المشهد في راهننا البائس يكاد يكون كوميدياً لولا فداحة مأساويته.
مثلًا: حسابي يتعرض لحملة شكاوى منظمة على منصة "إكس". محور إيران وتوابعه من حزب الله والحوثي يمارسون إرهابهم إلكترونياً. أليس هذا قمة البؤس الفكري؟
هؤلاء المتاجرين بالقضية، في عجزهم المزمن، لجأوا لحملة الإغراق الرخيصة للتلاعب بالخوارزميات التويترية. كيف لمدّعي "المقاومة" أن يخشوا كلمة حق؟ أفي قاموسهم أن الحقيقة إرهاب؟
تبقى المفارقة الأكثر إيلاماً لهم في مصير إسماعيل هنية. ذاك "المجاهد" يلقى حتفه في أحضان الولي الفقيه بطهران وتحت حمايته، في مشهد اغتصاب علني لكرامة القواد الفارسي. أفلا يكفي هذا لفضح زيف "المقاومة المزعومة"؟ 4.5 مليار دولار ثروته، وأطفال غزة يتضورون جوعاً. أي نضال هذا؟ ألم يصرح هنية نفسه بأن من واجب حماس تخفيف الضغط على إيران؟ أليس هذا اعترافاً صريحاً بالتبعية؟
ثمة ما هو أفدح: 39 ألف شهيد فلسطيني، منهم 16 ألف طفل و11 ألف امرأة. "طوفان الأقصى"؟ بل طوفان الدم الفلسطيني. مغامرة حمقاء أملتها طهران في 7 أكتوبر 2023، حصدت الأرواح، ودمرت البنية التحتية، وشردت 2.3 مليون فلسطيني. خسائر تتجاوز 25 مليار دولار. أهذه ثمار "المقاومة"؟
أنّ إيران، بقيادة خامنئي، تلعب دور المايسترو في هذه السيمفونية الدموية. تمد حماس بقطرة من السلاح والتدريب، وأطنان من الدولارات للحسابات السويسرية لقادة "الممانعة"، وتدفع بدميتيها: حزب الله والحوثيين لإشعال المنطقة. وفي الوقت نفسه، تتباكى على مصير الفلسطينيين. أي نفاق يعشقون؟
على مسرح الهزل هذا، ترقص الدمى الفلسطينية على أنغام إيرانية نشاز. في محراب الكذب، يتعبد المدّعون، وقرابينهم أطفال غزة. والحال أنّ طهران تستخدم القضية الفلسطينية كورقة لتوسيع نفوذها في المنطقة، غير عابئة بالثمن البشري الفادح.
ذاك أنّ تاريخ "قادة القضية" حافل بالخيانات. ألم ينكثوا بعهد مكة تحت أستار الكعبة بعد تلقي الأموال السعودية؟ ألم يسبّوا الملك عبد الله - رحمه الله - بعد وفاته، ناسين فضله؟
تحت عباءة الممانعة، تختبئ خناجر الغدر. وها هم اليوم يمدون أيديهم للخليج طلباً للمعونة، وأياديهم ملطخة بدماء أبنائهم.
في مطبخ السياسة الإيرانية، تُطبخ وصفات الموت الفلسطيني. والشعب يتجرع المرارة. أفنصمت والحقيقة أمانة في أعناقنا؟
أين هي المساعدات الإيرانية لغزة؟ لماذا لم تطلق طهران صاروخاً واحداً يصيب قاعدة عسكرية إسرائيلية واحدة ويفنيها لنصرة من تدّعي الدفاع عنهم؟ أيظنون حقًا أن تمثيليات صواريخ "الكرتون" تنطلي علينا؟
بيد أنّ محاولاتهم لإسكاتنا ستبوء بالفشل. كل شكوى ستزيدنا إصراراً. كل تقييد لحسابنا سيكون وقوداً لصوتنا. فليستمروا في نسج أوهامهم. سنبقى شوكة في حلوقهم، نفضح زيف ادعاءاتهم ونكشف عورات خطابهم المتهافت.
التاريخ لن يرحم تجار الدم. سيأتي يوم تدرك فيه الشعوب أن التحرير لا يمر عبر أنفاق الخداع ولا صواريخ الوهم الإيرانية. بل عبر وعي حقيقي ونضال شريف يحترم كرامة الإنسان ويسعى لبناء مستقبل، لا لتدميره.
وإلى كل من يقف معنا في خندق الحقيقة: أنتم سندنا وعزوتنا. بكم سنواصل فضح المستور، مهما علت أصوات التضليل، ومهما اشتدت محاولات الإسكات. فالصمت خيانة، والحقيقة أمانة. ولن نخون الأمانة، مهما كلفنا ذلك.