بريطانيا العظمى: عندما يصبح التغريد إرهاباً والإرهاب حرية تعبير
في مشهد يليق بأفضل مسرحيات العبث، تعلن وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر، بكل جلال قدرها وعظمة منصبها، أنها ستعامل "التطرف في كراهية النساء" كشكل من أشكال "الإرهاب"!
يا له من تطور مثير! وكأن الكراهية أصبحت فجأة أخطر من القنابل! هذا القرار، الذي يأتي في إطار "قانون الأمان على الإنترنت" المثير للجدل، يمنح سلطات واسعة لمراقبة المحتوى عبر الإنترنت. وكأن بريطانيا العظمى - مهد الديمقراطية المزعومة ومصدّرة حقوق الإنسان بالجملة - قد حلت جميع مشاكلها الأمنية الحقيقية، فقررت أن تخوض معركة وهمية مع أشباح رقمية!
لكن هذا القرار ليس سوى الفصل الأخير في مسرحية النفاق البريطانية. فبينما تسعى بريطانيا جاهدة لإخفاء اضطراباتها الداخلية، متوعدة بملاحقة كل من يجرؤ على كشف حقيقة ما يجري في شوارعها في مواقع التواصل الاجتماعي، نراها تفتح أبوابها على مصراعيها لمن يدعون لقلب أنظمة الحكم في دول أخرى!
لنتأمل في المشهد الأخير من هذه المسرحية الهزلية: إيلون ماسك، ملك التكنولوجيا المثير للجدل ومالك منصة X، يكشف عن حقائق تتعلق بالاضطرابات والمظاهرات التي تجتاح بريطانيا. هذه الأحداث التي تحاول وسائل الإعلام البريطانية التعتيم عليها بشدة، والتي تكشف عن غليان شعبي تفجر نتيجة عقود من السياسات الحمقاء. وما كان من الحكومة البريطانية إلا أن هبت كالثور الهائج، مهددة باعتقال ماسك لتضعه بالقفص مع المئات من المواطنين البريطانيين الذين يكتبون عن الموضوع !
وهنا تتجلى المفارقة الصارخة بكل وضوح: فبينما تهدد بريطانيا باعتقال من يكشف حقائق اضطراباتها الداخلية، نراها تستضيف على أراضيها أمثال سعد الفقيه، المدرج سابقًا على قائمة العقوبات الأممية بتهمة تمويل الإرهاب، ومحمد سعيد الغامدي والمسعري وعسيري، الذين يكفرون الدولة السعودية حكومة وشعبًا، وماينتج عن هذا التكفير بالضرورة من استحلال لدماء مسؤوليها ورجال أمنها!
هؤلاء الأراجوزات الذين يتحكم بهم كوهين السعودية، بإشراف استخباري أجنبي، وتمويل لا نجهله، يعيشون في لندن بكل راحة بال، ويديرون منظمات تدعو صراحة إلى الإطاحة بأنظمة الحكم في دول أخرى. وكأن بريطانيا تقول: "مرحبًا بكم في فندق الإرهاب البريطاني، حيث الإقامة مجانية والتحريض على العنف من الخدمات الأساسية طالما إنك تحت مظلة جهاز المخابرات السرية البريطاني وحلفائها من العيون الخمس!"
هذه السياسات المتناقضة تكشف عن عمق النفاق في السياسة البريطانية، نفاق يفوح كرائحة الجبن الإنجليزي الفاسد. فهي تدعي محاربة الإرهاب، بينما توفر ملاذًا آمنًا لمن يدعون إلى العنف والتطرف ضد دول أخرى. وفي الوقت نفسه، تسعى لتقييد حرية التعبير على الإنترنت تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب الرقمي". إنها كمن يحاول إطفاء حريق بالديزل، ثم يتساءل مفكروها ومراكز أبحاثها بسذاجة لماذا تزداد النيران اشتعالًا!
ولعل أبرز تجليات هذا النفاق تظهر في علاقات بريطانيا مع الدول العربية. فبينما تطالب بريطانيا دولًا كالسعودية ومصر والإمارات والبحرين بتوسيع هامش حرية التعبير، نجدها تستضيف معارضين يدعون لقلب أنظمة الحكم في هذه الدول. الأدهى من ذلك، أنها تفتح ذراعيها لجماعة الإخوان المسلمين، التي تكفّر الدول العربية والإسلامية وتدعو لإسقاط حكوماتها. وكأن بريطانيا تقول: "نحن نؤمن بحرية التعبير... طالما أنها تخدم مصالحنا وتضر بأعدائنا!"
وها هو جسر لندن يسقط مجددًا، ولكن ليس المقصود هاهنا الجسر الملكي، بل جسر المصداقية الذي طالما تباهت به بريطانيا. سقط تحت وطأة تناقضاتها وازدواجية معاييرها، تاركًا الديمقراطية البريطانية معلقة فوق نهر التاريخ، تتأرجح كمعدوم بالمشنقة في ساحة العذاب العالمي.
فهل ستستفيق بريطانيا من غيبوبتها الأخلاقية قبل فوات الأوان؟ أم أنها ستستمر في لعب دور المهرج في مسرح السياسة الدولية، تثير الضحك والشفقة في آن واحد؟
الساعة تدق، والعالم يراقب. وفي كل مرة تختار فيها بريطانيا النفاق على الصدق، والقمع على الحرية، تدق مسمارًا جديدًا في نعش سمعتها الدولية. فلتستعد إذن لجنازة عظمى، تليق بإمبراطورية سقطت ضحية لتناقضاتها، وماتت وهي تحاول اصطياد التغريدات بشبكة مثقوبة بالنفاق والازدواجية. —— إذا أعجبك المقال فلا تنس قراءة المواضيع المرتبطة بالردود
5 دقيقة قراءة
الكاتب
اينشتاين السعودي
@SaudiEinestine
مشاركة المقالة عبر
Leaving SaudiEinsteinYour about to visit the following urlInvalid URL