جيل الكنب: يريد مستقبلاً وهو عاجز أن يمد يده للريموت
جيل Z .. ما تعلم يمد يده للريموت! فكيف سيمدها لك!
كنت مع أحد الأصدقاء في ڤيا رياض. وبين الكنب الفاخر وأطباق المطاعم اللامعة، قال لي وهو يضحك بحرقة: عندي موظفين شباب حديثي التخرج. يطلبون الغداء من مطعم في نفس البرج. الواحد منهم يفتح التطبيق وينتظر المندوب يطلعه له بالمصعد. المطعم تحت رجوله، ومع ذلك كأنها رحلة للصمان، أما الدرج فعندهم قطعة متحف روماني لا تُلمس. ضحكنا قليلًا، ثم سكتنا؛ لأن الضحك لم يعد يكفي، كنا نصف جيلًا كاملًا. ثمة ما يثير القلق. التطبيقات في الأصل هدية للبشرية، ولا شك أن قيمتها كبيرة، بيد أن جيل الكنب حولها إلى عكاز دائم. من الواضح أن المشي عشر خطوات صار بطولة. في المكاتب ترى المشهد يوميًا. شباب أصحاء يتصرفون وكأن النزول للمطعم عقوبة جسدية. إذا أردنا الحقيقة، فهذا جيل اختصر كل عضلاته في إبهام متضخم يقود حياته كلها. حسبما أرى، الصورة لا تتوقف عند المكاتب. يكفي أن ترى مشهدًا منزليًا: شاب ينادي أخاه الأصغر من آخر البيت فقط ليرفع له المخدة، أو يطلب من الخادمة أن تجيب له الجوال من الطاولة وهو يراه أمامه، وأخته تجلس بكل فخر وتقول إنها لم تدخل مطبخًا يومًا، حتى علبة الموية تصرخ تأمر الخادمة تجيبه لها. أو شاب يصر أن يطلب آيسكريم عبر التطبيق مع أن البقالة تحت العمارة. أو ذلك المشهد العبثي: شاب في الرياض يطلب "أوبر" من البيت للمسجد لصلاة الجمعة… المسجد في نفس الشارع! هذه ليست طرائف فردية، هذه ثقافة متجذرة وواقع نراه. من الواضح أن المصيبة ليست جسدية فقط. جيل الكنب لا يريد أن يفكر بعمق ولا أن يبادر. يريد ملخصات جاهزة، قرارات جاهزة، وحلولًا جاهزة… تمامًا كما يريد وجبات جاهزة. دعونا نعترف أن حتى عقولهم صارت على نظام التوصيل. المفارقة مخزية قبل أن تكون مضحكة. أجدادنا شقوا الصحاري بخيل وجمال، وأحفادهم يلهثون من فكرة النزول للدور الأرضي. الأمة التي عُرفت بـ"أمة الصحراء" تحوّلت، ببساطة ومرارة، إلى "أمة الكنبات الفاخرة". إذا أردنا المقارنة، في لندن أو باريس، رغم وفرة التوصيل، الناس يمشون بلا تردد. عندنا؟ حتى قهوة ستاربكس تحت البرج تحتاج مندوب، وكأن شراءها عملية جراحية معقدة. يكفي أن نرصد السلوك الاجتماعي لنفهم الكارثة. فالمشكلة لا تقف عند الكسل، الأدهى أن هذا الجيل يفاخر بعجزه. أحدهم يتباهى: "ما عمري طبخت" وكأنه حصل على وسام. آخر يزهو: "ما أتحرك من مكتبي، كله يجي لعندي" وكأنه بطل قومي. يكفي أن نتذكر أن حتى القطط تتحرك لتأكل… إلا أنتم. لو كنت ناصحًا لأحد بتطبيقات تكسر الدنيا، وتدخله لنادي المليونيرات، فهذه بعض الأفكار المجانية وأجري على الله: تطبيق "عزاء أونلاين": يحضر المأتم عنك ويعزي بالنيابة، ثم يرسل رابط: تمت المواساة بنجاح. وتطبيق "برّ الوالدين بلس": ينسخ صوتك بحذافيره، ويتصل على أبوك وأمك كأنه أنت، يطمن عليهم ويختم المكالمة بـ: لا تشيلون هم يا يمه، أنا بخير. وتطبيق "رياضي أونلاين": يمشي عنك 20 ألف خطوة يوميًا، ويرسل لك تقرير: صحتك ممتازة. أما المفاجأة فستكون تطبيق "عُمرة ديلفري": يعتمر عنك وأنت جالس على الكنبة، ويعطيك إشعار: الأجر أُضيف لحسابك بإذن الله… مع باقة بريميوم: 10% زيادة مقابل خشوع أعمق وبكاء حقيقي عند الملتزم. ولنتذكر عن من نتكلم: أمة صنعت تاريخها بفرسان يمزقون الأرض بخيولهم. صارت تصنع حاضرها بجيل ينادي الخادمة لتأتيه بالريموت. متى سنكف عن خداع أنفسنا ونصدق أن هذا الكسل هو رفاهية؟ وأخيرًا، رسالة لكل أب وأم: إذا ابنكم ينادي الخدامة تجيب له الريموت اللي قدامه، لا تلومونه اذا كبر ونساكم في دار المسنين. هو ما تعلم يمد يده لريموت، كيف بيمد يده لكم؟
4 دقيقة قراءة
الكاتب
اينشتاين السعودي
@SaudiEinestine
مشاركة المقالة عبر
Leaving اينشتاين السعوديYour about to visit the following urlInvalid URL