10 أغسطس 2024

المرأة السعودية: من سجينة الصحوة إلى رائدة التغيير

 إهداء: إلى حبيبتي ونور عيني، من أحلم لها بنوبل إن شاء الله.
 ————-

 
 هل سمعتم صرخة الحرية تدوي في سماء المملكة؟ إنها صرخة المرأة السعودية، تلك التي كانت بالأمس القريب أسيرة فتاوى "الصحونجية" وعقلية "الكهوف"، واليوم تقود سيارتها بنفسها نحو مستقبل مشرق. نعم، أيها السادة، نحن أمام ثورة حقيقية، لا مجرد طلاء خادع على جدران الصحوة البالية.
 
لنتوغل في أعماق هذا التحول الزلزالي، متجاوزين سطحية الإشادة إلى جوهر التغيير الجذري. نحن لسنا أمام مجرد تعديلات قانونية، بل نواجه زلزالاً فكرياً يهز أركان العقل الجمعي السعودي. إننا نخوض معركة ضروس ضد جذور الصحوة المتغلغلة في أعماق مجتمعنا كالسرطان الخبيث. هذه ليست حرباً على الورق، بل هي ثورة في الوعي، انقلاب على موروثات عفا عليها الزمن.
 
تخيلوا معي للحظة: كيف لامرأة نشأت على فكرة أن صوتها عورة أن تقف فجأة على منصة وتلقي خطاباً؟ كيف لرجل تربى على أن المرأة "ناقصة عقل ودين" أن يقبل أوامر رئيسته في العمل؟ إن التحدي الحقيقي ليس في تغيير القوانين - فهذا أسهل ما يكون - بل في إعادة برمجة العقل الجمعي السعودي.
 
 لنتوقف هنا لحظة ونفكك هذه المفاهيم المغلوطة. إن الذين فسروا الأحاديث النبوية بأن صوت المرأة عورة أو أنها ناقصة عقل ودين قد وقعوا في فخ الظلامية وسوء الفهم. فالإسلام الحقيقي، إسلام الرحمة والعدل، لم يقصد أبداً تهميش المرأة أو الحط من قدرها. بل على العكس، جاء ليكرمها ويرفع من شأنها.
 
 دعونا نفكك هذا التفسير الخاطئ لـ "نقصان عقل ودين المرأة"؛ فهذا الحديث - إن صح أصلاً - لا يشير إلى نقص جوهري في المرأة، بل إلى ظروف اجتماعية وبيولوجية محددة كانت سائدة في زمن معين. فهل يعقل أن نطبق فهماً لأيام الجمل والقوس والرماح على عصر الصواريخ الفرط صوتية والفضاء والذرة؟
 
 أيها المتشدقون بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، أين فقه الواقع الذي تتغنون به؟ كيف تتجاهلون أن المرأة اليوم تقود الطائرات وتدير الشركات وتكتشف اللقاحات؟ أليس من السخف أن نقيس عقل امرأة القرن الـ21 بمعايير القرن السابع رغم اختلاف ظروف الزمان والمكان والعادات والأحوال والذي بموجبه تتغير الفتوى كما قال ابن القيم؟
 
 وماذا عن "نقص الدين"؟ إنه أمر بيولوجي بحت لا علاقة له بجوهر الإيمان. هل نعاقب المرأة على فطرتها التي خلقها الله عليها؟ أليس هذا طعناً في حكمة الخالق نفسه؟
 
 وأما حكاية "صوت المرأة عورة"، فإن إطلاقه بدون فهم مقصوده جهل مطبق: ألم يكن عمر بن الخطاب - الخليفة الراشد الذي نتغنى بعدله وأنه ثاني أفضل الأمة بعد رسولنا المصطفى وصاحبه بالغار - قد عيّن الشفاء بنت عبدالله مسؤولة عن الحسبة في سوق المدينة؟ هل كانت تؤدي مهامها بالإشارات والإيماءات؟
 
 إن عمرًا نفسه نفى رجلاً وسيماً من المدينة خشية أن يفتن النساء. فهل نطبق هذا اليوم ونطرد كل وسيم إلى ضواحي "شرورة"؟ بالطبع سيوافق على هذا كل قبيح يخشى على نفسه من المقارنة!
 لكن حذارِ من الوقوع في فخ التقليد الأعمى للغرب! فنحن لسنا بحاجة لاستيراد نموذج غربي متهالك، بل علينا صياغة نموذجنا الفريد الذي يجمع بين أصالة الإسلام وروح العصر. نحن نسعى لتحرير المرأة من قيود الجهل، لا لإطلاق العنان للانحلال الأخلاقي. هدفنا هو بناء مجتمع متوازن يحترم المرأة كإنسان كامل، لا كسلعة في سوق الاستهلاك الغربي.
 إن الإسلام المعتدل، الصالح لكل زمان ومكان، يدعونا إلى تفسير هذه النصوص بما يتوافق مع روح العصر ومقاصد الشريعة السمحة. ولنتذكر نماذج النساء العظيمات في تاريخنا الإسلامي. ألم تكن أمنا عائشة رضي الله عنها من أعظم العلماء في عصرها؟ حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". فكيف نقبل اليوم بتهميش المرأة وهي وارثة لهذا الإرث العظيم؟ وهل كان صوتها عورة وهي تحدث الناس وتخطب فيهم وقد نزل فيها وباقي زوجات النبي قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء). فنساؤه رضي الله عنهن عليهن من التشديد والخصوصية ما ليس لغيرهن من النساء، فمالكم كيف تحكمون؟
 
 وماذا عن سكينة بنت الحسين، تلك العالمة الأديبة التي كانت مجالسها منارات للعلم والأدب؟ أو أم الدرداء الصغرى، التي كان الخليفة عبد الملك بن مروان يجلس في حلقتها متعلماً؟ هؤلاء النساء لم يكن صوتهن عورة، بل كان صوت العلم والحكمة الذي أثرى الحضارة الإسلامية.
 لنضع تجربتنا في سياقها العالمي الفريد. بينما تغرق المرأة الغربية في مستنقع المادية والتسليع، وتختنق المرأة في بعض المجتمعات الشرقية تحت وطأة التقاليد البالية، تقف المرأة السعودية اليوم على مفترق طرق تاريخي. إنها تصنع نموذجاً فريداً يجمع بين التقدم والأصالة، بين الحداثة والقيم. نحن نبني جسراً بين الماضي والمستقبل، لا نهدم جذورنا ولا نستورد أوهام الآخرين.
 ولنتأمل في الأرقام التي تؤكد هذا التحول الجذري: فبحسب الهيئة العامة للإحصاء، ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 17% في 2017 إلى أكثر من 33% في 2023. وفي التعليم العالي، تشكل الإناث اليوم 55% من إجمالي الطلاب الجامعيين في المملكة.
 
 أما في مجال ريادة الأعمال، فقد ارتفعت نسبة السيدات اللاتي يمتلكن سجلات تجارية من 22% في 2015 إلى 45% في 2023. وفي القطاع العام، وصلت نسبة النساء في المناصب القيادية إلى 39% في 2022، مقارنة بـ 1.2% فقط في 2016.
 هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات جافة، بل هي شهادة حية على نجاح رؤية 2030 في تمكين المرأة السعودية. إنها تؤكد أننا لسنا أمام تغيير شكلي، بل أمام تحول جذري في بنية المجتمع السعودي.
 إن تجربتنا فريدة بقدر ما هي معقدة. فنحن نحاول الانتقال من نموذج "الصحوة" المتشدد إلى نموذج إسلامي معتدل يحترم حقوق المرأة، دون أن نفقد هويتنا في خضم هذا التحول. إنها معادلة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.
 
 دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فقد ولى زمن المجاملات والكلمات المنمقة. نحن لسنا أمام "تحديات التمكين"، بل نحن في خضم "معركة التحرر من قيود الصحوة الفكرية". هذه ليست مجرد إصلاحات، إنها ثورة ضد عقود من التخلف الفكري الذي فرضه دعاة الظلام.
 
 المرأة السعودية اليوم لا تواجه فقط "تحديات"، بل تخوض حرباً شرسة ضد موروثات الصحوة المتحجرة. كل امرأة تدخل مجالاً كان حكراً على الرجال هي مقاتلة في جبهة التنوير ضد ظلامية الصحوة.
 
 إن معركتنا اليوم هي معركة الوعي قبل أن تكون معركة القوانين. نحن بحاجة إلى ثورة فكرية تعيد تشكيل المفاهيم وتحطم الأصنام الفكرية. علينا أن نفكك منظومة الصحوة المتشددة ذرة ذرة، ونبني مكانها صرحاً من الفكر المستنير الذي يستلهم روح الإسلام الحقيقية. هذه الثورة لن تكتمل إلا بجيش من المفكرين والمثقفين والعلماء الذين يحملون مشاعل التنوير في كل زاوية من زوايا المجتمع.
 
 إن تمكين المرأة السعودية ليس ترفاً، بل هو ضرورة وطنية. فكيف لوطن أن ينهض وهو يهمش نصف طاقاته؟ كيف لاقتصاد أن يزدهر وهو يقيد نصف عقوله؟
 
 نعم، نحن أمام ثورة فكرية حقيقية. ثورة تعيد للمرأة السعودية إنسانيتها الكاملة، وتعيد للمجتمع السعودي توازنه المفقود. إنها رحلة من ظلام "الصحوة" إلى نور الاعتدال، من جاهلية القهر إلى إسلام العدل والمساواة.
 
 وللمتشككين أقول: انظروا حولكم. انظروا إلى بناتكم وأخواتكم وأمهاتكم. هل ترون في عيونهن بريق الأمل والطموح؟ هذا البريق هو دليلكم على أن الثورة الفكرية قد بدأت، وأنه لا رجعة إلى الوراء.
 
 وبكل ثقة أقول: لن تنجرف بناتنا وراء تيارات التطرف الغربي والنسوية ونحو ذلك من هراء، لن نسمح بذلك وهن لن يسمحن. وفوق ذلك جميعًا فجوهر الرؤية، بل والنظام الأساسي للحكم، هو السد المنيع بإذن الله تجاه هذا الهراء الذي يتردد بين نسبة شاذة محدودة ينسبون أنفسهم لبلدنا والسعودية منهم براء. هم الاستثناء الذي يؤكد القاعدة الصلبة لرؤيتنا العظيمة التي صاغها المجدد الأمير محمد بن سلمان: الاعتدال.
 
 إن المرأة السعودية اليوم تقف على أعتاب عصر جديد، عصر تكون فيه شريكة حقيقية في بناء الوطن، لا مجرد تابع أو ظل. هي اليوم تحمل مشعل التغيير بيد، وتمسك بجذورها وقيمها باليد الأخرى. إنها تثبت للعالم أن التقدم لا يعني التخلي عن الهوية، وأن الحداثة لا تتعارض مع الإيمان.
 فلنعمل معًا - رجالًا ونساءً - على بناء هذا النموذج السعودي الفريد. نموذج يحترم المرأة كإنسان كامل، يقدر إمكاناتها، ويفسح لها المجال للإبداع والتميز، دون أن يسلخها عن قيمها وتراثها. لنكن جميعًا جنودًا نحارب الجهل والتخلف بسلاح العلم والمعرفة، ونبني مجتمعًا متوازنًا يفخر بماضيه ويتطلع بثقة إلى مستقبله.
 
 في الختام، أقول لكل امرأة سعودية: أنتِ لستِ نصف المجتمع، بل أنتِ المجتمع كله. فبدونك لا يمكن لهذا الوطن أن ينهض، ولا لهذه الرؤية أن تتحقق. فكوني على قدر المسؤولية، وارفعي راية العلم والعمل عاليًا. واعلمي أن خلفك قيادة رشيدة، ومجتمع يتطلع إلى الأفضل، وتاريخ مجيد يدفعك إلى الأمام.
 
 فلنمضِ قدمًا نحو مستقبل مشرق، تكون فيه المرأة السعودية نموذجًا يحتذى به عالميًا في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الإيمان والتقدم. هذا هو التحدي، وهذه هي الفرصة. فهل نحن على قدر هذه المسؤولية التاريخية؟ الإجابة، بإذن الله، ستكون دائمًا: نعم.

10 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤