03 سبتمبر 2025

طائرة الحضارة: محركها رجالي... ونظام تبريدها أنثوي

90% من السجناء رجال… و95% من نوبل أيضاً
يلوح أن الحضارة طائرة عملاقة تهتز في مدارها: رجالها محرك صاروخي يندفع بها إلى الأعالي أو يهوى بها إلى الهاوية، ونساؤها نظام تبريد يضمن أن لا يحترق البدن. ليست هذه صورة شعرية عابرة، بل معادلة كتبتها الجينات وكرّسها التاريخ.
والحال أن الفارق ليس في المتوسط، بل في الأطراف. الرجال أكثر تشتتاً: في القمة يظهر أينشتاين وجوبز وماسك، وفي القاع يطل هتلر وستالين ومجرمو الحروب. النساء أغلبية في الوسط، حارسات للاعتدال والاستمرار.
الأرقام قاطعة: نحو 94% من السجناء في العالم رجال، فيما نحو 95% من جوائز نوبل نالها رجال، ولم تحصد النساء في العلوم سوى أقل من 5% فقط. مطرقة رقمية تسحق الجدل: الأطراف رجالية الطابع، الوسط أنثوي الطابع.
التستوستيرون ليس كلمة عابرة في قاموس البيولوجيا. بعد البلوغ يقفز مستواه لدى الذكور إلى 15–20 ضعفاً عن الإناث، فيولد جسداً أوسع بالعضلات، أقوى بالعظام، أعلى قدرة هوائية.
لذلك تظل الفجوة الرياضية ثابتة: 10% تقريباً في الجري والسباحة، وأكبر في القفز والقوة. وتُظهر دراسات عديدة أن بعض مزايا الكتلة والقوة تبقى حتى بعد سنوات من العلاج الهرموني.
وللسلوك نصيبه. الذكور أكثر ميلاً للمقامرة والقرارات «الكل أو لا شيء»، النساء أميل إلى توزيع المخاطر.
هنا يكتمل التشريح الثلاثي: نفسياً الرجل اندفاعي والمرأة حذرة، ثقافياً المجتمع مجّد المغامرة وأهمل الرعاية، حضارياً القفزات والانهيارات صنعت العناوين، لكن الاستمرارية صنعت الحضارة.
نحن نتحدث عن توزيع احتمالات لا عن جواهر جامدة؛ والبيئة والمؤسسات تغيّر الكثير. لكن حتى مع هذه التعديلات، يبقى النمط صارخًا: الأطراف للرجال، الوسط للنساء.
الأمثلة كثيرة. في روما، قفز قيصر وأغسطس بالمجد، ثم أحرق نيرون العاصمة في نوبة جنون. خلف الستار، كانت ليفيا، الزوجة الحارسة، تضمن انتقال السلطة.
في إسطنبول، رفع الفاتح وسليم الدولة إلى الأطراف، وحين ضعُف العرش برزت وصايات «سلطنة الحريم» لتمنع التفتت.
في الحرب العالمية الثانية خرج الرجال إلى الجبهات، فقفزت نسبة النساء في سوق العمل الأميركي من 27% إلى 37% عام 1945. حافظن على العجلة، لكن من أعاد رسم النظام الدولي كانوا رجالاً بأسماء تشرشل وستالين وروزفلت.
والتاريخ، باختصار، يُكتب بالبنادق، ويُرمم بالغسالات.
ولعل أصدق استعارة ساخرة أن التاريخ مأدبة صاخبة: الرجال يقذفون الأطباق في وجوه بعضهم، والنساء يغسلنها بعد انفضاض الوليمة كي يبقى البيت قائماً.
المشهد المعاصر لا يقل وضوحاً. في وادي السيليكون، رجال بأسماء ماسك وبايج وبرين وزوكربيرغ أسّسوا الثورة الرقمية. ومع العبقرية فضائح واضطرابات وقرارات جنونية تغيّر أسواقاً كاملة.
النساء؟ شيريل ساندبرغ في فيسبوك وسوزان وجسيكي في يوتيوب: أدوار إدارية حارسة، لا جنونية مؤسسة. حتى في الحقول «الأنثوية»: الطهو يعلو فيه رامزي وبوكوز وأدريا، الأزياء يهيمن عليها ديور وسان لوران وغوتييه، والشَعر يعتليه فيدال ساسون.
وحدها شانيل استثناء يلمع؛ ليذكر أن الأستثناء يؤكد القاعدة: القمم رجالية، النساء ضمان البقاء.
قد يقول معترض: وماذا عن ماري كوري وتاتشر وميركل وسيرينا ويليامز؟ الجواب أن كل استثناء أنثوي لافتة مضيئة لا تكسر القاعدة بل تعلّقها فوقها.
كوري أنارت مختبراً لا عصراً، ميركل أدارت ألمانيا كمهندسة صيانة لا كنابليون جديد، سيرينا سيطرت على ملعب فردي لا على قارة. الاستثناء يلمع، لكنه نادر. والندرة لا تنقض النمط.
أما الأكاديميا الغربية فاختارت إخفاء الفوارق تحت شعار «المساواة». لجان رياضية تلين الحقائق باسم الشمول، بينما الفجوات تُقاس في المضمار والملعب والمختبر.
الجامعات تفضل السرد على القياس: كيف نحكي الظاهرة لا كيف نقيسها. لكن فجوة الأداء لا يغلقها خطاب، بل رقم. فجوة الجريمة لا يسدها شعار، بل حقيقة.
والرقم هنا لا ينتظر تصفيق لجان الشمول.
وفي الفلسفة والفن والموسيقى والاقتصاد، القاعدة نفسها: سقراط وأفلاطون ونيتشه وسارتر. دافنشي وبيكاسو وفان غوخ. موزارت وبيتهوفن. آدم سميث وكينز وبيل غيتس.
أسماء نسائية؟ قليلة، نادرة كالمطر في صيف قاسٍ.
النتيجة واضحة: الرجال يصنعون المعجزات والكوارث، النساء يصنعن الاستمرار. الأول يفتح المدار أو يفجّر المنصة، الثانية تمنع الطائرة من الاحتراق.
أما القاعدة الحديدية فهي لا تُكسر: الرجال هم البراكين التي تغير تضاريس الأرض، النساء هم البحر الذي يبرد الصخور ويمنع الكوكب من التفتت.
وكما لا يطير الصقر بجناح واحد في صحراء الريح، لا تقلع حضارة بجنون بلا حذر، ولا بحذر بلا جنون.
والسماء،لا تعترف بجناح يتيم.

منحنى الجرس:
النساء أكثر في الوسط الآمن، الرجال أكثر في الأطراف: قمم عبقرية أو قيعان كارثية

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي