28 يوليو 2024

إيران وولاية الفقيه: نموذج يأبى الاعتراف بفشله

 هل يحتاج المرء إلى أكثر من نظرة عابرة إلى المشهد الإقليمي ليدرك الفارق الشاسع بين نظام الملالي المتهالك في إيران وبين التحول الجذري الذي تشهده المملكة العربية السعودية؟ ألا يكفي نصف قرن من "الثورة الإسلامية" لإثبات فشل نموذج ولاية الفقيه؟
 ذاك أنّ إيران، منذ تولي آية الله الخميني السلطة في 1979، لم تفعل سوى تصدير البؤس والفوضى إلى جيرانها. فتحت ستار "تصدير الثورة" – وهو شعار لا يخلو من سخرية – أغرقت المنطقة في صراعات طائفية وحروب بالوكالة، مستغلةً الأقليات الشيعية لزعزعة استقرار الدول المجاورة. والحال أنّ هذه السياسة لم تجلب سوى العزلة والعقوبات لإيران نفسها، فيما يرزح شعبها تحت وطأة الفقر والقمع. في المقابل، نشهد في السعودية نموذجاً مغايراً تماماً. فمنذ إطلاق رؤية 2030 بقيادة الأمير محمد بن سلمان، بدأت المملكة رحلة طموحة نحو التحديث والانفتاح. وبدلاً من تصدير الأيديولوجيا – كما تفعل إيران – تصدّر السعودية نموذجاً للإصلاح المتدرج والتنمية المستدامة. لنتأمل للحظة في المشهدين: ففي طهران، نرى خامنئي – الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 1989 – يواصل التمسك بخطاب عدائي ضد الغرب وجيران إيران. أمّا في الرياض، فنشهد قيادة شابة تسعى لبناء جسور مع العالم، وتفتح أبواب المملكة أمام الاستثمارات والسياحة. وإذا كان الحرس الثوري الإيراني يستنزف موارد البلاد في مغامرات خارجية مكلفة، فإنّ السعودية توجه مواردها نحو مشاريع عملاقة كمدينة "نيوم" ومبادرات اقتصادية طموحة تهدف لتنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل للشباب. بيد أنّ الفارق الأهم، ربما، هو في التعامل مع الدين. فبينما تفرض إيران تفسيراً متشدداً للإسلام عبر سلطة رجال الدين المطلقة، تتجه السعودية نحو إسلام معتدل ومنفتح. ألم يقل الأمير محمد بن سلمان إنه يريد "إسلاماً معتدلاً منفتحاً على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب"؟
 والحال أنّ هذا التوجه السعودي الجديد يمثل تحدياً مباشراً لنموذج ولاية الفقيه. فهو يثبت أنّ الإسلام – في جوهره – ليس عائقاً أمام التقدم والانفتاح، بل يمكن أن يكون محركاً للتنمية إذا ما فُهم بشكل صحيح.
 لهذا، فإنّ المقارنة بين النموذجين – الإيراني والسعودي – تكشف بجلاء عن إفلاس فكرة ولاية الفقيه. فبعد عقود من الفشل، أليس الوقت قد حان لكي يدرك النظام الإيراني أنّ زمن الثورات الأيديولوجية قد ولّى؟ وأنّ المستقبل هو للدول التي تستثمر في شعوبها وتنفتح على العالم، لا تلك التي تغلق على نفسها أبواب التقدم؟
 أغلب الظنّ أنّ نموذج ولاية الفقيه يسير بخطى حثيثة نحو نهايته المحتومة. فالتاريخ يعلّمنا أنّ الأنظمة التي تفشل في التكيّف مع متطلبات العصر لا بدّ أن تسقط، عاجلاً أم آجلاً. وإذا كانت الثورة الخضراء في 2009 قد مثّلت الإنذار الأول، فإنّ الاحتجاجات المتكررة في السنوات الأخيرة تشير إلى أنّ الساعة تدقّ بقوة لنظام الملالي. لكنْ متى سيأتي السقوط الحتمي؟ وكيف سيكون شكله؟ تلك أسئلة يصعب الإجابة عنها بدقة. بيد أنّ المؤكد هو أنّ نظاماً يعيش على استيراد الماضي وتصدير الأزمات لا يمكن أن يصمد طويلاً في عالم يتغير بسرعة مذهلة. ولعلّ السؤال الأهم: هل سيدرك قادة إيران – قبل فوات الأوان – أنّ التغيير بات ضرورة حتمية، لا خياراً؟ أم أنهم سيواصلون السير في طريق مسدود، حتى تجرفهم رياح التغيير العاتية؟

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤