06 سبتمبر 2025

من مفارقات البلاغة إلى صخب الهاشتاق ابن مهيد شاهدٌ على جهل الجيل ‏ابن مهيد رمز الكرم بين مدح الردّيات وضجيج الهاشتاقات

من مفارقات البلاغة إلى صخب الهاشتاق: ابن مهيد شاهدٌ على جهل الجيل
‏ابن مهيد..رمز الكرم بين مدح الردّيات وضجيج الهاشتاقات
‏ثمّة فرق بين من يفكّ شيفرة بيت شعر، ومن يظنّ أنّ الشعر بيان وزارة الخارجية. ذاك أنّ محمد العازمي حاول استفزاز ⁧‫#سفر_الدغيلبي‬⁩ فقال:
‏هلا مرحبا بالضيف لو مرحبا زاد
‏شبع من كثر ما قلتها في محلي
‏والبيت قائم على جناس «زاد»؛ فهي تعني الزيادة وتعني الطعام. العازمي ضخّم «مرحبا» حتى جعلها زادًا يُشبع، وهو في الظاهر مدح لنفسه، لكنه في ميدان الردّيات استفزاز ذكي: قلب معيار الكرم من الفعل إلى القول، كأنه يقول لخصمه إن ترحيبنا يكفي عن الطعام، فبأي شيء ترد؟
‏جاء جواب سفر:
‏يدوم البقا يا محيين ورث الأجداد
‏بعد طيبك ابن مهيد خله يولي
‏والمقصود أنه إذا كان طيبك بالكلام يبلغ هذا المبلغ، فحتى الشيخ ابن مهيد -"⁧‫#مصوت_بالعشا‬⁩"،وهو معيار الكرم الأعلى في الجزيرة العربية منذ حاتم الطائي- نستطيع أن نغض الطرف عن ذكره وننساه ونطوي تاريخه العريق. عبارة «خله يولي» ليست إهانة للرمز، بل مفارقة تهكمية موجهة لمبالغة الخصم، واستحضار اسم ⁧‫#ابن_مهيد‬⁩ بحد ذاته رفع "مُستحق" لمقامه، لأنه المرجع الأعلى الذي تُقاس به مقارنات الكرم.
‏هذا اللون من الشعر معروف، مدح بما يشبه الذم، كما فعل حويدي العاصمي في مدح الملك عبد العزيز بعد استرداد الأحساء:
‏حوّل على حمر الطرابيش بحبال
‏مثل السفيه اللي من العقل خالي
‏فابتسم المؤسس وقال: «أنا معزي جعلتني مهبول؟» فأجابه الشاعر: «والله ما يسوي فعلك إلا مهبول». فهم عبد العزيز أنّ المعنى مدح بالجرأة الخارقة التي تفوق حسابات العقلاء، لا ذمًّا ولا انتقاصًا. ولو كان جيل البلاغات الإلكترونية حاضرًا وقتها، لرفعوا وسمًا غاضبًا بعنوان: ⁧‫#احترم_المؤسس‬⁩.
‏الشعر ليس خطابًا إداريًا ولا محضر شرطة؛ هو ميدان مفارقة ومبالغة، يمدح بما يشبه الذم ويضحك الممدوح بدل أن يثير غضبه. أما من يقرأه بعقلية المحاضر الرسمي، فسيظل يظن أنّ كل لفظة إساءة. ولئن كان ابن مهيد رمز الكرم، وعبد العزيز رمز الشجاعة، فإن بعض مواليد «1990–2010» صار رمزهم زر التبليغ. فرسان الأمس واجهوا بالسيوف والبيوت، وفرسان تويتر يواجهون بزر الإبلاغ والهاشتاق وشتائم الأطفال.
‏وهذا يفضي بنا إلى خلاصة بديهية: أنّ المدح بما يشبه الذم باب راسخ في البلاغة العربية، ظاهرُه قسوة وباطنه تعظيم شديد. من لم يفهمه فليجلس متفرجًا، أما أهله فيدركون أن الشعر يُبنى على المفارقة، لا على البلاغات والهاشتاقات.

3 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي