في خضم معمعة رقمية تكاد تكون أشبه بمتاهة لا نهاية لها، يقف المغرد السعودي شامخًا كطود في وجه سيل التضليل الجارف. بيد أن هذا الصوت الحر – وللمفارقة – بات متهمًا زورًا وبهتانًا بكونه "ذبابًا إلكترونيًا"؛ في محاولة بائسة لنزع الشرعية عن صرخته الوطنية.
ولنضع النقاط على الحروف فهذا بات ضرورة ملحة في زمن الغموض المتعمد: المغرد السعودي ليس ذبابًا إلكترونيًا، بل هو: "صقر رقمي" صوت أصيل ل 15 مليون سعودي يُحلقون في فضاءات التواصل الاجتماعي. إنه، إن شئنا الدقة، " #الجيش_السعودي_الرقمي"؛ قوة ناعمة تنبع من صميم المجتمع السعودي، لا من غرف مظلمة أو أجندات خفية.
والفرق – وهنا مربط الفرس – بين المغرد الوطني والذباب الإلكتروني جوهري وحاسم:
فالمغرد الوطني – وهذا ما يغيب عن الأذهان المشوشة – هو مواطن يغرد لوطنه انطلاقًا من وعيه وفكره وقناعاته. قد يكون متحمسًا – بل ومبالغًا في حماسه أحيانًا – لكنه يبقى صوتًا أصيلًا نابعًا من ضمير المجتمع. والأهم: أنه ليس موجهًا من أي جهة، بل يعبر عن قناعاته الشخصية بحرية تامة.
أما الذباب الإلكتروني – وهنا تكمن المفارقة المرة – فهو على النقيض تمامًا: زمرة من المرتزقة يتقاضون أجورهم بالدولار للترويج لأجندات بعينها. منهم من يتقن – للأسف – تقليد لهجاتنا، ومنهم من يغرد بهويته الحقيقية وفق إملاءات محددة. الفارق الجوهري هنا – ولا يخفى على ذي بصيرة – أن الذباب الإلكتروني كيان موجه بدقة ساعة "رويلكس"، يعمل وفق أجندات مرسومة سلفًا من دول ومنظمات حاقدة.
إن مصطلح "الذباب الإلكتروني" – وهذه مفارقة تستحق التأمل – نتاج عقل عضو كنيست سابق معروف بعدائه للخليج. واليوم، يُستخدم هذا المصطلح كسلاح في حرب رقمية شرسة لتشويه سمعة كل من يجرؤ على الدفاع عن السعودية. وهنا – بالضبط – تكمن خطورته على نسيج العلاقات الخليجية والعربية.
وفي هذا السياق، لا بد من استذكار ملاحظة معالي الدكتور الفاضل أنور قرقاش الثاقبة في عام 2017: "المشهد الإعلامي متحول في التقنية والمحتوى، ففي أزمة قطر نجد أن التويتر السعودي أكثر تأثيرًا من الجزيرة القطرية". ومنذ ذلك الحين – وهذا ما يثير حنق الخصوم – تنامت هذه القوة بشكل مضاعف، حتى غدا المغرد السعودي قوة لا يمكن تجاهلها -إطلاقًا- في صياغة الخطاب الإقليمي والعالمي.
إن محاولات تشويه صورة المغرد السعودي – ولنكن صرحاء – ليست سوى مسعى يائس لسلب السعودية إحدى أهم أدوات قوتها الناعمة. وهذا – بلا شك – ما يستدعي تصديًا حازمًا وحاسمًا.
وعليه، فإن ما نحتاجه اليوم – وبإلحاح – هو:
1. تعريف دقيق وصارم لـ"الذباب الإلكتروني"، يميزه بوضوح عن المغرد الوطني.
2. نشر قائمة رسمية – بشكل دوري – تفضح الحسابات المزيفة التي تدعي الانتماء لدول بعينها.
3. مصالحة إعلامية خليجية شاملة – وهذا هو الأهم – تتجاوز حدود منصات التواصل، لتشمل مكاشفة جريئة حول إعلام الظل الإلكتروني الذي تديره بعض الدول لاستهداف شقيقاتها؛ على سبيل المثال: مواقع الصحف الإلكترونية، القنوات الفضائية، نعرف من يمولهم، ولكن، إذا أردنا مصالحة حقيقية فلابد من التخلي عن نغمة "الإنكار"، الحقائق واضحة، ودون ذلك فستكون أي مصالحة مخدر موضعي، ويبقى الجرح كما هو حتى لا يكون حل له إلا "البتر" قبل أن يستشري ويستفحل.
وفي الختام – وهذا ما يجب أن يدركه العالم بأسره وليس الأشقاء فحسب – المغرد السعودي ليس ذبابًا، بل هو صوت الوطن النابض وضميره اليقظ. إنه خط الدفاع الرقمي الأول عن المملكة، وركيزة أساسية من ركائز قوتها الناعمة في عصر المعلومات المتدفق.
ولنقلها صراحةً: إن معركة الفضاء الرقمي اليوم هي معركة وجود، لا مجرد صراع على النفوذ. فمن يسيطر على الرواية يسيطر على المستقبل. والمغرد السعودي – بوعيه وحماسه وصدقه – هو رأس الحربة في هذه المعركة المصيرية. إنه الصوت الذي يزلزل عروش الأكاذيب، ويقوض أركان الدعاية المضللة.
فليسمع العالم، وليسمع أعداء الحقيقة جيدًا: لن نسمح بتحويل فضائنا الرقمي إلى ساحة للمرتزقة والعملاء. ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام محاولات تشويه صورة وطننا وقيادتنا.
إن المغرد السعودي ليس مجرد رقم في إحصائيات التواصل الاجتماعي، بل هو قوة تغيير حقيقية، تشكل مستقبل المنطقة بأكملها. فليتذكر من يحاول النيل من هذه القوة: أن صوت الحق – مهما حاولوا إسكاته – سيبقى أعلى وأقوى من كل ضجيج الباطل.
وأخيرًا، لكل من يراهن على إسكات الصوت السعودي الحر، نقول: راهنوا على المستحيل. فالمغرد السعودي باقٍ ما بقيت الشمس تشرق على أرض الحرمين. وستبقى كلماته شاهدة على عصر، وصانعة لتاريخ جديد، يكتبه الشعب السعودي بحروف من نور في سماء العالم الرقمي.