أعرف لماذا انفجرت يا سامح: إعلان تركي آل الشيخ عن مسلسل عالمي عن الخليفة عبد الملك بن مروان -رحمه الله- أيقظ كوابيسك القطبية. عشرون سنة في حضن سيد قطب لا تُمحى بتوقيع مُقلد ليبرالي. تكتب اليوم بذاكرة قطبية وباسم “المفكر الحر”، ومقالك نسخة مكرورة من كتيّب إخواني قديم. ليس عبد الملك خصمك؛ خصمك حجر التاريخ، والحجر لا يهادن.
النصوص أوضح من الشمس: قال رسول الله ﷺ في صحيح مسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وقال ﷺ: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». هذا ما تجاهلته وأنت ترفع ابن الزبير مظلومًا وتصبغ عبد الملك بالدماء. وشهادة ابن عمر أوضح: ابن الزبير بغى على بني أمية ونكث عهدهم. ثم اعتزل الفتنة، وحين اجتمع الناس على عبد الملك بايعه. موقف عملي يقطع باب الشرعية: الخارج على الجماعة باغٍ، والمجتمع على خليفة شرعي.
1. سامح يقول: «هذا -أي عبدالملك بن مروان- من أكبر مجرمي التاريخ الأمويين… ولذلك يقلده الدواعش».
تعليقي: داعش تكفّر الملك الوراثي وتسمّيه “جاهلية”، وعبد الملك أسّس ملكًا وراثيًا مؤسسيًا. الفارق أن عبد الملك قاتل أصل التكفير (الخوارج)، بينما داعش أعادت إنتاج خطاب قطبي. من قاتل الجذور لا يكون قدوة للفروع.
2. سامح يقول: «هدم الكعبة بالمنجنيق سنة 73هـ».
تعليقي: 64هـ: حريق ستائر البيت زمن يزيد. 73هـ: حصار الحجاج لابن الزبير وقد حصّن الكعبة برجاله. بيت الله ليس خندقًا؛ من جعله حصنًا عرّضه للحجارة. أعاد عبد الملك البناء على رسم قريش، وقال لاحقًا حين بلغه صحة الحديث: «وددت أني تركته وما تولّى». اختلاف اجتهادين، لا “تدنيس”.
3. سامح يقول: «قتل ابن الزبير ومثّل بجثته على جدار الكعبة».
تعليقي: ابن الزبير قُتل لأنه رأس دولة منافسة بعد حصار مطول، وصلبه إعلانًا بانتهاء التمرد، وهي ثقافة ذلك العصر. لا تمثيل ولا ذبح للحجيج، بل قفل فتنة سياسية.
4. سامح يقول: «وهذه الفعل سابقة قلده فيها بعض المارقين كالقرامطة والوهابية لاحقًا حين دنسوا المسجد الحرام وقتلوا الأبرياء فيه».
تعليقي: هنا تنكشف اللعبة كاملة. لفظ “الوهابية” لم يكن يومًا مصطلحًا علميًا، بل سِبّة سياسية أطلقها خصوم الدعوة السلفية، وصارت تُستعمل كغطاء للتصويب على السعودية. فحين يكتب سامح أن “الوهابية دنّسوا الحرم وقتلوا الأبرياء”، فهو يقصد السعودية، لكنه يوارب خلف كلمة مشحونة ليُسعف مقصده في تكفير الدولة السعودية بالتلميح.
والأدهى أنه يضع مشهدين في كفّة واحدة: صلب ابن الزبير رضي الله عنه رأس دولةٍ منافسة بعد حصار طويل، وصلب جهيمان وأتباعه بعد اقتحام الحرم بالسلاح وزعم ظهور المهدي وترويع المصلين. هذه المساواة ليست قراءة تاريخ، بل إعادة إنتاج أدبيات التكفير والهجرة المبنية على الفكر القطبي التي شكلت وعيك يا سامح. القرامطة ذبحوا الحجيج واقتلعوا الحجر، وجهيمان -الذي تقدسه جماعتك- دنّس الحرم بالرصاص، كل ماسبق واضح لما تريد قوله : تكفير سياسي مغلف بعبارة “الوهابية”.
5. سامح يقول: «قتل عبد الملك مئات الآلاف».
تعليقي (المطرقة الحسابية): فلنحسبها يا سامح: 10 قتلى × 365 يوم × 20 سنة = 73,000. من أين جئت بـ”مئات الآلاف”؟ الحجاز كله لم يبلغ هذا الرقم! هذه ليست رياضيات ولا تاريخ، بل كذب بالحساب. الدم الأكبر كان في ثورات مسلحة (ابن الأشعث/دير الجماجم): قمع تمرّد لا ذبح مزاجي. وأما قولك «لو قال لي أحد اتق الله لضربت عنقه» فخبر أدبي بلا سند، اختلط بخطب الحجاج ثم أُلصق بعبد الملك.
6. سامح يقول: «غدر بالأشدق بعد أن أعطاه الأمان».
تعليقي: تركه عبد الملك واليًا على دمشق وهو في حملة العراق، فخان الأمانة وادّعى السلطان. عاد عبد الملك فاستعاد العاصمة، وقَبِل الأشدق الأمان ثم ظهرت مؤشرات عودته للخروج، فأمر بقتله. هذا فقه الجماعة لا غدر الأفراد. الغدر كان من الأشدق لعبد الملك، لا العكس.
7. سامح يقول: «كفّر المرجئة والمعتزلة والشيعة».
تعليقي: عبد الملك توفي 86هـ، واصل بن عطاء مؤسس المعتزلة اسس الفكر المعتزلي بعد وفاته بحوالي العقدين، و توفي 131هـ. أي أن عبد الملك كفّر فرقة وُلدت بعد موته؟ هل كان عنده خط مباشر مع المستقبل؟! هذا تهريج زمني لا تأريخ. المرجئة كانوا سند الدولة، والخوارج—أصل التكفير—استأصلهم عبد الملك وجيوشه. أما الشيعة فخصومة سياسية لا عقدية.
8. سامح يقول: «شتم آل البيت… مراسلات لمحمد بن الحنفية».
تعليقي: قَرب عبد الملك أبا هاشم ابن محمد بن الحنفية، وأكرم والده الذي لم يرد عطاؤه. لو كانت هناك “رسائل سبّ” لكانت البينة عند آل البيت، لكن لا أثر إلا في الورق العباسي. إكرام الأب والابن أنفى لزعم السبّ من ألف نقاش.
9. سامح يقول: «في عهده أكثر من سبّ علي 21 عامًا».
تعليقي: دعاية مبكرة تطاول بها بعض الولاة وتفاوتت. ولو كانت عقيدة دولة لما قبلها الحسن والحسين، ولما استمروا في وفادة معاوية كل عام. شدد عمر بن عبد العزيز منعها فانقطعت ولم تُستأنف بعده، بينما أُلغي كثير من إصلاحاته الأخرى بعد وفاته. هذا وحده كافٍ ليؤكد أنها لم تكن عقيدة دولة، بل انحراف دعائي؛ وربما صناعة عباسية لاحقة.
10. سامح يقول: «قال للحجاج: لا ترفع عنهم سيفك حتى يعودوا إلى الجماعة».
تعليقي: خبر مرسل لا تقوم به حجة. وإن صح، فمحله فتن مسلحة (ابن الأشعث/الخوارج)، لا “سيف مطلق” على الناس. فرق بين ردع بغاة وحصد سوق.
11. سامح يقول: «سمّم عبد الله بن عمر».
تعليقي: المُثبت أنه طُعن بزُجّ رمح في منى فمات متأثرًا بجراحه، كما روى البيهقي وابن سعد والذهبي. لا سند صحيح للتسميم. والواقع يثبت العكس: صلّى ابن عمر خلف الحجاج، ولو كفّره لما فعل. ومن الثابت أن عبد الملك كتب للحجاج أن يأتم بابن عمر في النسك -توقير لا تصفية- وقد رفض ابن عمر بيعة ابن الزبير واعتزل الفتنة، ثم بايع عبد الملك بعد اجتماع الكلمة؛ فهو سند شرعية لا هدف اغتيال.
وبعد كل هذه التهم، يبقى ما لا تستطيع الممحاة الإخوانية محوه: دينار عبد الملك الذي سُكّ سنة 77هـ لا يزال في متاحف العالم، قبة الصخرة قائمة منذ ثلاثة عشر قرنًا، والمصحف المنقّط يُتلى في كل بيت مسلم. في مقابل ذلك، لا يبقى من ابن الزبير إلا قبر في مكة. هكذا يتكلّم الحجر لا الورق، وهكذا يَفنى الوهم أمام الأثر.
يبقى وجه عبد الملك الذي لم تذكره:
• سكّ الدينار العربي والاستغناء عن بيزنطه اقتصادياً وحضاريًا.
• تعريب الدواوين.
• تنظيم البريد السريع.
• تنقيط المصحف الشريف.
• أبناؤه الأربعة: الوليد، سليمان، يزيد، هشام.
• ومن نسله في الأندلس: عبد الرحمن الداخل “صقر قريش”، الذي بنى قرطبة ونافس أوروبا.
التقييم الأكاديمي الحديث يجمع على أن عبد الملك نقل الخلافة من كونفدرالية قبلية إلى دولة مركزية مؤسسية، وصاغ هوية حضارية متكاملة. Cambridge Core، Britannica، Oxford Bibliographies كلها تؤكد أن الروايات السلبية التي رددتها انعكاس لتحيز عباسي، بينما الشواهد المادية -الدينار، القبة، المصحف- هي التي تكشف المؤسس الحقيقي.
المضحك أنك تظن نفسك تدافع عن الحق وأنت تكرر أكاذيب عباسية عمرها ألف عام. الحقيقة يا سامح: خصمك ليس عبد الملك ولا السعودية؛ خصمك الحجر الذي يشهد، والتاريخ الذي لا يكذب. وكلاهما ضدك. الكلمات تموت، أما ما يُشيّد فيبقى شاهدًا إلى آخر الزمان.