01 سبتمبر 2025

الأربعون السعودية: حين يبلغ القائد أشدّه

 مشروع نهضة يزاوج بين القوة والسيادة، ويضع الوطن على طريق الدهشة

لم تأتِ رؤية 2030 ورقة خرجت من درجٍ بارد، بل فكرةً وُلدت في رأس محمد بن سلمان قبل أن تُولَد على الورق؛ خطرت فاستوت، ثم تحوّلت بإصراره إلى خارطة طريق. لم تأتِ من بيروقراطية أو لجنة عابرة، بل خرجت بقرار شخصي منه، يتبناها لأنه صانعها، ويشرف على تفاصيلها لأنه عارفٌ بمآلاتها. إنها تصوغ عقليته الاستراتيجية: نقل المملكة من اقتصاد يعتمد على مورد واحد إلى دولةٍ تتوزّع مصادر قوتها بين الاستثمار والتقنية والثقافة والهوية الوطنية؛ عقدٌ من اللؤلؤ منضد، كل حبة فيه مشروع، وكل مشروع فيه معنى.
ثمّة أعمار لا تُقاس بالسنين وحدها بل بما يحدث فيها من قلبٍ للمصائر. وحين تقلّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمانة في 2015، كان الأمير الشاب بعقل رجلٍ في الخمسين: حاد البصيرة، سريع القرار، واسع الأفق. قبل عقدٍ فقط كان جسد المملكة يسير على عكاز النفط، يترنّح مع كل هبوط في الأسعار، ويُحاصر مجتمعه بذاكرةٍ سوداء من جلدٍ في الأسواق، تفجيراتٍ في المدن، وهيمنة دولة موازية صاغتها الصحوة والإخوان. واليوم، ومع بلوغ الأمير محمد بن سلمان الأربعين، تبدّلت الصورة: من اقتصادٍ يتنفس برئة واحدة إلى اقتصادٍ يعيش برئتين، ومن دولةٍ تتعايش مع ازدواجية السلطة إلى دولةٍ تعيد رسم الخريطة بيدٍ واحدة.
من خطبٍ كانت تصف الحداثة بالبدعة، إلى شبابٍ يبتكرون تطبيقات تُدرّس في الجامعات العالمية؛ مفارقة تختصر رحلة جيل بأكمله، من تحريم الحلال إلى تمكين الأجيال
الرؤية لم تُكتب كشعار على ورق بل وُضعت على محكّ التنفيذ. أُمسك بزمام صندوق الاستثمارات العامة، لا ليُحفظ المال في دفاتر، بل ليُطلق في مشاريع تضخ مئات المليارات داخل السوق. أصوله قاربت التريليون دولار، وبعائد تراكمي نحو سبعة في المئة، فيما تضاعفت الإيرادات غير النفطية من مئة وستة وستين مليار ريال إلى أكثر من أربعمئة مليار في 2023، أي ما يقارب أربعين في المئة من دخل الدولة. ولم يقف الأمر عند الأرقام؛ بل رسم ولي العهد سياسة واضحة تلزم الشركات العالمية بنقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض إذا أرادت التعاقد مع الحكومة. وهكذا تحولت العاصمة في سنوات قليلة إلى وول ستريت العرب ومركز أعمال ينافس كبريات العواصم. وهذا كله لم يأتِ في فراغ؛ فالسعودية اليوم هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين، أحد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، ما يجعلها ليست مجرد لاعب إقليمي، بل قوة كبرى في النظام الاقتصادي العالمي. الأرقام هنا ليست زخرفاً، إنها شهادات على اقتصادٍ تعلّم أن يمشي بحذاء يصلح لكل الفصول بعدما كان يتعثر على عكاز البرميل.
لكن التحول لم يكن مالياً فقط. كان لا بد من مواجهة سرطانٍ اسمه الدولة الموازية. جرى الحسم في 2017: حملة الريتز أنهت وهم أن أحداً فوق القانون، وتسويات أعادت مئات المليارات إلى الخزينة. كانت الحملة رسالة تقول إن لا أحد فوق النظام، وقد لخّصها الأمير بعبارة صارت لازمة: «لن ينجو من الفساد أي شخص مهما كان موقعه». ثم قُطع شريان التطرف: منابر التطرف والمؤامرة الكبرى تهاوت، وقرارٌ جريء قاله الأمير في العلن: «لن نضيع ثلاثين سنة أخرى في التعامل مع أفكار متطرفة». من شرطة دينية متطرفة تطارد فتاة في مقهى، إلى شابات يتسابقن لقيادة الطائرات؛ مفارقة تختصر انقلاب المشهد من ثقافة الوصاية إلى فضاء الحرية.
من قيادة المرأة في 2018 إلى قانون مكافحة التحرش، ثم إلى برامج مثل “قرة” الذي يوفّر حضانات للأطفال و“وصول” الذي يسهّل انتقال الموظفات إلى مقار أعمالهن، تحوّلت كلمة التمكين إلى تفاصيل معيشية يلمسها كل بيت. هكذا عاد الإسلام إلى اعتداله الطبيعي، ديناً يفتح الباب للحياة لا يقفلها.
في ذروة الجائحة، تحوّل الاختبار الصحي إلى اختبار دولة. خرج “توكلنا” لا كتجربة تقنية عابرة، بل كغرفة عمليات تُدار من “سدايا” وإشراف سموه المباشر. فجأة، صارت تصاريح الحركة، واللقاحات، ووثائق السفر في هاتف واحد. نافذةٌ كانت تبتلع ساعاتك صارت شاشةً تُنجز طريقك من أول لمسة. في وقت كان فيه العالم يتخبط بدون حلول.
لم تكن هذه التحولات معزولة عن العالم؛ فالمملكة صعدت إلى قمم المؤشرات الدولية في مجالات سيادية دقيقة. ففي الأمن السيبراني، حازت المركز الأول عالميًا عامي 2024 و2025 وفق تصنيف IMD، لتؤكد أن فضاءها الرقمي محصّن بمقاييس عالمية. وعلى الضفة الأخرى، جاء الاعتراف الدولي بريادة المملكة في الذكاء الاصطناعي حين صنّفها مؤشر Tortoise العالمي في 2023 و2024 الأولى عالميًا في “إستراتيجية الحكومة للذكاء الاصطناعي”، وهو ما تجلّى في مبادرات مثل شركة Human والنموذج اللغوي “علام”، وهو أول نموذج لغوي سعودي طوّرته سدايا لدعم اللغة العربية في الذكاء الاصطناعي وسلمته للشركة الجديدة Human. وبين هذين الإنجازين، رسخت السعودية حضورها في منظومة الأمم المتحدة للحكومة الرقمية بالمرتبة السادسة عالمياً في 2024، وجاءت الثالثة عالميًا في جاهزية GovTech للبنك الدولي، لتصبح التجربة السعودية في الإدارة والتحول الرقمي شهادة يقتبسها العالم.
ومن أبرز ثمار هذا التحول أيضاً إطلاق منصة إحسان عام 2021 بأمر من ولي العهد عبر سدايا لتكون الواجهة الوطنية للعمل الخيري الرقمي. لم تكتفِ المنصة بتسهيل التبرع بل نظّمت وصوله بذكاء يعتمد على البيانات ليصل الدعم إلى الأشد حاجة بأقصى سرعة وشفافية. وبحسب أحدث الإحصاءات تجاوز إجمالي التبرعات العامة عبر إحسان 12.4 مليار ريال، فيما بلغت تبرعات وقف إحسان نحو 1.97 مليار ريال. وسُجّل أكثر من 276 مليون عملية تبرع، وأُتيح للمانحين أكثر من 31 ألف فرصة مكتملة بالتعاون مع ما يقارب 3 آلاف جمعية شريكة. هذه الأرقام تكشف كيف أصبح العطاء الرقمي جزءاً من الحياة اليومية وكيف تحولت الصدقات الفردية إلى منظومة واسعة يرى فيها المتبرع أثره الفوري والموثوق.
وما جرى لم يكن مصادفة ولا هبة بلا مجهود، بل ثمرة رؤية ولي العهد الذي تجاوز بالإدارة حدود الروتين إلى أفق البناء الحضاري. كل نجاح اقتصادي، وكل منجز عمراني، وكل فعالية كبرى، وكل موقع تراثي مُستعاد، ما هو إلا بذرة زرعها في صحراء الزمن وأروى غرسها بالحكمة والعمل.
وما بين الحاكم وشعبه حكاية عشقٍ غير مألوفة؛ يلمسون أثره في مفاصل يومهم، ويلمسهم في تفاصيل أحلامهم. يخرج إليهم بلا بروتوكولٍ يثقله، ويخاطبهم بلا حواجز تصدّه عن أسئلتهم، والسيلفي الذي سيبقى ذكرى تتوارثها العائلة لأجيال. إنها علاقة لا تصطنعها كاميرات، بل تصقلها ثقةٌ تزداد كلما تحولت الوعود إلى منجزات.
ولعل ما يعزز تلك العلاقة أن سبعين في المئة من السعوديين شباب، وقد جعلهم ولي العهد مركز رهانه الأكبر: أطلق برامج للتطوع، وفتح لهم أبواب التوظيف في نيوم والقدية والبحر الأحمر …، حتى صاروا شركاء في البناء لا متفرجين عليه. ومن أسئلة التكفير في الجامعات إلى مناقشات الذكاء الاصطناعي في قاعات طويق؛ هكذا تبدّل المشهد من جدل الهدم إلى حوار البناء.
ولم يكن البناء محصوراً في الاقتصاد أو التقنية، بل في الهوية ذاتها. فأعيد الاعتبار ليوم التأسيس واليوم الوطني، وصار شعار «هي لنا دار» رابطاً وجدانياً يوحّد الأجيال حول معنى واحد: أن السعودية ليست طارئة، بل جذرٌ ممتدّ ومستقبل مفتوح.
إلى جانب التحول الرقمي، برزت الاكتشافات الأثرية كوجهٍ آخر للنهضة. ففي العُلا كُشف عن “المستطيلات” التي تعود إلى أكثر من سبعة آلاف سنة، وعن فأسٍ حجرية تُعد الأكبر في العالم عمرها قرابة مئتي ألف عام. وأضيفت مواقع سعودية إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو مثل حِمى الثقافية وعروق بني معارض كأول موقع طبيعي سعودي. هذه المكتشفات لم تعُد مادةً بحثية فقط، بل جزءاً من هوية حديثة تقدّم المملكة للعالم بوصفها أرض حضارة ممتدة لا صحراء صامتة.
ولعل أبرز ما يعزّز هذه السردية شهادة خارجية ذات ثقل: كتاب الصحفية الأمريكية المخضرمة كارين إليوت هاوس “الرجل الذي أراد أن يكون ملكاً” (2024). هاوس، الحائزة على جائزة بوليتزر وصاحبة خمسة وأربعين عاماً من متابعة الشأن السعودي، وضعت ولي العهد في مصاف بطرس الأكبر من حيث الجرأة على كسر الجمود. لكنها أوضحت الفارق الجوهري: بطرس فرض الأزياء قسراً، أما محمد بن سلمان فأعاد للناس حق الاختيار. وتلخّص التحول بعبارة بليغة: من فيلم صامت إلى مشهد نابض بالحياة.
أما المشاريع العملاقة، فلم تعد مجرد مخططات على الورق: ذا لاين تعيد تعريف المدينة المستقيمة، أوكساجون تحمل الصناعة إلى البحر، تروجينا تنقل الثلج إلى جبال العرب، والقدية تصوغ عاصمة الترفيه والفنون. كل واحدة منها إعلانٌ أن المستقبل هنا لا هناك. ومن أحلام «ولاية 2030» الظلامية إلى واقع «رؤية 2030»؛ مفارقة تختصر قرناً من الصراع في جملة.
في العُلا أيضاً، أُطلقت خطة “رحلة عبر الزمن” لاستثمار يتجاوز 15 مليار دولار، لتحويل المنطقة إلى أكبر متحف حيّ في العالم. مشروع يشمل 15 مرفقاً ثقافياً، إحياء الواحة، وربط الأحياء التاريخية بترام العُلا. هكذا تتحول الصحراء إلى مختبر سياحي–ثقافي عالمي.
هذا الحراك الثقافي تمدّد إلى بقية البلاد. أُنشئت 11 هيئة ثقافية متخصصة، وأصبح مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة نافذة إقليمية إلى العالم. وفي جدة التاريخية، افتُتح متحف teamLab Borderless كأول متحف للفنون الرقمية في المنطقة. لم تعد الثقافة مناسبة عابرة بل قطاعاً ناشئاً يحمل وزناً اقتصادياً وهوية متجددة. ومن خطبٍ كانت تحذر من كرة القدم إلى التحضير لمونديال 2034؛ مفارقة تكفي لرسم لوحة كاملة عن التحول.
وأدرك ولي العهد أن النهضة لا تكتمل بلا إنسانٍ مهيأ. فكان الاستثمار في التعليم والمهارات: من محو الأمية الرقمية إلى تدريب الأجيال على التفكير النقدي والمهارات الناعمة، لتصبح المعادلة الجديدة واضحة: برمجة + لغات + تواصل = مواطن عالمي جاهز لعصر الذكاء الاصطناعي. وجاءت مبادرات كأكاديمية طويق للبرمجة والابتعاث النوعي لتمنح الشباب أدوات العالم بلسان عربي وطني.
الفعاليات الكبرى بدورها تحولت إلى أدوات تعريف بالعصر السعودي الجديد. سباقات الفورمولا 1 على كورنيش جدة منذ 2021، والفورمولا إي ليلاً على أسوار الدرعية، صارت جزءاً من المشهد السنوي. وفي 2025، استضافت الرياض النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية بجوائز هي الأكبر في تاريخ الألعاب، وبمشاركة مئات الفرق وآلاف اللاعبين من أكثر من مئة دولة، لتتأكد مكانة المملكة كعاصمة عالمية جديدة للفعاليات الرقمية. وبذلك تُرسّخ المملكة مكانتها كعاصمة للفعاليات الدولية، بفضل رؤية ولي العهد الذي أراد أن يجعل من الرياض منصةً يقصدها العالم للرياضة والترفيه والإبداع. وعلى الصعيد الدولي، تُوّجت هذه المسيرة بفوز المملكة باستضافة إكسبو 2030 بأغلبية 119 صوتاً، ثم بترشيحها الناجح لمونديال 2034؛ لم تكن هذه مناسبات عابرة بل تعبيراً عن صعود السعودية كقوة ناعمة تجمع بين الاقتصاد والثقافة والرياضة في معادلة واحدة.
وفي الحرمين، جاءت التوسعة الثالثة للحرم المكي لترفع المساحة الكلية إلى 1.56 مليون متر مربع، فيما نقل قطار الحرمين السريع أكثر من مليون حاج في موسم واحد. ومع منصة “نُسُك” الرقمية صار الحاج والمعتمر يحجز ويُنفّذ كل خدماته بكبسة زر. أما في الدرعية، فقد فُتح الطريف المدرج على قائمة اليونسكو، وأُقيم بجواره مجمع بجيري تيراس كوجهة طعام وثقافة، ضمن مشروع تبلغ قيمته 63 مليار دولار على مساحة 14 كيلومتراً مربعاً.
وعلى البحر الأحمر، لم تبقَ الوعود حبيسة المخططات. افتُتحت منتجعات Six Senses وSt. Regis وRitz-Carlton Reserve، وبدأ مطار البحر الأحمر الدولي استقبال الرحلات الداخلية عام 2023 ثم أولى رحلاته الدولية في 2024. المشروع يعمل على الطاقة المتجددة، وحصل على اعتماد “السماء المظلمة”، لتصبح الوجهة مثالاً للسياحة البيئية الفاخرة.
وفي ميدان السيادة العسكرية، دفع ولي العهد باتجاه توطين الصناعات الدفاعية بنسبة 50% بحلول 2030، ليتحول السلاح من فاتورةٍ مستوردة إلى صناعةٍ محلية تخلق وظائف وتنقل المعرفة وتحفظ القرار.
في السياسة الدولية، لم يختر الرجل أن يكون تابعاً لأي محور. توازن بين واشنطن وبكين وموسكو، وقاد وساطات في أوكرانيا والسودان واليمن. ولم تكن دبلوماسيته ترفاً بل ممارسة حاسمة. ففي 2022، مثلًا: أشرف على وساطة تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، ضمّت مقاتلين من جنسيات متعددة، وجرت على أرض المملكة بما أكد مكانتها كوسيط موثوق. والسيادة عنده ليس شعاراً بل ممارسة. وقد قالها صراحة في أكثر من مناسبة: «لن نقبل أن يكون وطننا رهينة لأحد». في الطاقة أيضاً، لم يكن القرار تبعية؛ في إطار “أوبك+” ضُبط الإمداد وفق مصلحة المملكة لا هوى الخارج. أما الانفتاح الإقليمي فارتبط بأفقٍ جاد للفلسطينيين، بلا مهادنة.
ولكي تكتمل الصورة، لا بد من ذكر تلك الحكاية التي شاعت باسم ساخر: “كوهين السعودية”. كان يُطلق على وزير نافذ متحالف مع الإخوان، مدعوم من قوى خارجية، حتى قيل إنه أقوى وزير في تاريخ المملكة. يقظة القرار قطعت خيوطه، أُجبر على الهروب، وقُبض على المشاركين معه. القصة تختصر في سطر لأن الخائن لا بستحق أكثر.
ولولا تلك اللحظة الحاسمة الاستباقية ضد دمى "مرشد الجماعة"  في 2017، لاحتفلنا اليوم بولاية 2030 بدل رؤية 2030، ولأصبحنا أسرى اقتصاد مترنّح و سلطة إخوانية و تبعية خارجية أو صومال جديدة. لكن عناية الله سبقت، فجاء في التوقيت الذي يسبق السقوط بخطوة ويؤسس للنهضة بخطوات.
وهنا تتوهّج دلالة الآية الكريمة التي كُتب نورها في التنزيل الحكيم: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
ها هو يبلغ أشدّه ويبلغ الأربعين؛ نُضجٌ يكمّل نضجاً، وحكمةٌ تُتمّ حكمةً، ودعاءٌ من كتاب الله يلخّص مقام الشكر والعمل الصالح في هذه اللحظة من العمر. نسأل الله له وللوطن بركة العمر المديد، وأن يجعل ما مضى فاتحةً لأوسع مما سيأتي.

لقد بلغ محمد بن سلمان الأربعين؛ غير أنّ الأربعين هنا ليست خاتمةَ مرحلة بل فاتحةَ دهشة. فكما بدا في الثلاثين بعقل الخمسين، يبدو في الأربعين بعقلٍ يسبق زمنه: يتقدّم خطوةً حيث يتأخر غيره خطوات؛ يعقل الأمور قبل أن تقع، ويصوغ لها حلولاً قبل أن تُطرح أسئلتها. أما المستقبل فسيُفاجئنا أكثر، لأنّ من جمع الجرأة بالحكمة، والسرعة بالسبك، قادرٌ على أن يحوّل الخطط إلى حقائق، والحقائق إلى قفزات.
وأما الخاتمة فعودٌ إلى البدء: الصورة التي بدأت برقاً في سماء الصحراء تحوّلت إلى خطّ يرسم الأفق. الصحراء نفسها تعلّمت أن تمدّ طرقاً تُرشد الركب. لم يعد جسد الوطن يتعثر على عكاز النفط، بل يمضي ببرق الرؤية فوق رمالٍ تعرف أن المستقبل صار لها. لقد بدأ المسير ولا عودة إلى الوراء. والريح التي كانت تقلب الخيمة صارت تحمل الموكب نحو وجهته. وبارك الله عمراً يُبنى به وطن، ووطنًا يطول به العمر.

#محمد_بن_سلمان_40_عام

16 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي