27 يوليو 2024

العقول السعودية في عصر الآلات الذكية: من سيقود ومن سيُقاد؟

  العقول السعودية في عصر الآلات الذكية: من سيقود ومن سيُقاد؟
 
 AI will not replace you. A”person using AI will.”
 (حكمة متداولة)
 
 عندما يتحدث العالم عن الذكاء الاصطناعي، تجد الشباب السعودي في قلب العاصفة الرقمية. فكر معي للحظة: هل تذكر كيف غيرت الهواتف الذكية حياتنا قبل عقد من الزمان؟ اليوم، نحن على أعتاب ثورة أكبر، ثورة ستعيد تشكيل مفهوم العمل والإبداع من أساسه.
 "الذكاء الاصطناعي لن يحل محلك، لكن الشخص الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي سيفعل." هذه العبارة ليست مجرد حكمة عابرة افتتحت بها هذا المقال، بل هي خارطة طريق لمستقبلنا المهني. دعونا نفكك هذه العبارة ونستكشف أبعادها.
 أولاً، لنتأمل في الجزء الأول: "الذكاء الاصطناعي لن يحل محلك." هذا صحيح، لأن الذكاء الاصطناعي، رغم تطوره المذهل، لا يزال وسبقى يفتقد إلى الإبداع البشري الخالص، والذكاء العاطفي، والقدرة على اتخاذ القرارات الأخلاقية المعقدة. تخيل روبوتًا يحاول التفاوض في صفقة تجارية حساسة أو يقدم المشورة في مشكلة شخصية عائلية. الأمر أشبه بمحاولة استخدام مفك الكفرات لسلخ وتقطيع الذبيحة!
 
 لكن الجزء الثاني من العبارة هو الذي يجب أن يوقظنا: "الشخص الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي سيحل محلك." وهنا يكمن التحدي والفرصة معًا. في عالم يتسارع فيه التطور التقني، سيكون الفارق بين النجاح والتخلف هو القدرة على تسخير قوة الذكاء الاصطناعي.
 
 لنضرب مثالاً: تخيل مهندسًا معماريًا سعوديًا يعمل على تصميم برج فريد في جدة. باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكنه تحليل آلاف التصاميم السابقة، واختبار مئات السيناريوهات المناخية، وتوليد عشرات الأفكار الإبداعية في وقت قياسي. هذا المهندس سيتفوق حتمًا على زميله الذي يعتمد فقط على الأساليب التقليدية.
 
 لكن دعونا نتوقف قليلًا. هل هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي سيقوم بكل العمل؟ بالطبع لا! الذكاء الاصطناعي هو أداة، مثل المطرقة في يد النجار الماهر أو الفرشاة بيد الرسام المبدع. إنها تضاعف قدراتنا، لكنها لا تحل محل إبداعنا وحكمتنا.
 
 في سياق رؤية المملكة 2030، يصبح إتقان الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد مهارة، إنه ضرورة وطنية. تخيل مستشفيات سعودية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض بدقة أعلى، أو شركات نفط تستخدمه لتحسين الإنتاج وتقليل الأثر البيئي. هذه ليست أحلامًا بعيدة، بل هي الواقع الذي يتشكل الآن.
 
 لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن مستعدون؟ هل شبابنا مسلح بالمهارات اللازمة للتعامل مع هذه التقنيات؟ الإجابة يجب أن تكون بـ "نعم".
 
 علينا أن ندرك أن تعلم الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا أكاديميًا، بل هو مهارة حياتية أساسية في القرن الحادي والعشرين. إنه مثل تعلم القراءة والكتابة في العصر الصناعي. من لا يتقنه سيجد نفسه متخلفًا في سباق التنافسية العالمية.
 
 لكن دعونا نكون واضحين: الهدف ليس أن نصبح جميعًا مبرمجين للذكاء الاصطناعي. الهدف هو أن نفهم كيف نستخدم هذه الأدوات لتعزيز قدراتنا في مجالاتنا المختلفة. سواء كنت طبيبًا أو محاميًا أو مهندسًا أو إداريًا أو غير ذلك، فهناك طريقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عملك.
 في النهاية، الفرق بين من يستخدم الذكاء الاصطناعي ومن لا يستخدمه سيكون كالفرق بين من يمتلك سيارة ومن يسير على قدميه في سباق طويل. كلاهما قد يصل إلى خط النهاية، لكن الفارق في الوقت والجهد سيكون هائلاً.
 إن تضمين الذكاء الاصطناعي ومتطلبات عصر ال (AI) مثل الذكاء العاطفي والاجتماعي والعمل الجماعي ومهارات حل المشاكل والتفاوض والإلقاء وشرح العروض ولغة الجسد والمنطق والاقناع في التعليم العام والجامعي ليس ترفًا أكاديميًا، بل هو ضرورة ملحة لبناء جيل قادر على المنافسة عالميًا. تخيلوا معي مدارس المملكة وقد أصبحت كل فصولها مختبرات للابتكار الرقمي. طلاب المرحلة الابتدائية يتعلمون أساسيات التفكير البرمجي من خلال ألعاب تفاعلية، وطلاب الثانوية يطورون تطبيقات ذكية لحل مشكلات مجتمعية، مع منهج موازي لكافة المهارات الناعمة (Soft Skills ) المذكورة أعلاه . هذا ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو واقع يمكننا - بل يجب علينا - تحقيقه.
 
 في الجامعات، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من كل تخصص. فكروا في طالب الطب الذي يتعلم كيفية استخدام الخوارزميات لتحليل الصور الطبية بدقة تفوق العين البشرية. أو طالب الهندسة الذي يستخدم نماذج التعلم الآلي لتصميم مباني أكثر استدامة وكفاءة في استهلاك الطاقة. حتى طلاب الآداب يمكنهم الاستفادة من تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتحليل النصوص الأدبية بعمق غير مسبوق، وقائمة الأمثلة تطول.
 
 لنأخذ مثالاً ملموسًا: تخيلوا برنامجًا جامعيًا للإدارة العامة يدمج الذكاء الاصطناعي في صلب مناهجه. الطلاب هنا لن يتعلموا فقط النظريات التقليدية في الإدارة، بل سيتعلمون أيضًا كيفية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة، وتوقع الاتجاهات المستقبلية، واتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية. هؤلاء الخريجون سيكونون مؤهلين ليس فقط لقيادة المؤسسات الحكومية، بل لتحويلها إلى منارات للابتكار الرقمي.
 
 الأهمية الحقيقية لهذا النهج تكمن في إعداد جيل كامل ليس فقط لاستخدام التكنولوجيا، بل لابتكارها وتشكيلها. نحن نتحدث عن تحويل المملكة من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج ورائد لها. هذا التحول سيكون له تأثير هائل على اقتصادنا، محققًا أحد أهم أهداف رؤية 2030: تنويع الاقتصاد وبناء اقتصاد معرفي قوي، فهذا المقترح يصب في صميم أهداف عراب رؤيتنا وقائد نهضتنا أميرنا المحبوب محمد سلمان حفظه الله.
 
 علاوة على ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم سيساعد في سد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. فبدلاً من تخريج طلاب بمهارات قد تصبح قديمة بسرعة، سنخرج مبتكرين قادرين على التكيف مع التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا.
 في النهاية، إن تضمين الذكاء الاصطناعي في نظامنا التعليمي ليس مجرد خيار، بل هو استثمار في مستقبل المملكة. إنه الطريق لضمان أن تكون السعودية ليس فقط مشاركة في الثورة الصناعية الرابعة، بل قائدة لها.
 لذا، لا تنتظروا الغد. ابدأوا اليوم في استكشاف عالم الذكاء الاصطناعي. جربوا أدواته، تعلموا مفاهيمه، وفكروا في كيفية تطبيقه في مجالاتكم. تذكروا، المستقبل لا ينتمي لمن يخشى التغيير، بل لمن يتبناه ويقوده.
 الذكاء الاصطناعي لن يحل محلكم، لكنه سيغير قواعد اللعبة. فهل أنتم مستعدون لأن تكونوا اللاعبين الرئيسيين في هذه اللعبة الجديدة؟ الإجابة يجب أن تكون: نعم وبكل تأكيد ودون تردد ، لأن المستقبل لا ينتظر أحدًا، ولنكن نحن من يكتب - إن شاء الله- الفصل القادم في قصة التقدم البشري 🇸🇦.
 البروفيسور أندرو نج أحد الرواد في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning). أستاذ في جامعة ستانفورد ومؤسس مشارك لمنصة التعليم عبر الإنترنت Coursera. من أكبر المؤثرين في عالم الذكاء الاصطناعي وسبق وان شغل العديد من المناصب البارزة بما في ذلك رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي في ستانفورد ورئيس مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي في جوجل، حيث أسس مشروع Google Brain. وتعتبر دوراته التدريبية الاون لاين من أحد أهم مصادر تعلم هذا العلم في العالم. شاهده يستشهد في هذا المقطع بالحكمة المتداولة في بداية المقال.

8 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

تعليقات



مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤