03 أغسطس 2025

تجارة الأعضاء في مصر: من الكرامة الإنسانية إلى سوبر ماركت القطع البشرية

تجارة الأعضاء في مصر كانت زمان حاجة تخلي الناس تصرخ من الرعب، بقت دلوقتي حاجة تخليهم يصرخوا من الضحك. كانت فضيحة تهز المجتمع، بقت إعلان في جوجل. كان الإنسان له كرامة وقدسية، بقى له سعر في السوق زي الطماطم والبطاطس. كان الطبيب يقسم قسم أبقراط، بقى يحلف بـ"فيزا" و"ماستركارد".
كان المصري زمان يقول "جسمي أمانة من ربنا"، بقى دلوقتي يقول "جسمي أصل تجاري قابل للتصفية". كان يفضل يموت جوعان على إنه يمس كرامته، بقى يبيع كليته ويفتكر إنه "رجل أعمال".
دلوقتي، مصر بقت أكبر معرض للأعضاء البشرية في الشرق الأوسط. عندنا كتالوج أسعار منظم: الكلية بـ50 ألف، الكبد بـ80 ألف، القرنية بـ20 ألف، والقلب "حسب التفاوض". وده مش كلام فاضي، ده 95% من عمليات زرع الأعضاء في مصر بقت تجارية غير قانونية.
يعني تسعة من كل عشر عمليات زرع بتحصل في مصر، هي في الحقيقة صفقات بيع وشراء. مش عمليات طبية، لكن معاملات تجارية. مش إنقاذ للأرواح، لكن تجارة في الأرواح.
بقت مصر بتقول للعالم: "تعالوا عندنا، عندنا أعضاء طازة، وأطباء ماهرين، وأسعار تنافسية، وضمان على البضاعة سنة كاملة". بقت بتتباهى بـ"السياحة العلاجية"، واللي في الحقيقة سياحة تسوق في أجساد الفقرا.
شوف المفارقة الحلوة: الدولة اللي بتقول إنها "مش قادرة توفر دواء للغلابة" في المستشفيات الحكومية، لقت فجأة إمكانيات هائلة لعمل عمليات زرع أعضاء معقدة ومكلفة للأجانب. الدولة اللي "مفيش فلوس" تصلح أجهزة الغسيل الكلوي، لقت فلوس تشتري أحدث أجهزة جراحة الأعضاء.
شوف مستشفى وادي النيل اللي الناس بتسميها "مستشفى المخابرات"، واللي استقبلت أكتر من ألف ضحية يمني لبيع أعضاءهم. المستشفى دي كانت شغالة زي محل الجزارة، بس بدل اللحمة، كانت بتقطع الناس.
والحلو في الموضوع إن العملية كانت بـ"إشراف طبي متكامل" و"معايير دولية في النظافة". يعني كانوا بيسرقوا كلى الناس، لكن بطريقة "حضارية".
شوف اللاجئين السودانيين والإريتريين اللي جايين مصر هرباً من الحرب والفقر، يلاقوا إن مصر حضرتلهم "برنامج استقبال متكامل": إقامة مجانية في "جناح العمليات"، ووجبات طبية مدروسة، و"هدايا تذكارية" في شكل فلوس قليلة مقابل أعضاء كتيرة.
الحلو إن العصابات بقت عندها خدمة عملاء محترمة. بيقولوا للضحية: "إنت محتاج تسافر أوروبا؟ هنساعدك. بس عايزين معروف صغير منك: كلية واحدة بس، وإنت عندك اتنين". والأحلى إنهم بيقولوا: "ومتقلقش، العملية آمنة 100%، وهتبقى زي الفل".
واللي يخليك تموت من الضحك إن زعيم عصابة في القاهرة بيشرف على 20-30 عملية زرع كلى في الأسبوع الواحد، و40% من الضحايا مش بيحصلوا حتى على الفلوس الموعودة. يعني حتى في تجارة الأعضاء، المصريين عندهم موهبة "الشغل بالمجان".
دلوقتي بقت التجارة "رقمية" كمان. اكتشفوا مجموعات على التيليجرام متخصصة في بيع الأعضاء بالبيتكوين، منها مجموعة اسمها "sell, buy kidney" بتوصف نفسها بأنها "أكبر مركز تسوق للكلى والكبد ونخاع العظام". 
يعني بقى فيه "أمازون للأعضاء البشرية"، وكمان بالعملات المشفرة عشان نواكب التطور التكنولوجي. بقوا يستخدموا رموز تعبيرية: القلب الأحمر يعني "محتاج قلب"، القلب الأزرق يعني "عندي قلب للبيع". وأكيد قريباً هنلاقي تطبيق على الموبايل: "أوبر للأعضاء".
هي دي المفارقة الجميلة: الدولة اللي بتراقب كل تغريدة على تويتر، وكل فيديو على تيك توك، وكل صورة على الإنستجرام، مش لاقية مجموعات بيع الأعضاء اللي شغالة على الواضح؟ ولا هي شايفاها وبتقول "ده اقتصاد حر، يعمل اللي يعجبه"؟
والأجمل إن المؤسسة الدينية ساكتة خالص. الأزهر اللي بيفتي في كل حاجة، من "إزاي تمسح حذاءك صح" لـ"إيه حكم الشطة في رمضان"، مش لاقي رأي في بيع كلى المسلمين؟ ولا الفتوى جاهزة بس مستنيين "الوقت المناسب"؟
حتى الكنيسة، اللي بتتدخل في كل قضية اجتماعية من تنظيم النسل للطلاق، ساكتة على بيع أعضاء الأقباط. ولا هم شايفين إن "ده تبرع خيري" للمحتاجين؟
شوف سانتوش الشاب النيبالي اللي عنده 19 سنة، كان بيشتغل بياع شاي عشان يعيش أربع أخوات وأمه. واحد قاله "هنوديك شغل في الهند"، صحي لقى نفسه بكلية واحدة و4500 دولار. دلوقتي بيقول: "جسدي متضرر، مقدرش أعمل شغل شاق، ومقدرش أقف فترة طويلة". 
يعني الولد ده اشترى "راحة نفسية مؤقتة" بـ"إعاقة دائمة". صفقة رابحة، مش كده؟
والحلو إن فضيحة وفاء عامر؛ لما اتهمت زوراً بالتورط في تجارة الأعضاء، ردود أفعال الناس مكانتش صدمة من التهمة نفسها، لكن صدمة من إن "النجمة دي تحديداً" هي اللي متهمة. يعني الناس بقوا متعودين على تجارة الأعضاء، بس مش متعودين إن النجوم يتورطوا فيها. 
 ده معناه إن المجتمع استوعب الجريمة وهضمها وقبل بيها كـ"جزء من الحياة". بقى زي ما تقول "فيه زحمة في الشارع" أو "فيه تلوث في الهوا" أو "فيه تجارة أعضاء في المستشفيات".
هي دي الكارثة الحقيقية: إن تجارة الأعضاء مبقتش جريمة بنستنكرها، لكن بقت "ظاهرة" بنتقبلها. بقت جزء من "الاقتصاد الخفي" اللي بيدير البلد. بقت "مهنة" للفقراء، و"خدمة" للأغنياء.
والإعلام بيتعامل مع الموضوع زي ما يتعامل مع "مهرجان القاهرة السينمائي" تغطية إعلامية، وضيوف، ومناقشات، وتحليلات، وفي الآخر كله ينسى الموضوع لحد السنة الجاية.
بقت المذيعة تقول للضيف: "إيه رأيك في ظاهرة بيع الأعضاء؟" زي ما تسأله: "إيه رأيك في ظاهرة الاحتباس الحراري؟" كلام في كلام، وفي الآخر كل واحد يروح بيته ينام مرتاح الضمير.
والطبيب المصري اللي كان زمان رمز الشرف والنزاهة، بقى دلوقتي "رجل أعمال في مجال الصحة". بقى عنده "فروع" في أكتر من مستشفى، و"خطوط إنتاج" متخصصة في أعضاء مختلفة. بقى بيحسب "معدل الربحية" من كل عملية، و"الحصة السوقية" من كل عضو.
بقى يقول للمريض: "إنت محتاج كلية؟ عندي عرض خاص النهاردة: كليتين بسعر واحدة". أو "إنت عايز كبد؟ عندي موديل 2025، لسه نازل، مش هتلاقي أحسن منه في السوق".
هي دي المأساة: إن الطب اللي كان رسالة إنسانية، بقى تجارة بلا رحمة. والطبيب اللي كان منقذ للأرواح، بقى متاجر في الأرواح.
والحكومة؟ الحكومة بتقول إنها "بتحارب الظاهرة بكل حزم". وبعدين تطلع إحصائية تقول إن مصر من أكبر مراكز تجارة الأعضاء في العالم. بقى ده "حرب" ولا "شراكة"؟
والأجمل إن المسؤولين بيطلعوا في المؤتمرات يقولوا: "إحنا عندنا قوانين صارمة بتجرم تجارة الأعضاء، وعقوبات تصل لكذا وكذا". طب ما تقولولنا بقى: اتحكم على كام واحد بالقوانين دي؟ فين السجناء؟ فين المحاكمات؟
ولا القوانين دي بتتطبق بس على اللي "مش معاه واسطة"؟
طب إيه الحل؟ الحل بسيط قوي، ومعقد قوي في نفس الوقت.
الحل البسيط إن نوقف النفاق ده، ونعترف إن المشكلة مش "ظاهرة" لكن سياسة. مش "جريمة فردية" لكن نظام متكامل. مش "استثناء" لكن قاعدة.
لازم قاعدة بيانات موحدة لكل عمليات زرع الأعضاء، مربوطة بالنيابة العامة، عليها رقابة من جهات مستقلة مش تابعة للوزارة.
لازم تفتيش مفاجئ على المستشفيات الخاصة، من جهات أمنية مختصة، مش من "لجان وزارية" بتبعت خطاب رسمي قبل الزيارة بأسبوع.
لازم محاكمة علنية لكل الأطباء المتورطين، ومنع مزاولة المهنة نهائياً، وإغلاق أي مستشفى تثبت إدانته.
لازم وحدة إلكترونية تراقب مجموعات التواصل الاجتماعي، وتقفل فوراً أي مجموعة أو حساب يروج لبيع الأعضاء.
لازم برنامج حماية شامل للضحايا: علاج مجاني مدى الحياة، ومتابعة نفسية، ومساعدات مالية، وضمان اجتماعي.
لازم تطوير نظام التبرع الشرعي بالأعضاء، وحملات توعية حقيقية تشجع التبرع بعد الوفاة، وتسهيلات إدارية للمتبرعين الأحياء.
لأن تجارة الأعضاء مش مجرد "جريمة اقتصادية"، ده انتهاك للكرامة الإنسانية. مش مجرد "فساد في النظام الصحي"، ده تحويل الإنسان لقطع غيار. مش مجرد "استغلال للفقرا"، ده إبادة منهجية للكرامة البشرية.
والمجتمع اللي يقبل ببيع أجساد أولاده، مجتمع فقد أهم حاجة عنده: إنسانيته. والدولة اللي تسكت على تحويل مواطنيها لبضاعة للتصدير، دولة باعت شعبها بالمزاد العلني.
والاختيار قدامنا واضح: يا إما نفوق من السبات ده، ونسترد كرامتنا كبشر، يا إما نقبل نكون مجرد "مخزون استراتيجي من قطع الغيار" لسادة العالم الجدد.
لأن اللي بيبيع عضو من جسمه مضطراً، مأساة. لكن اللي بيبيع عضو من جسمه وهو مبسوط، مهزلة. واللي بيشتري عضو من جسم غيره وهو عارف إن ده غصب عنه، جريمة.
وإحنا دلوقتي عايشين في البلد اللي بقت مزيج من التلاتة: المأساة، والمهزلة، والجريمة.
 
ما يلزمنيش أكون مصري…
عشان أتقرف من اللي بيتعمل في المصري.
#أكتب_عن_مصر_كأنك_مصري

9 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي