من ثورة حنين إلى حلم "ولاية 2030"… كيف أنقذت جراحة 2017 السعودية من مصير كابول وصنعاء
ثمّة في تاريخ الأمم ما يشبه رقصة الموت؛ راقصون يدورون على الشعارات نفسها، بينما الأرض تنزلق من تحت أقدامهم. وليلة سبتمبر 2017 كانت اللحظة التي انكسر فيها ذلك الإيقاع: شيوخ الصحوة الذين ملأوا الدنيا صخبًا يُساقون إلى السجون، ورموز ظنّوا أنفسهم فوق الدولة يكتشفون فجأة أن الدولة فوق الجميع.
لقد عاش السعوديون أربعة عقود في وهم كبير: يُجلدون في الأسواق باسم الدين الصحوي، تفجيرات في المدن باسم الجهاد الكاذب، ومصادرة للمستقبل باسم الأصالة المُتخيلة. الإخوان والسرورية تسللوا كالأفاعي إلى التعليم والإعلام والمساجد، حتى صار لهم كيان موازٍ ينتظر لحظة الانقضاض.
ولم يكن المجتمع بريئًا. المثقف آثر السلامة، الإعلامي اكتفى بالهمس، المسؤول غضّ الطرف. أغلبهم توهّم أن التمساح سيأكل غيره أولًا، فإذا بهم جميعًا في بطنه.
عام 2011، جاؤوا بـ”ثورة حنين” كاختبار: سلمان العودة وعوض القرني على تويتر يحرضان، سفر الحوالي يكتب المانيفستو المُسرّب، وعلي العمري يربط الخيوط بالتنظيم الدولي، وناصر العمر يحمل حقائب الكاش الأخضر. كانوا يلعبون الشطرنج على رقعة الوطن، والمواطنون مجرد بيادق في حساباتهم.
لكن اللحظة التاريخية نضجت في 2017: العالم شاهد وحشية داعش، العرب ذاقوا مرارة الإخوان في مصر وليبيا، والسعوديون تعبوا من نفاق يحرّم السينما ويبيح الدم. فجاء قرار الأمير محمد بن سلمان التاريخي: لا تفاوض مع من يتاجر بالدين، ولا مساومة مع من يحلم بإمارة طالبانية في قلب الجزيرة.
ذاك أنّ ما حدث لم يكن اعتقالات ومحاكمات لطبقة -ظنت أنها فوق أي نظام- فحسب، بل استئصال عصبية موازية كانت تنازع الدولة سلطانها. بلغة ابن خلدون: الدولة جسد تحيا بعصبية واحدة، فإذا نازعتها أخرى كان ذلك بداية فنائها. الصحوة لم تكن حركة دعوية، بل مشروعًا سياسيًا يسعى لابتلاع الدولة.
اليوم، وبعد حوالي ثمان سنوات، السعودية بلد آخر: السينما عادت، المرأة تقود، الحفلات تُقام، والشباب جيل طبيعي، يعمل ويصلي بلا ازدواجية مرضية. لكنّ الخطر أن ننسى؛ فالذاكرة القصيرة قد تكون قاتلة. شباب اليوم لم يروا جلد المطاوعة ولا عاشوا زمن التفجيرات. لم يعرفوا الصالات المغلقة بفتاوى التكفير ولا الجامعات التي تحولت إلى مصانع كراهية.
وأشدّ ما يوجع القلب أن هذا الجيل لا يعرف طعم الخوف الذي كان خُبزنا اليومي؛ لم يسهر على أصوات الانفجارات، ولم يَكبُرُ تحت سياط المنع والتجريم. لذلك قد يظن بعضهم أن الحرية والاعتدال صدفة أو هدية، بينما هي ثمرة جراحة بارعة من الأمير محمد أنقذت جسد الوطن.
الإخوان لم يموتوا؛ هم في الظلال ينتظرون، يراهنون على ضعف يقظتنا. المعركة لم تنته بعد، وما حدث في 2017 كان البداية لا النهاية.
وما جرى في 2017 لم يكن مجرد إيقاف بعض الأسماء، بل كان تفكيكًا لشبكة تمويل وتحريض امتدت من المساجد إلى تويتر، ومن المدارس إلى الفضائيات، وغرف مُغلقة استخبارية دولية. بعض تفاصيل تلك الشبكة تسرّبت بالفعل، لكن ما لم يُكشف بعد مؤكد أنه أخطر بكثير، وسيأتي يوم يسجل فيه التاريخ كيف كانت البلاد على حافة أن تُبتلع من "الداخل".
لست أدري إن كان التاريخ سينصف الأمير محمد بن سلمان في حياته؛ فالأنبياء بعظمتهم لم يُنصفوا في أوطانهم، فمابالك بغيرهم. لكن الأجيال القادمة ستكتب أنه الرجل الذي أنقذ السعودية من مصير محتوم: أن تصبح كابول أخرى أو صنعاء ثانية.
ويبقى السؤال الذي يعتصر القلب: كم كنّا قريبين من الهاوية؟ لولا تلك الليلة، لاحتفلنا اليوم بـ”ولاية 2030” بدل "رؤية 2030"، ووقفنا في طوابير الخبز بدل النقاش حول أسعار التذاكر.
يبقى القول: التاريخ لا يذكر الشعارات، بل الأفعال. وسيسجل أنّ يدًا حازمة قطعت رقصة الموت قبل أن تتحول إلى جنازة وطن، وأنّ ليلة واحدة غيّرت مسار وطن كامل إلى بر الأمان؛ ف
#شكرا_محمد_بن_سلمان من الأعماق.