 2023/2024؟ لماذا ننفق قرابة 5.6 مليار ريال سعودي (1.5 مليار دولار أمريكي) سنوياً على سياحة في بلد لم يعد يُرحب بنا، بل يحتقرنا في إعلامه ويُشيطننا في دراماه ويهيننا في سياحتنا؟ لماذا نُمول بدمائنا المالية نفس الماكينة الإعلامية التي تمضغنا صباح مساء؟ إنها معادلة انتحارية: ندفع لمن يكرهنا كي يستمر في كراهيتنا! لعل الجواب يكمن في مرض عربي قديم: الخلط بين الكرم والغباء، بين النُبل والسذاجة، بين الأخوة والاستغلال. عاملنا مصر كشقيقة مريضة تحتاج الدواء، فاكتشفنا أنها ليست مريضة بل مُدمنة، وإدمانها الوحيد هو ابتزازنا عاطفياً ومالياً. نعلم أن في مصر شعباً نبيلاً لا يرضى بهذا، لكن النظام اختطف صوته، وصدر لنا أسوأ ما فيه لا أفضل ما عنده.
بيد أن ما يُطمئن أن الوعي الشعبي السعودي سبق القرار الرسمي هذه المرة. الناس بدأت ترصد وتُوثق وتُطالب، بعد أن فهمت أن الضيافة إذا استُغلت تحولت إلى غباء، وأن الكرم إذا استُبيح صار جريمة بحق الأجيال القادمة. طالما سهل بعض مسؤولي الإعلام والثقافة اختراق خطاب المظلومية المصرية إلى شاشاتنا بدافع "الأخوة العربية" تلك الأخوة التي تبين أنها أحادية الاتجاه: نحن ندفع وهم يشتمون. آن الأوان لفرز النيات من الداخل كما نفرز التهديد من الخارج.
الحل يتطلب جراحة عاجلة بلا تخدير عاطفي، وهذا يتطلب تحركاً تنفيذياً سريعاً من وزارتي الداخلية والموارد البشرية، كل في نطاقه، لحماية المواطن من العداء المقنع باسم الاستقدام. البداية: وقف استقدام العمالة المصرية نهائياً في جميع المهن، ترحيل كل من تنتهي إقامته دون تجديد، محاكمة فورية لكل متورط في جرائم كراهية. ثم استقدام عمالة من السودان يعملون ولا يحقدون، من الفلبين يكدون ولا يتآمرون، من إثيوبيا يشكرون ولا يشتمون، من باكستان يبنون ولا يهدمون. 
ولعل أنقى النماذج كانت العمالة الكورية الماهرة والرخيصة -حينها- في السبعينات. جاءوا من أقصى الشرق فبنوا الطرق والجسور بصمت واحترام. لا غيتوهات، لا ضغائن، لا بصق في الطعام. كانوا يسجدون شكراً عند أول راتب. غادروا فذكرونا في كتبهم ومدارسهم كبلد الخير. لم يتحولوا لخلايا نائمة بل لسفراء وفاء. هؤلاء الغرباء كانوا أكثر عروبة من المتشدقين بالعروبة، أشقاء الضمير لا الدم. فلماذا لا نكرر التجربة مع شعوب أخرى؟ 
مع #مقاطعه_السياحه_في_مصر : 5.6 مليار دولار سنوياً ستبحث عن وجهة تحترمنا، وتجميد كل استثمار جديد حتى يُكمموا كلاب إعلامهم، وربط أي قرش مساعدة بشرط مكتوب: "أغلقوا مصانع الكراهية أولاً". وعلى المستوى الرقمي، نحتاج عدم تدخل وزارة الإعلام وغيرها ضد #الصقور_الإلكترونية_السعودية التي تسحق الصراصير المصرية، وقوانين صارمة تُجرم انتحال الهوية الرقمية السعودية، وهذه ليست مزحة بل ضرورة أمنية رقمية عاجلة. نريد خوارزميات ذكية تكشف "أبو فلاح" المزيف من "أبو فلاح" الحقيقي، وتطوير خوارزميات تُميّز الحسابات المزيفة التي تنتحل أسماء سعودية، بناءً على السمات السلوكية واللغوية الدقيقة، ومنع أي محتوى مصري يُشوه صورة السعودية، ودعم إنتاج محتوى يفضح النفاق المصري، وتوثيق كل حادثة كراهية ونشرها للعالم.
مع #مقاطعة_العمالة_المصرية من أعلى المناصب إلى أدناها - من الطبيب إلى الباعة وعامل التحميل - سنُعلن لدولتنا أننا لم نعد نقبل أن نكون رهائن في بلدنا، ولا ضحايا لمن جاء ضيفاً فتحول إلى خصم.
نحن لا نُشيطن شعباً ولا نُعمم الحكم، بل نُحمل المسؤولية لنظام حول شعبه إلى ذخيرة حية، وصدر فشله في صورة عمال محملين بالأحقاد. نحن نُدافع عن حقنا في العيش بكرامة في بلدنا، دون أن نتحول إلى ضحايا لمشروع "تصدير الفشل" المصري. النظام المصري يلعب لعبة قذرة: يُحول مواطنيه إلى قنابل موقوتة، يُصدرها إلينا، ثم يبتزنا: "ادفعوا وإلا انفجرت في وجوهكم". حسناً، لقد قررنا: فلتنفجر في بلدها. نحن لسنا مكب نفايات للفشل المصري، ولا حقل تجارب للحقد المُبرمج.
وفي نهاية هذا المشهد الكارثي، تبقى الحقيقة عارية كصحراء سيناء: الجحود لم يعد صفة فردية، بل سياسة دولة. مصر حولت نكران الجميل إلى عقيدة وطنية، والحقد على المُحسن إلى واجب قومي، وعض اليد الممدودة إلى رياضة شعبية. لكن السعودية الجديدة تعلمت درساً لن تنساه: الكرم مع الكريم كرامة، ومع اللئيم إهانة للذات. من الآن فصاعداً، لن نُطعم من يلعننا، ولن نُؤوي من يخوننا، ولن نفتح أبوابنا لجيوش الحقد المُعلب.
فليبحث النظام المصري عن ضحية أخرى لابتزازه العاطفي. وليجد شعبه الذي برمجه على الكراهية مكاناً آخر يُفرغ فيه أحقاده. أما نحن، فقد اخترنا: الكرامة فوق العاطفة، والأمن فوق المجاملة، والمستقبل فوق أوهام الماضي. هكذا تنتهي قصص الكرم مع الجاحدين: لا بالعناق، بل بصفعة الواقع. وهكذا تبدأ قصص الأوطان التي احترمت نفسها: لا بالشعارات، بل بالقرارات. ولعل في ذلك عبرة لمن كان له عقل... أو على الأقل، لمن لم يبعه في سوق الجمعة بالقاهرة.

13 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤