هل يحتاج العالم إلى "وطن إسلامي" آخر؟ وهل ستكون الجزيرة الأسكتلندية النائية ملاذاً للمؤمنين أم مسرحاً لمسرحية هزلية جديدة؟
ذاك أنّ رجل الدين الصفوي ياسر الحبيب – المعروف بخطابه المتطرف وفتاويه المثيرة للجدل – يسعى لتحويل جزيرة تورسا إلى ما يسميه "وطناً للمسلمين" كما نشرت الصحف البريطانية بالأمس. والحال أنّ هذا المشروع، الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه حلم طوباوي، يثير تساؤلات عديدة حول جدواه وأهدافه الحقيقية.
فكيف لمن يكفّر غالبية المسلمين العظمى أن يؤسس وطناً جامعاً لهم؟ وهل سيكون هذا "الوطن" الجديد أكثر من مجرد نسخة إسلامية من جزيرة إبستين سيئة السمعة – مع فارق أنّ "زواج المتعة" سيحل محل الاستغلال الصريح؟
لعلّ المفارقة الأكبر تكمن في أنّ من يدعو إلى "الجهاد" ضد أبناء دينه يسعى الآن لإنشاء "وطن" لهم. فهل سيكون سكان الجزيرة في حالة حرب دائمة مع بعضهم البعض، يكفّر كل منهم الآخر لاختلاف في تفسير آية أو حديث؟
وماذا عن تطبيق "الشريعة" التي يتحدث عنها الحبيب؟ هل سنرى محاكم تفتيش جديدة تحاكم الناس على نواياهم، أم أنّ الأمر سيقتصر على إصدار فتاوى غريبة وممارسات مشبوهة تحت ستار الدين؟
بيد أنّ السؤال الأهم: ما الذي يدفع الناس للانضمام إلى مثل هذا المشروع؟ هل هو حقاً البحث عن "وطن إسلامي"، أم أنّه مجرد هروب من واقع مرير إلى وهم جديد؟ وهل سيلبث هؤلاء في "وطنهم الجديد" طويلاً قبل أن يهرعوا طالبين اللجوء في بريطانيا – كما هي العادة دائماً؟
إنّ فكرة إنشاء "وطن إسلامي" على جزيرة نائية تبدو وكأنها خرجت من رواية خيال علمي ساخرة. لكنّها، للأسف، واقع مرير يعكس حالة اليأس والتخبط التي يعيشها البعض. فبدلاً من مواجهة تحديات العصر والانخراط في بناء أوطانهم الحقيقية، يلجأون إلى أوهام طوباوية لن تزيدهم إلا بؤساً وعزلة أو لعلها مشروع احتيال لجمع الأموال من المغفلين ثم الهروب الكبير.
فلنفترض جدلًا أنّ هذا المشروع – تحقق – فلن يكون سوى فقاعة سرعان ما تنفجر، تاركة وراءها خيبات أمل جديدة وأسئلة أكثر إلحاحاً. ولعلّ السؤال الأهم: متى سندرك أنّ بناء الأوطان يحتاج إلى أكثر من شعارات جوفاء وأحلام واهية بجزيرة ابستين وفق الشروط الصفوية؟