29 يوليو 2024

باريس 2024: صرخة أخيرة لحضارة تنتحر على ضفاف السين


 
 على جسر ديبيلي، حيث تتدفق مياه السين حاملةً معها قروناً من الحضارة الأوروبية، شهدنا مؤخراً مشهداً سرياليّاً يليق بلوحات سلفادور دالي. ففي حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024، قُدّم عرض يسخر - بوقاحة لا تخطئها العين - من لوحة "العشاء الأخير"، في استهزاء صريح بأحد أهم رموز المسيحية.
 
 لنتأمل للحظة في تفاصيل هذا المشهد الكاريكاتوري: على جسر تاريخي في قلب باريس، عاصمة "التنوير" المزعوم، نرى محاكاة ساخرة للعشاء الأخير، حيث تجسد شخصية المسيح "امرأة ضخمة الحجم"، ترتدي "تاجاً عملاقاً". وكأن هذا الاستهزاء بالرموز الدينية لم يكن كافياً، فقد أحاطوا هذا المشهد بمجموعة من فناني "الدراغ كوين" – وهم رجال يرتدون ملابس نسائية مبالغ فيها، وغالباً ما يستخدمون المكياج والزينة بشكل مفرط لتجسيد شخصيات نسائية بطريقة هزلية أو جمالية متطرفة – في عرض بهلواني يدّعي تمثيل "التنوع" و"الشمول"، ولا يخلو من إيماءات "البيدوفيليا" و "المثلية" تتساقط كالمطر في كل أروقة هذا المهرجان "المخزي". 
 
 هل هذا ما وصلت إليه الحضارة الغربية؟ أن تحوّل أهم حدث رياضي عالمي إلى منصة لنشر الانحلال والشذوذ؟ أين ذهبت القيم الأولمبية النبيلة التي طالما تغنى بها الغرب؟
 
 بيد أنّ ما يثير الاستغراب حقاً هو حجم ردود الفعل الغاضبة التي أثارها هذا العرض، حتى في الغرب نفسه. فها هو إيلون ماسك - وهو بالتأكيد ليس من المحافظين المتشددين - يصف العرض بأنه "عدم محترم بالغ للمسيحيين". ومايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، يعتبر المشهد "صادماً ومهيناً للمسيحيين في جميع أنحاء العالم".
 
 ولم يقتصر الأمر على الشخصيات الأمريكية. فها هي ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، تصف الحفل بأنه "فشل ذريع". حتى فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، اعتبر الحفل دليلاً على "ضعف الغرب وتفككه".
 والأمر لم يقف عند حدود السياسيين. فها هي جينا إليس، المحامية السابقة للرئيس ترامب، تصف العرض بأنه يحتوي على "رمزية وثنية وشيطانية صريحة". ودينيش دي سوزا، المخرج السينمائي اليميني، يصفه بأنه "تجديفي" و"مهين للغاية".
 رجال الدين لم يصمتوا. فها هو روبرت بارون، الأسقف الكاثوليكي الأمريكي، يصف العرض بأنه "نوع من السخرية المقززة والمتغطرسة". والأساقفة الكاثوليك الفرنسيون يصدرون بياناً ينتقد الحفل ويصفه بأنه يتضمن "مشاهد تسخر من المسيحية وتستهزئ بها". بدوره، رئيس أساقفة مالطا تقدم بشكوى مكتوبة إلى السفير الفرنسي بشأن الحفل. وتستمر الصرخات؛ فأدان أساقفة ومطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالولايات المتحدة وكندا الحفل بسبب "تضمنه سخرية من العقيدة المسيحية وإهانة للرموز المقدسة".
 والحال أنّ هذه الردود تكشف عن تناقض صارخ في الخطاب الغربي المعاصر. فمن جهة، نرى دعوات متزايدة لاحترام التنوع والهويات المختلفة. ومن جهة أخرى، نشهد استهتاراً فجّاً بمشاعر وقيم شريحة واسعة من المجتمع. أليس في هذا ما يكفي لفضح زيف "التسامح" الغربي المزعوم؟
 
 وفي مواجهة هذه الموجة العارمة من الانتقادات، ماذا فعل منظمو الحفل؟ لقد قاموا بحذف الفيديو الرسمي للحفل من حساب الأولمبياد على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.، وبيان اعتذار مرتبك لأحتواء الأزمة دون التراجع الصريح والاعتراف بالخطأ.
 والأدهى من ذلك كله هو محاولة المدير الفني للحفل، توماس جولي، الدفاع عن العرض بقوله: إنه يعكس حرية الناس في فرنسا في الحب والإيمان. هل وصل بنا الحال إلى اعتبار السخرية من المقدسات شكلاً من أشكال الحرية؟ أما اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024 فقد أكدت أنه لم تكن هناك نية للإساءة لأي جماعة أو ديانة خلال الحفل! ألا يكشف هذا عن تناقض صارخ بين النوايا المعلنة والنتيجة الفعلية؟
 
 بيد أنّ هذا المشهد المثير للجدل يستدعي نظرة أعمق إلى تاريخ الألعاب الأولمبية نفسها. فتعود بدايات هذه الألعاب إلى القرن الثامن قبل الميلاد في اليونان القديمة، حيث كانت تُقام كل أربع سنوات في مدينة أولمبيا تكريماً للإله زيوس. استمرت الألعاب لأكثر من ألف عام حتى أمر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول بإلغائها في عام 393 ميلادي، باعتبارها "طقوساً وثنية " تتعارض مع القيم المسيحية التي كانت تتنامى في الإمبراطورية الرومانية. وبذلك، توقفت الألعاب الأولمبية لأكثر من ألف وخمسمائة عام.
 
 عادت الألعاب الأولمبية إلى الحياة في العصر الحديث على يد البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان، الذي أسس اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) في عام 1894. وتم تنظيم أول دورة ألعاب أولمبية حديثة في أثينا، اليونان، في عام 1896، كمحاولة لإحياء الروح الرياضية والمنافسة الدولية دون الطقوس الوثنية السابقة.
 على ضوء ذلك، هل يمكن القول: أننا إذا نظرنا إلى ما حدث في افتتاح أولمبياد باريس 2024؛ فيمكننا تفسيره كمحاولة للانتقام ضد القيم المسيحية من قبل بعض الجماعات المتطرفة التي تروج للعلمانية المتطرفة واللادينية. على مر العصور، كانت الكنيسة هي القوة الأخلاقية التي تقف في وجه الكثير من الممارسات الاجتماعية والثقافية، وقرار ثيودوسيوس الأول بإلغاء الألعاب الأولمبية القديمة مثال واضح على ذلك.
 
 الافتتاح “المصخرة" لأولمبياد باريس 2024، الذي تضمن استهزاءً بالمقدسات المسيحية من خلال محاكاة لوحة "العشاء الأخير" واستخدام فنانين من "الدراغ كوين"، يعكس هجوماً متعمداً على القيم الدينية والتقاليد. هذا الافتتاح يمكن أن يُرى كرمز للتمرد ضد القيم المسيحية التقليدية، وكأن العلمانية المتطرفة تحاول الانتقام بخنجر مسموم في ظهر الكنيسة التي أوقفت الألعاب الأولمبية القديمة لقرون عديدة.
 
 يُمكن القول إن ما نشهده اليوم هو جزء من حرب ثقافية مستمرة بين القوى الداعية للحفاظ على القيم الدينية والتقاليد من جهة، وبين القوى التي تروج للعلمانية المتطرفة والانحلال الأخلاقي من جهة أخرى. هذه الحرب الثقافية تتجلى بوضوح في الأحداث العامة مثل حفل افتتاح الأولمبياد، حيث يتم استخدام المنصات العالمية لنشر رسائل سياسية واجتماعية معينة.
 
 إن عودة الألعاب الأولمبية الحديثة كان يُفترض أن تكون احتفاءً بالقيم الرياضية والتنافس الشريف، لكن تحويلها إلى منصة للسخرية من القيم الدينية يعكس أزمة أعمق في المجتمع الغربي، حيث يتم استغلال الفعاليات الرياضية والثقافية لتحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية. فهل نلام على قولنا؛ أن العلمانية المتطرفة تحاول الانتقام من الأديان بطرق جديدة، مستغلة الأحداث العالمية لنشر أفكارها وتحقيق أهدافها؟
 
 لكنْ دعونا نتجاوز هذا الحدث المنفرد، ولننظر إلى الصورة الأكبر. فما نشهده اليوم هو، في جوهره, محاولة ممنهجة لإعادة تشكيل المجتمعات الغربية وفق رؤية أيديولوجية متطرفة. رؤية تسعى لتفكيك كل الثوابت التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، بدءاً من الأسرة، مروراً بالدين، وانتهاءً بالهوية الجنسية.
 
 وها هي النتائج المروعة لهذه الحرب تتجلى أمام أعيننا:
 
 1. تسميم عقول الأطفال:
 في الولايات المتحدة، وتحديداً في ولاية فلوريدا، أقر المشرعون قانوناً يُعرف باسم "لا تقل مثلي" (Don't Say Gay)، يمنع تدريس قضايا الهوية الجنسية والتوجه الجنسي للأطفال في الصفوف الابتدائية. هل تعلمون ما كان رد فعل اليسار المتطرف؟ حملة شرسة ضد القانون، واتهامات بالتمييز والكراهية. وكأنّ تعليم الأطفال في سن السادسة عن "السيولة الجنسية" هو حق من حقوق الإنسان!
 
 في كندا، في مقاطعة أونتاريو، يستكشف طلاب الصف الثامن قضايا مجتمع الميم من خلال التركيز على مفهوم "احترام الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم". عبارة براقة تخفي وراءها محاولة لتشويش الهوية الجنسية للأطفال في سن حرجة من نموهم.
 
 وفي بريطانيا، نجد قضية Keira Bell المثيرة للجدل. هذه الشابة التي بدأت رحلة التحول الجنسي في سن المراهقة، ثم ندمت وعادت لجنسها الأصلي، رفعت دعوى قضائية ضد عيادة الهوية الجنسية التي عالجتها. ألا يجب أن تدق هذه القضية ناقوس الخطر حول خطورة تشجيع الأطفال والمراهقين على اتخاذ قرارات مصيرية قبل اكتمال نضجهم العقلي والنفسي؟
 
 2. هجوم على الأسرة:
 في هولندا، أقر البرلمان في عام 2023 قانوناً يسمح للأشخاص بتغيير جنسهم القانوني بدءاً من سن 16 عاماً دون الحاجة إلى موافقة الوالدين أو تقييم طبي. في ألمانيا، أقر "قانون الهوية الذاتية" الذي يسمح للأشخاص بتغيير جنسهم القانوني مرة واحدة سنوياً بدءاً من سن 14 عاماً. هل يُعقل أن نسمح لمراهق لم يكتمل نموه العقلي والنفسي بعد باتخاذ قرار سيغير حياته بالكامل؟
 
 وفي إسبانيا، أقر قانون في عام 2023 يسمح للأطفال بين 12 و15 عاماً بتغيير جنسهم بموافقة قضائية. هل هذا هو التقدم الذي يتباهى به الغرب؟ أن نسمح للأطفال بتغيير هويتهم الجنسية قبل أن يكونوا قادرين حتى على اختيار تخصصهم الدراسي؟
 
 وهنا يجدر بنا أن نتوقف عند تصريح البابا فرانسيس الذي حذر من خطورة ما أسماه "الأيديولوجية الجندرية" على المجتمع. فحتى رأس الكنيسة الكاثوليكية، المعروف بميوعته الدينية وبانفتاحه، يدرك خطورة هذه الأفكار على النسيج الاجتماعي والأخلاقي للمجتمعات وشرعية الكنيسة.
 
 3. تدمير الهوية والثقافة:
 في اسكتلندا، أعلنت الحكومة في عام 2021 أن جميع المدارس يجب أن تدمج التعليم الشامل لمجتمع الميم في مناهجها الدراسية. في كاليفورنيا، تم إدخال كتب ومواد تعليمية تتضمن قصصاً عن عائلات مثلية في المدارس الابتدائية. هل هذا هو التنوع الثقافي الذي يتحدثون عنه؟ أم أنه محو ممنهج للهوية الثقافية والدينية الأصيلة؟
 
 
 وفي هذا السياق، لا يمكننا تجاهل دور الشركات الكبرى في الترويج لهذه الأفكار. فشركات مثل Disney وNetflix تستغل قضايا مجتمع الميم للترويج لمنتجاتها، محولة قضايا الهوية الجنسية إلى سلعة تجارية. ألا يثير هذا التساؤل حول مدى اهتمام هذه الشركات بحقوق الإنسان حقاً، أم أنه مجرد استغلال تجاري لقضايا حساسة؟
 
 4. قمع الحريات الدينية:
 في قضية Lorie Smith في كولورادو، واجهت مصممة ويب تهديدات بالغرامات لأنها رفضت تقديم خدمات لحفلات زفاف المثليين. في قضية Jack Phillips، تعرض خباز لدعاوى قضائية وغرامات لأنه رفض صنع كعكة زفاف لزوجين مثليين. في فنلندا، واجهت Päivi Räsänen، عضو البرلمان، تهماً جنائية لمجرد تعبيرها عن آرائها المسيحية حول الزواج والجنسانية.
 
 هذه ليست حالات معزولة. إنها نمط متكرر يهدف إلى إسكات أي صوت يعارض الأجندة الليبرالية المتطرفة. أين حر ية التعبير والمعتقد التي طالما تفاخر بها الغرب؟
 
 5. تشويه العلم والحقائق البيولوجية:
 في بعض الجامعات الغربية، بات من المحرمات الحديث عن الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث. في المملكة المتحدة، فقد الدكتور David Mackereth وظيفته في وزارة العمل والمعاشات لأنه رفض استخدام الضمائر المفضلة للمتحولين جنسياً، معتبراً أن ذلك يتعارض مع الحقائق البيولوجية.
 
 وهنا يبرز دور الدكتور جوردان بيترسون، عالم النفس الكندي الشهير، الذي وقف بحزم ضد محاولات فرض استخدام ضمائر مخترعة للمتحولين جنسياً. لقد تعرض بيترسون لحملات تشويه وتهديدات بفقدان وظيفته الأكاديمية لمجرد دفاعه عن الحقائق البيولوجية الأساسية. ألا يدل هذا على مدى تغلغل الأيديولوجيا على حساب العلم في المؤسسات الأكاديمية الغربية؟
 
 6. تدمير الرياضة النسائية:
 في الولايات المتحدة، أثار السماح للرجال المتحولين جنسياً بالمنافسة في الرياضات النسائية جدلاً واسعاً. في حالة Lia Thomas، السباح المتحول جنسياً، رأينا كيف يمكن لهذه السياسات أن تدمر فرص النساء في المنافسة العادلة. هل هذه هي المساواة التي يدّعون الدفاع عنها؟
 وفي بريطانيا، أثارت مشاركة Emily Bridges، الدراجة المتحولة جنسياً، في سباقات النساء احتجاجات واسعة من الرياضيات. ألا يعد هذا إلغاءً لعقود من النضال من أجل المساواة في الرياضة النسائية؟
 
 7. الهجوم على الفن والثقافة:
 في عام 2023، قررت دار أوبرا إنجلترا الوطنية إلغاء كلمات مثل "فتاة" و"فتى" من أوبرا "هانسل وغريتل" الكلاسيكية، بحجة جعلها أكثر شمولاً. في متحف أمستردام، تم تغيير عنوان لوحة "الزنجية الصغيرة" للفنان سيمون مارس إلى "فتاة بمروحة" تجنباً لاستخدام كلمة قد تعتبر عنصرية. هل هذا هو مستقبل الفن والثقافة في الغرب؟ محو للتاريخ وتشويه للتراث باسم "الشمولية"؟
 إنّ ما نشهده اليوم هو حرب شاملة على القيم الإنسانية والفطرة السليمة. إنها محاولة لخلق جيل مشوش الهوية، فاقد للبوصلة الأخلاقية، سهل الانقياد للأهواء والنزوات. والأخطر من ذلك كله هو محاولة تصدير هذه الأفكار المسمومة إلى عالمنا العربي والإسلامي.
 
 لكنْ هل كل شيء مظلم إلى هذا الحد؟ الحقيقة أنّ هناك بصيص أمل. ففي أوغندا، أصدرت الحكومة في عام 2023 قانوناً صارماً ضد الممارسات المثلية. في روسيا، تم توسيع قانون حظر "الدعاية للعلاقات الجنسية غير التقليدية" ليشمل جميع الأعمار. في الصين، تم منع عرض المحتوى المتعلق بالمثلية الجنسية في وسائل الإعلام والإنترنت.
 
 هذه الدول، رغم ما قد نختلف معها في قضايا أخرى، أدركت خطورة هذه الأجندة على النسيج الاجتماعي والأخلاقي لمجتمعاتها. فهل سنتعلم من دروسها قبل فوات الأوان؟
 وحتى في الغرب نفسه، نرى بوادر مقاومة ثقافية. فحركات مثل "الأمهات المتمردات" في بريطانيا تقف ضد تدريس "الأيديولوجية الجندرية" في المدارس. وفي الولايات المتحدة، تتزايد الأصوات المطالبة بحماية الرياضة النسائية من المنافسة غير العادلة.
 
 لكنْ هل يكفي مجرد الاستنكار والشجب؟ أليس من واجبنا أن نتخذ خطوات عملية لحماية مجتمعاتنا من هذا الغزو الفكري المدمر؟
 
 إنّ المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الوعي. علينا أن نعمل بجد على تحصين شبابنا فكرياً وثقافياً، وأن نزودهم بالأدوات اللازمة لفهم وتفكيك هذه الأيديولوجيات المضللة. يجب أن نعيد الاعتبار للقيم الأسرية والدينية والأخلاقية في مناهجنا التعليمية وإعلامنا.
 
 وفي الوقت نفسه، لا بد من التصدي بحزم لمحاولات تسلل هذه الأفكار إلى مجتمعاتنا تحت ستار "حقوق الإنسان" أو "الحريات الفردية". فهل من المنطقي أن نسمح بتدمير نسيجنا الاجتماعي باسم حقوق مزعومة لا تمت للفطرة الإنسانية بصلة؟
 
 إنّ ما نشهده اليوم ليس سوى المرحلة الأخيرة من مخطط طويل المدى لتفكيك المجتمعات وإعادة تشكيلها وفق رؤية أيديولوجية متطرفة. وإذا لم نتحرك الآن، فقد نجد أنفسنا في مواجهة جيل كامل فاقد للهوية والانتماء، سهل الانقياد لأي تيار أو فكرة مهما كانت شاذة أو منحرفة.
 
 والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل ستكون أولمبياد باريس 2024 صرخة الإنذار الأخيرة لحضارة تنتحر؟ أم أنها ستكون نقطة التحول التي تدفعنا جميعاً للتحرك قبل فوات الأوان؟
 إنّ المعركة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة. فما زالت هناك قوى حية في الغرب وفي عالمنا العربي والإسلامي تدرك خطورة ما يحدث وتسعى لمواجهته. علينا أن نتحد مع هذه القوى، وأن نبني جبهة ثقافية وفكرية قادرة على الصمود في وجه هذا الطوفان الجارف. ولنتذكر أنّ التاريخ لم يرحم يوماً الحضارات التي تخلت عن قيمها وهويتها. 
 
 فهل سنكون جيلاً يُذكر بالعار لأنه سمح بانهيار كل ما بناه الأجداد؟ أم أننا سنكون الجيل الذي وقف في وجه الانحدار وأعاد البوصلة إلى مسارها الصحيح؟
 
 الخيار لنا، والتاريخ شاهد. وإذا كان حفل افتتاح أولمبياد باريس قد كشف عن عمق الأزمة التي يعيشها الغرب، فليكن أيضاً نقطة انطلاق لصحوة ثقافية وأخلاقية نحن في أمس الحاجة إليها. فإما أن نكون شهوداً على انتحار حضارة، أو أن نكون صنّاع نهضة جديدة تعيد للإنسانية توازنها وقيمها الأصيلة.

17 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤