وقفت اليوم في قلب موسكو، أمام الساحة الحمراء، أتأمل جمالها وعظمتها. شعرت للحظة وكأنني أقف أمام لوحة تاريخية حية، تروي قصة أمة بأكملها. تساءلت: كيف لمساحة من الأرض أن تختزل تاريخ شعب وتصبح رمزاً لهويته؟
لعل السر يكمن في اللون الأحمر الذي يطغى على المكان. فالأحمر في الثقافة الروسية ليس مجرد لون، بل هو رمز للجمال والقوة. يقال إن كلمة "красный" (كراسني) في الروسية القديمة كانت تعني "جميل" قبل أن تصبح تعني "أحمر". ألا يشبه هذا قولنا العربي "الأبل الحمر" للدلالة على الإبل النفيسة؟
تاريخ الساحة الحمراء يمتد لقرون. شهدت تتويج القياصرة، واحتفالات النصر، والعروض العسكرية السوفيتية الضخمة. كل حجر فيها يروي قصة، وكل ركن يشهد على حقبة. وهنا أتساءل: هل نملك نحن العرب أماكن مماثلة تختزل تاريخنا بهذه القوة؟
قد يقول قائل: لدينا ميدان التحرير في القاهرة، وساحة الشهداء في بيروت. ولكن هل تحمل هذه الأماكن نفس الثقل التاريخي والرمزي؟ الفرق يكمن في كيفية تعامل الشعوب مع رموزها. فالروس حولوا ساحتهم إلى أيقونة وطنية، في حين أن مياديننا غالباً ما تبقى مجرد تقاطعات طرق.
في عصر العولمة والفضاء الرقمي، هل ما زلنا بحاجة إلى رموز مادية كالساحة الحمراء لتوحيد الشعوب؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح. الجواب، في رأيي، هو نعم. فمهما تقدمت التكنولوجيا، يبقى الإنسان بحاجة إلى ما هو ملموس ليربط هويته به.
لقد نجحت روسيا في تحويل الساحة الحمراء إلى مصدر دخل سياحي هائل. في العام 2019 وحده، زارها أكثر من 20 مليون سائح. ألا يجدر بنا كعرب أن نتعلم من هذه التجربة؟ أن نحول رموزنا الوطنية إلى مصادر إلهام وجذب سياحي في آن واحد؟
من ناحيتي كلي عشم بأنرخيئة الرياض الملكية ستنجح بذلك برياض المصمك وعبقها التاريخي.
ختاماً، وأنا أغادر الساحة الحمراء، أتساءل: هل ستظل قادرة على إلهام الأجيال القادمة كما ألهمت سابقاتها؟ أم أننا بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الرمز الوطني في القرن الحادي والعشرين؟
ربما علينا أن نبدأ بإعادة النظر في رموزنا الوطنية، أن نمنحها معاني جديدة تتناسب مع عصرنا. فالرمز، في النهاية، ليس سوى ما نضفيه عليه من معانٍ. وعلينا أن نكون صناع معانٍ جديدة، لا مجرد ورثة لمعانٍ قديمة.