المؤامرة التي وقعت في دماغ سامح عسكر لا في المكتبة الشاملة

‏سامح عسكر بنى اتهاماته على فراغ، لا على نصوص. فالرواية التي زعم أنّها “مزوَّرة” موجودة في مصادرها الأصلية بالمكتبة الشاملة بتمامها، من “إحياء علوم الدين” للغزالي إلى “إتحاف السادة المتقين” للزبيدي، بل حتى في “علو الهمة” للمقدم. النسخة الوحيدة التي سقط منها سؤال عبد الملك هي “تنبيه الغافلين”، والسقوط هنا من جنس سقط النسّاخ المعروف، لا منطق “المؤامرة السلفية”. أي قارئ للمكتبة الشاملة سيجد أن النص يرد كاملاً في عشرات المواضع. هذا أول الدليل وأبسطه. غير أن من الواضح أن سامح لايعرف ماهو سقط النساخ ولم يحقق كتابًا من قبل بسبب ضعف تأسيسه الإخواني. 
‏ ذاك أن سامح، بدل أن يقرأ، فضّل أن يرفع لافتة “التزوير”، وهو في الحقيقة يزوّر على عقله. هنا المفارقة الساخرة: الرجل يتهم الآخرين بالطمس فيما حجته قائمة على نسخة ناقصة منشورة في الموقع نفسه الذي يصفه بـ” السلفي”! فكيف لمؤسسة قطرية رسمية دينية – سلفية (وهابية حسب اسقاطاته) – أن تنشر النص كاملاً وتترك المؤامرة مكشوفة؟ تناقض لا ينهض عليه منطق طفل. وهم. ليس أكثر.
‏غير أن السبب التاريخي لمقتل حُطَيط كما يذكره ابن تغري بردي فهو انخراطه في التشيع وميله إلى ثورة ابن الأشعث، لا لأنه أجاب الحجاج بجملة عابرة. 
‏والحال أن الرواية الوعظية التي استند إليها عسكر منقولة بصيغة تمريضية عن ابن أبي الدنيا، تصلح للعبرة لا للتوثيق. تفكيك سندها يكفي لإسقاطها. لكن سامح يستعذب الحكاية المهيّجة، فيحوّلها إلى وثيقة جنائية يدين بها التاريخ كله.
‏يلوح أن المشكلة ليست في النصوص بل في طريقة التفكير. فبدل النظر إلى اختلاف النسخ بوصفه ظاهرة طبيعية في التراث المخطوط، يجري تضخيم السطر الساقط ليصبح “فضيحة”، وكأن آلاف المخطوطات عبر القرون خرجت من مطابع أوفست حديثة. بيد أنّ عسكر لا يميز بين سقط الناسخ وسيف الرقيب. وهذه فجوة معرفية فادحة.
‏والحال أنّ هذا “التحقيق” المزعوم لم يفضِ إلا إلى كشف عجزه وجهله عن ممارسة نقد النصوص. فالذي يبني حملة على سطر ساقط، بينما عشرات النسخ الأخرى ترد فيها الرواية كاملة، إنما يعلن إفلاسه العلمي بنفسه. النتيجة واضحة: لا تزوير ولا مؤامرة. فقط عقل يلهث وراء الإثارة، يفسّر كل فجوة في المخطوطات على أنها يد سلفيّة شريرة.
‏أما الحقيقة فبسيطة: النص باقٍ، التاريخ أوضح، وما سقط هو وعي سامح، لا جملة في كتاب.
‏—
‏مراجع على سبيل المثال:
‏1.إحياء علوم الدين – للغزالي (المكتبة الشاملة):
‏⁦‪shamela.ws/book/9472/706‬⁩
‏2.إتحاف السادة المتقين – للزبيدي (إسلام ويب):
‏⁦‪islamweb.net/ar/library/con…‬⁩
‏3.علوّ الهمة – للمقدَّم (المكتبة الشاملة):
‏⁦‪shamela.ws/book/96278/408‬⁩
‏4.تنبيه الغافلين – نسخة الشاملة:
‏⁦‪shamela.ws/book/35453/56‬⁩
‏5.النجوم الزاهرة – ابن تغري بردي (موقع إيراني صفوي لكي يثق سامح بالمصدر):
‏⁦‪ito.lib.eshia.ir/81393/1/208‬⁩