21 أغسطس 2025

كيف تصبح مليونيراً... وأنت مفلس؟

 اليوم جلست في لوبي برج المملكة بالرياض. المكان المزدحم دائماً بالزوار والوجوه المتأنقة. شاب بجواري كان يتحدث لصديقه عن دورة اشترى تذكرتها بعنوان: "كيف تصبح مليونيراً في 90 يوماً". تذكرت فوراً أن صاحب هذه الدورة كان قبل أسابيع يرسل رسائل خاصة لبعض رجال الأعمال – أعرف اثنين منهم شخصياً – يشرح فيها أن مشروعه على وشك الإفلاس ويطلب دعماً عاجلاً ليستمر. الرسالة لم تكن سوى استجداء صريح، أقرب إلى "الطرارة". المدهش أن نفس الرجل الذي كان يتوسل دعماً مالياً صار فجأة يبيع وصفة للثراء.
ثمة ما يثير السخرية هنا: نحن أمام أكبر عملية نصب جماعي في التاريخ. لا شك أن المؤثرين حوّلوا السوشيال ميديا إلى مسرح للوهم. بيد أن الأخطر أن المجتمع نفسه صار شريكاً في اللعبة. يكفي أن يظهر شاب بوجه جميل وإضاءة جيدة ليصبح "خبيراً". خبير في التغذية بلا دراسة، خبير في التربية بلا خبرة، خبير في المال وهو غارق في الديون. حسبما أرى، هذه ليست خبرة بل ثقة مفرطة مدعومة بكاميرا.
في الماضي كان النصاب يختبئ في الظلام، يخشى الفضيحة. اليوم يقف أمام الكاميرا بكل وقاحة، يبيع الأوهام في وضح النهار، ويُستقبل في المؤتمرات باعتباره "رائد أعمال" و"ملهم الشباب". من الواضح أن المعايير انقلبت رأساً على عقب. كما لا يخفى عليكم، هذه الظاهرة ليست سعودية فقط. في نيويورك كتب مفلس كتاباً عن الثروة، وفي لندن ضُبط مؤثرون يبيعون أسهماً وهمية. لكن عندنا تتحول الطرارة إلى بطولة، ويُصفق للنصاب على أنه نموذج نجاح.
إذا أردنا المقارنة بالماضي، فهؤلاء لا يختلفون كثيراً عن باعة الأعشاب في الماضي القريب في شارع السويلم. الفرق أن أولئك كانوا يصرخون في السوق: "هذه الخلطة تشفي من كل داء"، بينما مؤثرو اليوم يصرخون في تيك توك: "هذه الدورة تصنع منك مليونيراً". النتيجة واحدة: الزبون يدفع، والبائع يختفي.
دعونا نلاحظ أن هؤلاء لا يبيعون فقط منتجات أو دورات، بل يبيعون تعريفاً جديداً للنجاح. النجاح عندهم سيارة فارهة، ساعة غالية، سفرات إلى المالديف. لا حديث عن العمل الشاق أو الصبر أو الفشل. كل شيء سريع ولامع وفارغ. يكفي أن تقول: "فكر إيجابياً" وتبتسم بأسنان بيضاء حتى يصبح كلامك حكمة تستحق آلاف الريالات.
يكفي أن نسمع عن شاب جامعي يدفع ما تبقى من مصروفه في دورة وهمية، بينما كتبه الدراسية مكدسة بلا قراءة. بيد أن المصيبة ليست في النصاب وحده، بل في الضحية الذي يصدق. متى سنكف عن الاعتقاد أن هناك "سر الثراء" يباع في كورس على إنستغرام؟ لو كان هناك سر فعلاً، لما بقي فقير على وجه الأرض.
وربما السؤال الأهم: متى سنستيقظ؟ ربما حين يطرح أول مؤثر دورة بعنوان: "كيف تطلب دعماً مالياً وأنت مفلس". عندها فقط سندرك أن المسرحية وصلت فصلها الأخير. 

3 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي