28 مارس 2025

‏الـمـسـتـشـار الـمـصـري .. والـمـواطـن الـزائـر


أمام شاشة جوالك الصغيرة يتجلّى مشهد كبير: شركة سعودية، في قلب جدة، تطلب "مستشاراً قانونياً مصرياً"! يا للعجب! لحظة... دعوني أتأكد من جواز سفري... آه، نعم، أنا سعودي أعيش في السعودية! ظننت للحظة أننا في القاهرة! الإعلان واضح كوضوح الشمس في نهار صيف الرياض: إن كنت مواطناً سعودياً فأرجوك تجاوز هذا الإعلان وابحث عن وظيفة أخرى في بلدك... ربما صُنع لك مقعد في "ساهر" أو حارس أمن! أو يمكنك الانتظار حتى تُفتح الوظائف المرموقة: "مندوب توصيل طلبات" أو "عامل نظافة شوارع"، هذه لم يشترطوا فيها الجنسية المصرية بعد!
 
كأننا في مسرحية سوريالية: مواطن يمشي في بلده كزائر، ووافد يتصرف كصاحب المكان! نظام "الكفالة" انقلب - يا سادة - نحن الآن "مكفولون" في أرضنا! الأجنبي يكفل نفسه ويوظف أبناء جلدته، ونحن نبحث عن "كفيل" يرضى بنا! لدينا كليات تخرِّج آلاف القانونيين سنوياً، وابتعاثنا يرسل المئات للدراسة في أرقى الجامعات العالمية... لكن المؤهل الأهم الذي ينقصهم: "جواز السفر المصري"! هل تدرسون القانون في أكسفورد؟ آسف، لا يكفي! هل تملك خبرة عشر سنوات؟ لا يهم! هل أنت متفوق ومجتهد؟ غير مطلوب! المطلوب: أن تكون مصرياً، وفقط! سحقاً للكفاءة، وليحيا جواز السفر!

تخيل معي هذا المشهد: شاب سعودي يقابل مدير الموارد البشرية المصري... المدير: "أنت ممتاز يا أفندم بس فيه مشكلة"... الشاب: "وش هي؟"... المدير: "إنت سعودي!"... الشاب: "أيوة، وش المشكلة؟"... المدير: "بس الإعلان بيقول مصري!"... الشاب: "طيب وش اسوي؟"... المدير: "ما تغير جنسيتك؟"... الشاب: "هاه؟!"... المدير: "ولا بلاش، روح دوّر على شغل تاني!"

وبالطبع لا تعتقد أن هذا حدث عفوي! هناك "لوبيات" توظيفية تحتكر المهن وتتناقلها بين أبناء جنسيتها كالكعكة! مدير مصري يوظف مصريين، مدير أردني يوظف أردنيين، مدير لبناني يوظف لبنانيين... أما المدير السعودي - لو وُجد - فيوظف الجميع إلا السعوديين! لأنه يريد أن "يثبت أنه منفتح"! يا سلام على الانفتاح! انفتاح مثل الجرح!

عندما يصل "المواطن" إلى المقابلة، تتغير معايير التوظيف فجأة كأنك في فيلم سينمائي تحوّلت شخصياته: "نحتاج خبرة أطول"... "مهاراتك مش كافية"... "بصراحة، لا تناسب ثقافة الشركة" (ترجمة: وجهك سعودي، وحنا مبسوطين مع بعض)!

يا وزارة الموارد البشرية: لماذا يُسمح بإعلان يحدد الجنسية وهذا مخالف لأنظمتكم؟! أم أن قوانينكم مثل "عروض البوفيه المفتوح": خذ ما تريد واترك الباقي؟!

المادة الثالثة من نظام العمل تنص على: "المواطنون متساوون في حق العمل"... يبدو أن "المتساوون" هنا استثناء المواطنين! كلنا متساوون، لكن البعض أكثر تساوياً من الآخرين، كما قال أورويل!

أين رؤية 2030 التي جعلت المواطن في قلبها؟ أين "تمكين الشباب" الذي أصبح هاشتاغ كل مؤسسة حكومية؟ هل الرؤية مثل بوفيه مفتوح أيضاً: نأخذ منها ما يعجبنا ونترك الباقي؟!

 لا يمكن أن نغني بالصباح "تمكين المواطن" وفي المساء نرى إعلانات تستبعده بصراحة! نحن شعب "متناقضات" بامتياز: نفتخر بالمواطن في الإعلام... ونستبعده في الإعلان!

لست ضد أي وافد، بل لي أصدقاء من كل الجنسيات، ولكن الشاب الذي لا يجد مكاناً في سوق عمل بلده، كيف سيجد مكانه في مستقبلها؟! المواطن الذي أصبح "زائراً" في وطنه، متى ستنتهي "زيارته"؟!

إذا كان المستشار القانوني "مصري فقط"، فهل المواطن السعودي "زائر فقط"؟! هل نحن مواطنون... أم مقيمون في بلدنا؟

Image placeholder

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤