12 أغسطس 2025

الشعوب لاتنسى: رحمك الله يامبارك

 قادة… إذا رحلوا، بقيت قراراتهم تحرس الأوطان
يُحكى أنّ رجلاً خرج من قلب القوات الجوية المصرية، يعرف أن النصر لا يُنتزع من الشعارات، بل من هدير الطائرات وهي تمزق سماء العدو. السادس من أكتوبر 1973… محمد حسني مبارك يقود الضربة الجوية الأولى، يفتح باب العبور، ويعيد للعربي ثقته بنفسه. وبعد أعوام، يقف على تبة طابا، يرفع العلم المصري فوق آخر ذرة تراب محتلة، مكتمل الدائرة بين رائحة البارود ونصر المفاوضة.
والحال أن مسيرته لم تكن مجرد وقائع، بل سلسلة مواقف رسمت خريطة استقرار مصر والمنطقة. عام 1990، حين اجتاح صدام الكويت، كان أول من وقف مسانداً لشقيقه الفهد رحمهما الله و قال لا، حشد الصف العربي، وأرسل الجيش لتحرير بلد شقيق. وفي فلسطين، مارس ضغطاً لو قبله قادتهم لكان لهم علم على أرض لا على ورق، لكنهم اختاروا العناد. ومع ذلك، أبقى مبارك على الأنفاق مفتوحة، تمر منها الدواء والغذاء، رغم الضغوط الدولية، فجاءه الرد من حماس عقوقاً وغدراً؛ حوّلوها إلى ممرات تهريب للسلاح والمقاتلين، حتى تسلل منها المئات في فوضى يناير، لا لنصرة مصر، بل لإسقاط قائدها.
ثم جاءت العاصفة… "الربيع العربي" الذي لم يكن ربيعاً ولا عربياً، بل مخططاً رسمه باراك أوباما وهيلاري كلينتون، وأُسند تنفيذه للإخوان المسلمين كأداة داخلية. في ليبيا، تشبث القذافي بالكرسي حتى علّق جسده على أقدام الميليشيات. في اليمن، لعب صالح على التناقضات حتى أكلته الحرب. في سوريا، أطلق الأسد الرصاص والبراميل على شعبه، فمزق بلاده إلى ساحات احتلال. وحدها مصر، بقرار مبارك، خرجت من العاصفة بلا حرب أهلية، لأنه رفض أن يكتب اسمه على صفحة دم.
كان بوسعه أن يفرّ إلى منفى آمن في دول الخليج حيث سيكرمونه كملك، الملك عبدالله رحمه الله طلب منه ذلك، وهذا معروف وموثق، ولكنه رد باحترام وشكر وقال: مصر أولاً وسمعتي ثانيًا. اختار التنحي على حساب ذاته، وحافظ على الدولة. مصممًا على المثول أمام المحكمة شامخاً لسنوات، حتى حكم القضاء ببراءته، في شهادة نزاهة أسقطت أكاذيب خصومه. وفي القفص، كان علاء وجمال، لا يهربان، بل يبرّان، يذوقان معه مرارة السجن. وعلاء ظل بعد الرحيل صوت الوفاء، يذكّر أن والده كان الرئيس الوحيد الذي لم يغادر أرضه ساعة العاصفة
وفي مشهد الختام، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي -في مشهد وفاء نادر- يأمر بجنازة عسكرية مهيبة، المدفعية تطلق، العلم يلف الجثمان، تحية من حارس اليوم لحارس الأمس. كان ذلك الربط بين قائدين رسالة واضحة: أن القافلة واحدة، وإن تغيّرت الأسماء، من مبارك الذي صان مصر من الفوضى، إلى السيسي الذي يبني مدن المستقبل ويحمي قرارها المستقل.
العراق انهار… ليبيا احترقت… سوريا تمزقت… اليمن تشظى… لكن مصر بقيت. لأن مبارك قرأ المؤامرة ورفضها، ولأن الجيش ظل وفياً لعقيدته، ثم جاء السيسي ليعيد له مكانته كحارس للدولة لا للسلطة.
القافلة التي بدأت بأكتوبر، وتوّجت بطابا، وحسمت موقفها في الكويت، وضغطت من أجل سلام ضائع، وصمدت أمام ربيع أوباما وهيلاري، ومرت بمحكمة القرن، وانتهت بعلم مصر يلف نعش قائدها… لم تنكسر.
رحم الله الرئيس المجاهد محمد حسني مبارك، وجزى الرئيس عبد الفتاح السيسي - ابن الأصول-  خير الجزاء على وفائه وتقديره، وحفظ الله مصر من غدر الإخوان، وعقوق الحلفاء، ومؤامرات الأعداء.
—-
ملاحظة: أرجو إبقاء هذا الموضوع خارج الخلاف الحالي بين المغرّدين السعوديين ولجان “المتحدة”. فقد كتبته من القلب، متأثّرًا من تغريدة الأخ علاء مبارك. بيننا وبين الأشقاء المصريين نقاط اختلاف وجدال، وهذا طبيعي بين الإخوة، لكن هذا الموضوع من نقاط التقارب والمحبّة، فاكفوني جميعًا شر المناكفات. وترحّموا على من فقدنا: الملك فهد، والملك عبدالله، والرئيس حسني مبارك، رحمهم الله جميعًا. وادعوا بالسلامة والتوفيق لرموزنا المشتركة: الملك سلمان، وسمو الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبدالفتاح السيسي، حفظهم الله ورعاهم.

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي