31 أغسطس 2025

الصقور الرقمية السعودية: جناح سيادي في وجه العواصف

 هناك حرب صاخبة تُشنّ على الصقور الرقمية السعودية؛ حرب لا تشبه نزالات السماء ولا معارك البراري، بل تدور في فضاءٍ تحكمه الخوارزميات. خصومها لا يخافون جناحًا مكسورًا، بل جناحًا ممدودًا يحلق فوق السرديات المعلبة. الصقر هنا ليس طائرًا يقتنص فريسة، بل شبكةٌ من الأصوات الوطنية تمتد من هاتف في الرياض إلى جهاز لوحي لطالب مبتعث في نيويورك، مدعومةً ببنية اتصالية شبه شاملة: 99% نفاذ إنترنت، و33.9 مليون مستخدم مع بداية 2025. هذه ليست هامشًا، بل سماء مكتملة.
يلوح أنّ الخوف الحقيقي ليس من تغريدة أو وسم، بل من تحول السعودي من مستهلِكٍ صامت إلى منتِجٍ للرواية. الأرقام لا تُجامل: نحو 16.8 مليون مستخدم فاعل على منصة X مطلع 2024 (≈45% من السكان آنذاك)، وتقديرات دولية تضع السعودية في صدارة التفاعل العربي بنسبة 65–75%. هنا يقف الرقم كالفاصل: الدليل أبلغ من الشبهة.
والحال أنّ الخصومة ليست تقنية فقط. الصقر الرقمي السعودي يُحارَب لأنه يعرّي الازدواجيات. الغرب الذي يفاخر بحرية التعبير يصف الجيوش الإلكترونية في بلاده بـ"حُراس الديمقراطية"، بينما يطلق على السعوديين صفة "ذباب". مفارقة مفضوحة. ليس أكثر. ومن يخشى الذباب، يسقطه الصقر.
بيد أن السخرية لا تقتصر على الخارج. في بعض الأوساط العربية، نخبٌ ثقافية وإعلامية تعيد ترديد خطاب "الذباب" القادم من صحف غربية تلقفتها من مركز دراسات صهيوني في قلب عاصمة عربية، وكأنها لم تكتشف بعد أن الجيش الرقمي هنا جيش مواطنين يحملون هواتف ذكية في جيوبهم، وأن 99% من التصفح في المملكة يجري عبر الهاتف. مأساة تتحول إلى مهزلة.
التاريخ بدوره يساعدنا على تسمية المفارقة. في المدرجات الرومانية كان الحشد يُقاد بدم المصارعين؛ اليوم يُراد للجمهور أن يعود متفرجًا بلا أثر. الصقور الرقمية تفسد الإخراج: تُبقي الجمهور فاعلًا، تُربك المخرج، وتفتح زاويةً لا يراها من يجلس وحده في غرفة التحكم.
ذاك أنّ هذه القوة السيادية تتغذى من الاقتصاد أيضًا. موسم الرياض سجّل رقمًا قياسيًا بأكثر من 18 مليون زائر حتى يناير 2025، وفق بيانات الهيئة العامة للترفيه، ليصبح واحدًا من أكبر الأحداث الترفيهية عالميًا من حيث الحضور. وإكسبو 2030 فازت به الرياض بـ119 صوتًا من أصل 182. وكأس العالم للألعاب الإلكترونية في الرياض قدّم أكبر جوائز في التاريخ (62.5 مليون دولار في 2024 ارتفعت إلى 70 مليونًا في 2025). هذه ليست تظاهرات محلية؛ هذه علامات سيادية تتحول في فضاء الصقور إلى محتوى عابر للقارات.
حتى التقارير الغربية الناقدة لا تنكر هذه الأرقام. تقرير صادر عن “فريدوم هاوس” 2024 انتقد سياسات الإنترنت في السعودية، لكنه في الوقت نفسه اعترف بأن نسبة الاستخدام والفاعلية من الأعلى عالميًا. أي أنّ السجال قائم، لكن الوقائع الرقمية لا يمكن إنكارها.
ثمّة قلق آخر يغذي الهجوم: تحوّل المستخدم السعودي من قارئٍ إلى كاتب، ومن متلق إلى محرر أول. بيانات رسمية تذكر أن أكثر من 21% من السعوديين جرّبوا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في 2024. أي أن الصوت لم يعد يكتب فقط، بل يُعاد نمذجته وتضخيمه. القلم صار جناحًا. والجناح يعلو.
الأكيد، الحرب على الصقور الرقمية ليست سوى اعتراف بفاعليتها. لا أحد يحارب ظلًا. لا أحد يطارد صمتًا. ما يُهاجَم هو القدرة على تحويل اللحظة إلى موجة، والخبر إلى اتجاه، والحدث إلى ذاكرة مشتركة. لم يولد الصقر الرقمي السعودي فوق فراغ، بل من تربةٍ اتصالية اكتملت خرائطها. واليوم، كما في الصحراء حين يمد جناحه في وجه الريح، يمد جناحه في فضاء رقمي تعصف فيه الأعاصير. الحرب عليه اعتراف. والاعتراف نصف النصر.

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي