06 سبتمبر 2024

الصقور الرقمية وحروب الجيل الخامس: حين تصبح التغريدة سلاحًا في معركة المستقبل

 الصقور الرقمية وحروب الجيل الخامس: حين تصبح التغريدة سلاحًا في معركة المستقبل
 
 في زمنٍ غدت فيه الكلمة سلاحاً أمضى من السيف، وأضحت فيه المنصات الرقمية ساحات وغى لا تهدأ، برز المغرد السعودي كظاهرة تستعصي على التصنيفات التقليدية. إنه ليس مجرد مستخدم عادي لمواقع التواصل الاجتماعي – وهذا ما يغيب عن الأذهان المشوشة – بل قوة ناعمة تعيد رسم خريطة الإعلام العالمي، وتشكل خط الدفاع الأول عن هوية المملكة في العالم الافتراضي.
 
 ولعل أبرز تجليات هذه القوة – وهنا مربط الفرس – ما شهدناه مؤخراً مع انطلاق هاشتاق #الصقور_الرقمية_السعودية . لم يكن هذا مجرد وسم عابر، بل صرخة "وعي" جماعية أطلقها الملايين من المغردين السعوديين. هذا الهاشتاق، الذي تصدر قائمة الترند السعودي بقوة غير مسبوقة، لم يكن سوى البداية؛ فسرعان ما تحول – وهذا ما يثير الدهشة – إلى حركة وطنية شاملة، تجلت في حملة عفوية لتوحيد الصور الشخصية وصور البروفايل على تويتر.
 
 بيد أن هذه الخطوة – التي قد تبدو للبعض مجرد تغيير تجميلي – هي في حقيقتها رسالة قوية للعالم: نحن هنا، موحدون، مستعدون للدفاع عن وطننا في كل ساحة، حتى لو كانت ساحة افتراضية. إنها لحظة وطنية فريدة، تُظهر قوة التلاحم الشعبي في الفضاء الرقمي، وتؤكد أن المغرد السعودي ليس مجرد رقم في إحصائيات التواصل الاجتماعي، بل هو قوة حقيقية قادرة على صناعة الحدث وتشكيل الرأي العام.
 
 لكن – ولنضع النقاط على الحروف – المغرد السعودي ليس "ذباباً إلكترونياً" كما يحلو للبعض وصفه، بل هو "صقر رقمي". وهنا يكمن جوهر الخلاف مع بعض الأصوات، حتى تلك التي نعتبرها صديقة، كمعالي الشيخ آل حامد، الذي – وللأسف – انزلق بحسن نية بحتة ودون أن يدري إلى فخ مصطلح خبيث.
 
 فلنتوقف هنا لحظة ونسأل: ما الفرق بين "الذباب الإلكتروني" و"الصقور الرقمية"؟ إنه الفرق بين الزيف والأصالة، بين المرتزقة والمواطنين الغيورين. الصقر الرقمي السعودي هو مواطن حقيقي، يغرد بدافع الوطنية الصادقة، حتى وإن اختلفنا مع بعض آرائه. قد يكون متحمساً – بل مخطئًا ومتجاوزًا أحياناً – لكنه يبقى صوتاً أصيلاً نابعاً من ضمير المجتمع ووعيه الجمعي.
 
 أما "الذباب الإلكتروني" فهو أداة في يد من يدفع أكثر، يغير ولاءاته بتغير الأجندات، ويبدل جلده كالحرباء بتبدل المصالح. ولا ننسى أنه مصطلح ابتدعه عضو كنيست سابق، وتلقفه أحد كلابه خلال الأزمة الخليجية، في محاولة يائسة وبائسه لتشويه سمعة المغرد السعودي الذي كان شوكة في حلوقهم. 
 والمفارقة المرة أن يأتي معالي الشيخ آل حامد، ليقع في فخ هذا المصطلح المسموم. ألم يكن الأجدر بمعاليه الذي لانشك إطلاقًا- بمحبته وجديته أن يتذكر شهادة زميله، معالي الدكتور أنور قرقاش، الذي قال أبان "الأزمة الخليجية" بأن "المغرد السعودي غيّر المشهد الإعلامي وأسقط حملات إعلامية دُفع عليها مليارات الدولارات"؟ فما الذي تغير يا ترى منذ تلك الشهادة؟
 
 ولعل الأكثر إثارة للدهشة في مبادرة معالي الشيخ هو اعتماده على إحصائيات مشكوك في صحتها. فحين يُعلن عن نسبة نجاح تبلغ 98.6%، ألا يحق لنا التساؤل عن مصدر هذه الأرقام ومنهجية حسابها؟ وهل نسي معاليه الدرس الذي تعلمناه جميعاً من قضية اعتماده على إحصائيات ChatGPT-4 الوهمية كما أوضحت سابقًا؟
 
 إنني أخشى – وأرجو أن أكون مخطئاً – أن من قدم لمعالي الشيخ الكريم التحليل السابق الخاطئ هم ذاتهم من زودوه بهذه الإحصائية الأخيرة. وهنا أتساءل بكل أدب واحترام: ألا يستحق الأمر مراجعة دقيقة لمصادر المعلومات التي يعتمد عليها معاليه؟
 
 وهنا لابد من توجيه عتاب أخوي لمعالي الشيخ آل حامد. فنحن، وإن كنا نقدر حسن نواياه ونثمن جهوده العظيمة في محاربة الإساءات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بل وندعم روح مبادرته تمامًا، إلا أننا نرى أن الأمر يتطلب فهماً أعمق للواقع الرقمي السعودي والخليجي.
 إن الحوار البناء والتعاون المثمر لا يمكن أن يتحققا دون الاتفاق على الأساسيات. ولعل أول هذه الأساسيات هو وضع تعريف موحد وواضح لما نعنيه بـ "الصقور الإلكترونية" أو المغردين الوطنيين. هؤلاء هم أبناء وبنات الوطن الذين يذودون عن بلادهم بوطنية وغيرة، معبرين عن آرائهم بحرية وصدق، حتى وإن اختلفنا معهم في بعض وجهات النظر.
 في المقابل، يجب أن نميز بوضوح ما نعنيه بـ "الذباب الإلكتروني" الممول من دول ومنظمات معادية. هؤلاء ليسوا سوى مرتزقة رقميين، يقبضون بالدولار على التغريدة، ويستخدمون برامج متطورة لتقليد لهجاتنا وانتحال شخصياتنا. غالبيتهم يختبئون وراء أسماء وهمية وصور مزيفة، لكن بعضهم – وهذا هو الأخطر – شخصيات حقيقية، بل إن منهم مذيعين في قنوات معروف لمن تعود ملكيتها ومن يوجهها.
 هذا التمييز ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة عملية لبناء استراتيجية فعالة في مواجهة التحديات الرقمية. فكيف يمكننا أن نحارب التضليل إذا لم نتفق أولاً على تعريف واضح لمصادره وأدواته؟
 
 لذا، فإننا ندعو معالي الشيخ آل حامد، وكل المعنيين بهذا الشأن، إلى فتح حوار جاد وعميق حول هذه القضايا. حوار يهدف إلى بناء فهم مشترك لطبيعة المشهد الرقمي، وتطوير آليات فعالة للتعاون في مواجهة التحديات المشتركة. 
 إن هدفنا المشترك هو حماية فضائنا الرقمي من التلاعب والتضليل، وتعزيز دور المغرد الوطني الحقيقي في بناء صورة إيجابية لبلادنا. وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا بالتعاون والتنسيق، والاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبه المغرد الوطني في تشكيل الرأي العام وحماية المصالح الوطنية.
 والآن دعونا نتجاوز هذا الجدل لنتأمل في قوة التأثير الحقيقية للمغرد السعودي. فتاريخ هذه القوة الناعمة حافل بالإنجازات التي تستحق التوقف عندها، وهده مجرد أمثلة:
 
 في عام 2018، حين حاول العالم شيطنة السعودية مستغلاً قضية مقتل خاشقجي، كان المغرد السعودي هو خط الدفاع الأول. لقد نجح المغردون السعوديون في تقديم رواية متوازنة ومتينة، وكشف زيف الادعاءات المغرضة؛ ولو قلنا أنه كان السد المنيع الإعلامي الذي توقفت أمامه كل حملات التشويه والتضليل من أعتى المؤسسات الإعلامية الكبرى الدولية إلى "الذباب الإلكتروني" لما كنا مبالغين. 
 
 وقبل ذلك، أيام ما سُمي بالربيع العربي، حين دعا الإخوان وفروخ المعارضة في لندن – المدعومون بمشروع أوباما لتمكين الإخوان – لما أسموه "ثورة حنين"، كان المغرد السعودي بوعيه الحاد درعًا منيعاً. لقد نجح في تحويل المشهد إلى مظاهرة وطنية غير مسبوقة، أظهرت للعالم مدى التفاف الشعب السعودي حول قيادته.
 
 بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى إحباط مخططات استخباراتية بملايين الدولارات. ففي الفترة من 2016 إلى 2019، حين مُوِّل ما سُمي بـ "مشروع النحل الإلكتروني" استخبارتيا من دول ومنظمات لتشويه صورة السعودية، كان المغرد السعودي هو من أفشل المشروع، محطماً أوهام من ظنوا أن المال وحده كافٍ لشراء الحقيقة.
 أما في "الأزمة الخليجية" فلا داعي للاستطراد فقد كفانا الشرح معالي أنور القرقاش. 
 إن المغرد السعودي لا يقتصر دوره على الدفاع عن الوطن في العالم الافتراضي، بل يتقدم الصفوف في ما يعرف بحروب الجيل الخامس، وهي الحروب التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، المعلومات، والسيطرة على السرديات. هذه الحروب تتجاوز المواجهة التقليدية إلى ساحات رقمية، حيث تصبح الكلمة والصورة والمعلومة أسلحة فعالة في التأثير على الرأي العام. في هذه المعركة، يتحول المغرد السعودي إلى جندي رقمي، يحمي حدود المملكة السيبرانية ويدافع عن الحقيقة أمام محاولات التضليل والتشويه. إنه ليس فقط حاميًا للرواية السعودية، بل مشاركًا في صياغة صورة المملكة أمام العالم، مؤكداً أن التغريدة الواحدة قد تحمل قوة تفوق الجيوش التقليدية في مواجهة الحملات الإعلامية الموجهة.
 هذه القوة الهائلة – والتي جعلت المغرد السعودي الثالث عالمياً في استخدام منصة "إكس" (تويتر سابقاً) بحسب الإحصاءات الرسمية – تستحق منا وقفة تأمل. ولكن كيف؟: 
 
 إن ما نحتاجه اليوم هو استراتيجية شاملة لبناء "مناعة رقمية وطنية" حقيقية. استراتيجية تتجاوز رد الفعل إلى الفعل الاستباقي، تجمع بين التعليم والتوعية وتطوير المهارات الرقمية. ولعل الخطوة الأولى تكون بإنشاء " #أكاديمية_وطنية_للدفاع_الرقمي "، تجمع خبراء الإعلام والتقنية والأمن السيبراني، لتدريب الشباب السعودي على فنون الحرب الرقمية الناعمة. فكروا بالمبادرة وكيف نثريها بأفكارنا للمسؤولين. شاركوا بالهاشتاق بأفكاركم؛ فخبرتكم أفضل من مليون شركة إستشارات أجنبية كبرى.
 ولكل من يحاول تشويه صورة المغرد السعودي، نقول: راهنتم على الرهان الخاسر. فالصقور الرقمية السعودية ستظل تحلق عالياً، تحمي سماء وطنها الرقمية، وتدافع عن حقيقته أمام العالم. فكل نقرة على لوحة المفاتيح هي ضربة في معركة الوعي، وكل تغريدة هي ملايين الشموع في وجه الظلام .
 وليسمع العالم، وليسمع أعداء الحقيقة جيداً: الصقور الرقمية السعودية ستظل تحلق عالياً، تحمي سماء وطنها الرقمية، وتدافع عن حقيقته أمام العالم. إنها ليست مجرد أرقام في إحصائيات التواصل الاجتماعي، بل هي قوة تغيير حقيقية، تشكل مستقبل المنطقة بأكملها.
 وفي الختام؛ فلكل صقر رقمي سعودي: أنت لست وحدك في هذه المعركة. فخلفك 15 مليون مغرد، وخلفهم شعب بأكمله. فلتكن كل نقرة على لوحة المفاتيح ضربة في معركة الوعي، وكل تغريدة سهمًا في قلب النفاق؛ فالصوت السعودي الحر لن يُخمد، والحقيقة ستنتصر في النهاية، مهما حاول المغرضون تشويهها.

10 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤