18 سبتمبر 2025

السعودية وباكستان: من الغموض إلى معاهدة الردع

 الفارق بين سلاح تقليدي عابر وردع نووي راسخ هو الفارق بين التبعية والسيادة
ثمّة من ظنّ أن المنطقة تمشي على عكاز مكسور، فإذا بالرياض توقّع معاهدة تحوّله صاروخاً يلمع فوق الأفق. في 17 سبتمبر 2025 وُقعت معاهدة الدفاع الاستراتيجي بين السعودية وباكستان. ليست بيان نوايا، بل عقد ملزم: أي عدوان على أحدهما هو عدوان على الاثنين. إنها انتقال من الغموض إلى العلن، ومن قصور الكلمات إلى وهج الردع النووي.
والحال أنّ غارة الدوحة في 9 سبتمبر لم تكن حدثاً عابراً، بل صفارة إنذار جعلت الغموض عبئاً، وأخرجت التفاهم السعودي-الباكستاني من الظل إلى العلن. الحاجة إلى ردع صريح صارت مسألة سيادة لا ترفاً سياسياً. والحال أن سرعة الحسم لم تكن لتحدث لولا قيادة سعودية تعرف كيف تلتقط اللحظة. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -كالعادة-  أعاد تعريف مفهوم القرار الفوري في منطقة اعتادت الانتظار
بيد أن الاتفاقية لم تترك مجالاً للالتباس؛ وُصفت بأنها شاملة وتشمل جميع الوسائل العسكرية. ومع وجود باكستان النووية يصبح المعنى واضحاً: المظلة تمتد إلى الردع الذري. منذ التسعينيات تحدّثت تقارير غربية عن تمويل سعودي للبرنامج النووي الباكستاني، واليوم صار ما كان يُلمَّح إليه جزءاً معلناً من معادلة الردع.
إسرائيل التي اعتادت الضرب من دون حساب تجد نفسها أمام احتمال ردع نووي غير مباشر. إيران، بقلق، ترى باكستان تمسك العصا من الوسط بالعلن، غير أن الفعل يسبق القول في التقليد الباكستاني. واشنطن الأكثر إحراجاً: لم تعد وحدها الضامن الأمني، بل صارت جزءاً من طبقات أمن سعودية: شراكات غربية، مصالح شرقية، وحيز إسلامي-آسيوي يُفعَّل عند الحاجة.
ذاك أنّ أمن المملكة ظل رهين مظلة كوينسي لعقود، لكن المشهد تغير: الردع بالسلاح لا بوعود السلام. الفارق بين سلاح تقليدي عابر وردع نووي راسخ هو الفارق بين التبعية والسيادة.
والحال أن الرياض تمشي على حد السيف؛ تطمئن الهند أن العلاقة معها أقوى من أي وقت، لكنها في الآن نفسه توقّع عقداً يجعل أي حرب هندية–باكستانية شأناً سعودياً. تبدو كمن يركب حصانين متعاكسين، لكنها تراهن على قدرتها السيادية على إبقائهما في الحلبة.
تركيا ترى مصلحتها واضحة: نفوذ في الخليج، سوق لصناعاتها العسكرية، وتلاقي في مواجهة إيران وإسرائيل. أما الخليج فسيوزع الأدوار من بوابة الرياض.
قوة الباكستان ليست في النووي وحده. فإلى جانب السلاح الذري، تمتلك جيشاً تقليدياً ضخماً وخبرة قتالية ممتدة. كما تمتلك شبكة تاريخية من التعاون مع المملكة، من تدريب آلاف العسكريين السعوديين إلى تمركز قواتها في أراضي المملكة. يضاف إلى ذلك جسور بشرية واقتصادية عبر ملايين من جاليتها في الخليج. النووي يمنحها مظلة ردع، لكن كامل ثقلها ينبع من هذا المزيج العسكري والاستخباري والاجتماعي والاقتصادي.
أما مقترح "الناتو العربي" فكان على جماله حبراً على ورق؛ بلا مظلة ردع ولا قيادة ولا آلية صرف متفق عليها، فانهار في بيروقراطية العرب وريبة العواصم. أما معاهدة الرياض-إسلام آباد فجاءت واقعية وعملية، بقدر ما كانت حاسمة وسريعة.
ولماذا باكستان وحدها لا تحالف عربي أو إسلامي أوسع؟ لأن الرياض اختارت السرعة والنوعية معاً. ما كان ممكناً انتظار توافق عشر عواصم، ولا الاكتفاء ببيانات سياسية. السعودية أرادت مظلة نوعية، وأرادت في الوقت ذاته أن تكون صاحبة القرار لا مجرد عضو في حلف هلامي. لذا أبقت الباب موارباً: من أراد الانضمام فليدخل بشروطها، لا بشروطه.
الرسائل واضحة: للخصوم أن اختبار أمن المملكة لم يعد سهلاً؛ للشركاء أن الباب مفتوح لكنه لن يبقى موارباً؛ وللداخل أن سياسة طبقات الأمن صارت نهجاً لا شعاراً. من يحاول تقويض المعاهدة؟ إسرائيل بمؤامراتها، الهند بضغوطاتها، إيران بمحاورها. الصين تراها فرصة، وروسيا تبتسم لتصدع النفوذ الأمريكي. واشنطن؟ لعلها نفسها لا تدري كيف تعوض ما أفقدها جنون نتنياهو: الثقة والمصداقية.
أما الخاتمة فصريحة: كان التفاهم سيفاً في غمده. قصف الدوحة كسر الغمد، فرفعت الرياض السيف علناً. ليُدرك الخصوم أن الصمت لم يعد سياسة، بل إعلان ردع يخفي وراءه عاصفة ذرية.

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي