08 أغسطس 2024

ثورة في التعليم: حين تصبح هارفارد في غرفة نومك!

 "يمه، قبلوني في هارفارد!"
 صرخ ابن أختي بفرح غامر، وأنا أحملق في شاشة جواله بذهول. كيف له أن يلتحق بأعرق جامعات العالم بهذه السهولة؟ ومن سيبقى مع والديه فهو وحيدهما؟ هل سيطيقون بعده؟ ثم شرح لي: إنه برنامج دراسي محترف عن بُعد (أون لاين)! لحظتها أدركت أن عالم التعليم كما نعرفه قد تغير إلى الأبد.
 
 هذا المشهد، الذي كان ضرباً من الخيال بالأمس، أصبح اليوم حقيقة نعيشها. فهناك جامعات أمريكية عريقة بدأت بالفعل بتقديم برامج ماجستير صارمة ومحترمة أون لاين. وحتى هارفارد وأخواتها من الجامعات العشر الأولى على مستوى العالم، وإن لم تكن تقدم شهادة جامعية كاملة بعد، فهي تقدم برامج وكورسات أون لاين حالياً، مثل الكورس الذي التحق به ابن أختي. ويتوقع الخبراء أنه خلال سنوات قليلة ستكون كل البرامج الدراسية من الدبلوم والبكالوريوس إلى الدكتوراة مفتوحة أون لاين فعلاً بأغلب أو كل الجامعات الكبرى.
 لكن هل هذا الفردوس التعليمي الذي طالما حلمنا به؟ أم أنه وهم رقمي يخدعنا ببريقه التكنولوجي؟
 دعونا نفكك هذه الظاهرة بجرأة، بعيداً عن هالة القداسة التي نضفيها على كل ما هو "غربي" و"تقني".
 
 أولاً، الجانب المشرق:
 1. ديمقراطية التعليم: على فرض عدم وجود برنامج الأبتعاث واستمراره، أصبح بإمكان الطالب السعودي المتفوق، الذي قد لا يملك مصاريف شهر في الخارج، أن يدرس في أرقى الجامعات العالمية. ألسنا بهذا نحقق مبدأ تكافؤ الفرص الذي طالما تغنينا به؟
 2. توفير المليارات: تخيلوا حجم الأموال التي ستوفرها الدولة إذا تحولت ميزانية برنامج الابتعاث إلى برامج عن بُعد! ألا يمكن استثمار هذه الأموال في تطوير جامعاتنا المحلية بدلاً من إثراء الغرب؟
 3. الحفاظ على النسيج الاجتماعي: كم من أسرة تفككت بسبب سفر أحد أبنائها للدراسة في الخارج؟ كم من شاب وشابة عادوا وقد تغيرت هويتهم وقيمهم؟ التعليم عن بُعد يحل هذه المعضلة الاجتماعية. وكذلك يحل مشكلة الأهل بافتقاد أبنائهم وبناتهم، وسيحل مشكلة الكثير من البنات المتفوقات والطموحات اللواتي يمنعهن أهلهن من السفر لأسباب مثل "المحرم" وغيره.
 4. تجنب صدمة الاغتراب: ألم نسمع جميعاً قصصاً مؤلمة عن طلاب عانوا نفسياً في الغربة؟ بالتعليم عن بُعد، يبقى الطالب في بيئته الداعمة، محاطاً بأهله وأصدقائه.
 
 5. حل مشكلة القبول: كل عام نسمع عن طلاب متفوقين حصلوا على معدلات تفوق 99% ومع ذلك لم يتم قبولهم في الجامعات المحلية. التعليم عن بُعد قد يكون الحل الأمثل لهؤلاء الطلاب، فيفتح لهم آفاقاً جديدة للدراسة في جامعات عالمية دون الحاجة لمغادرة البلاد. أليس من المؤسف أن نهدر هذه العقول لمجرد نقص في المقاعد الجامعية؟
 
 لكن، دعونا لا نغرق في بحر الأحلام الوردية. فلكل إيجابية سلبية:
 1. غياب التجربة الثقافية: كيف سيفهم طلابنا العالم إذا لم يعيشوا فيه؟ ألسنا بحاجة لسفراء ثقافيين يفهمون الغرب من الداخل، ويقدمون ثقافتنا للعالم؟ لا من خلال شاشة فحسب.
 2. التفاعل الاجتماعي: هل نريد جيلاً من "العباقرة الافتراضيين" الذين يجيدون التعامل مع الأيقونات أكثر من البشر؟ ألن نخسر مهارات التواصل الحقيقية التي تُبنى في الحرم الجامعي؟
 3. جودة التعليم: هل حقاً سيحصل الطالب عن بُعد على نفس جودة التعليم التي يحصل عليها نظيره في الحرم الجامعي؟ أم أننا نخدع أنفسنا بوهم المساواة التعليمية؟
 4. التحديات التقنية: ماذا عن انقطاع الإنترنت أو ضعفه؟ وكيف سنضمن أمن المعلومات والامتحانات عبر الإنترنت؟
 
 لنكن صرحاء: نظامنا التعليمي يعاني من مشاكل عميقة. فهل التعليم عن بُعد سيحل مشكلة المناهج المتحجرة؟ هل سيغير ثقافة "الشهادة فوق كل شيء" التي تهمل المهارات العملية؟
 ربما حان الوقت لنفكر في نموذج هجين ثوري:
 - دراسة المواد النظرية عن بُعد من أفضل الجامعات العالمية.
 - تدريب عملي مكثف في شركات ومؤسسات محلية.
 - برامج تبادل قصيرة (شهر أو شهرين) للانغماس الثقافي.
 - مشاريع تعاونية افتراضية مع طلاب من مختلف أنحاء العالم.
 لكن، دعونا نواجه الحقيقة المرة: التحدي الأكبر ليس تقنياً، بل ثقافياً. كم مرة سمعنا عبارات مثل: "شهادة من النت؟ وش دراك إنه هو اللي ذاكر؟" أو "وين بتلقى وظيفة بشهادة أون لاين؟"
 هذه العقلية المتحجرة هي العدو الحقيقي للتغيير. وهنا يأتي دورنا كمثقفين وإعلاميين في تغيير هذه النظرة البالية.
  مستقبل التعليم العالي سيكون حتماً مزيجاً من التقليدي والافتراضي. السؤال ليس "هل" بل "متى وكيف". فإما أن نكون روّاداً في هذه الثورة التعليمية، أو أن نجد أنفسنا في ذيل القافلة، نلهث وراء العالم ونحن نحمل شهاداتنا الورقية البالية. وأختم بتحدٍ: لو كنت وزيراً للتعليم، هل ستستثمر المليارات في بناء جامعات من حجر، أم في بناء منظومة تعليم عن بُعد تنافس العالم؟
 (قد يتبع)
 

6 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي