20 سبتمبر 2025

حزب الله من المقاومة إلى غرفة الإنعاش ‏ميليشيا بلا كهرباء تفاوض دولًا نووية بين غبار الضاحية وأنوار الرياض

‏في بلد لا يملك كهرباء لتشغيل ثلاجة، يخرج نعيم قاسم يطلب من السعودية “فتح صفحة جديدة”.
‏تخيّلوا المشهد: تنظيم مسلح غارق في أزماته، يمد يده لدولة تبني تحالفًا نوويًا مع باكستان.
‏نملة تقترح على الأسد أن يتقاسما الصيد.
‏لكن السؤال: هل خطاب قاسم تحوّل استراتيجي أم صرخة استغاثة؟
‏قد يبدو براغماتيًا، لكنه في جوهره اعتراف ضمني بأن استراتيجية المواجهة المباشرة انهارت، وأن الحزب يبحث عن مخرج بعدما فقد القدرة على المناورة التي تمتع بها لعقود.
‏الحزب لم يعد مقاومة بل مريضًا طريح سرير العناية المركزة.
‏نصر الله وكبار القيادات  اغتيلوا في بيروت، هجمات البياجر قضت على الصف الثاني، هذه الاغتيالات، مع الضربات المتواصلة المؤلمة، نزفت الحزب حتى العظم.
‏المفارقة صارخة. الحزب الذي شتم الرياض عقدين يطلب شراكتها اليوم.
‏يقول: “سلاحنا ضد إسرائيل فقط”.
‏لكن ذاكرة اللبنانيين مثقلة بالقصير والغوطة، حيث تورّط الحزب في معارك دامية لم تمنع سقوط النظام الذي قاتل لأجله.
‏الخارج يزيد المشهد قسوة.
‏إسرائيل قصفت الدوحة بلا حساب.
‏السعودية ردّت بتوقيع اتفاقية دفاعية مع باكستان في سبتمبر 2025.
‏اتفاقية لا تذكر النووي صراحة، لكن باكستان تملك 170 رأسًا نوويًا. رسالة واضحة: الرياض اليوم تفاوض من موقع ردع استراتيجي.
‏وقبلها جاءت الطعنة من دمشق.
‏الأسد الذي كان ذراعًا لإيران انتهى لاجئًا في موسكو.
‏وعلى أنقاضه جلس أحمد الشرع، السني المنتصر القادم من أدلب، رئيسًا لسوريا بدعم سعودي واضح وعلني.
‏ترامب أعلن من الرياض رفع العقوبات عن دمشق بناءً على طلب الأمير محمد بن سلمان.
‏دمشق، التي كانت جسر السلاح الإيراني، صارت بوابة الرياض.
‏وبسقوطها، انقطع الشريان البري الذي ربط طهران بالضاحية.
‏ولم تكن طهران نفسها بمنأى عن الوهن.
‏فحرب يونيو 2025 مع إسرائيل استنزفتها، دمّرت مواقعها النووية، وجعلتها تلهث لإعادة البناء بدل تمويل حلفائها.
‏اليوم، حزب الله يعتمد على سلاح منهك وحليف أضعف منه.
‏أما الداخل اللبناني، فلم يعد ساكنًا.
‏انتُخب جوزيف عون رئيسًا في يناير 2025. وفي سبتمبر أقرّت حكومته خطة يقودها الجيش لنزع السلاح غير الشرعي قبل نهاية العام.
‏خطة بخمس مراحل: تبدأ من الجنوب وتنتهي بالضاحية والبقاع.
‏ليست شعارات، بل قرارات رسمية، استغلت لحظة ضعف الحزب لفرض سيادة الدولة.
‏والضغط الشعبي يتزايد أيضًا.
‏المطالب لم تعد شعارات بل صرخة من رحم الأزمات: كهرباء لا قذائف، دولة لا دويلة، خبز لا خطب.
‏الناس يعيشون تحت انهيار الليرة، أموالهم محتجزة في المصارف، والمرفأ المدمر منذ 2020 ما زال شاهدًا على دولة عاجزة وميليشيا أثقلتها الحروب.
‏حتى قاعدته الشيعية بدأت تتململ بعد النزوح والدمار.
‏وهنا يظهر الفارق بين الأمس واليوم.
‏حسن نصر الله كان يصرخ من موقع قوة، متهمًا السعودية بكل قبيح.
‏أما نعيم قاسم، فيدعو إلى “تجميد الخلافات” بصوت خافت ذليل.
‏ولم يقتصر الطوق على الداخل والإقليم، بل شمل الغرب أيضًا.
‏فبعد لقاء ترامب–الشرع، تبنّت واشنطن دمشق الجديدة كبديل سياسي.
‏أما في الرياض، فسيقرأ خطاب قاسم كاعتراف متأخر بالعجز.
‏وفي تل أبيب، لن يُقرأ كتهديد، بل كدليل على أن الحزب وصل إلى حدود استنزافه القصوى.
‏التاريخ لا يرحم، لكنه يمنح أحيانًا فرصة جديدة.
‏كما أنقذت السعودية الكويت عام 1990 حين حشدت العرب والعالم لردع الغزو، تقف اليوم أمام مشهد مشابه: مواجهة الميليشيات لا لتبتلع لبنان، بل لتحميه من أن يصبح رهينة لإيران أو فريسة لإسرائيل.
‏أما أنا، الغريب عن لبنان، فأرى المشهد بلا أقنعة.
‏بلد يملك أجمل شواطئ المتوسط، ولا يملك كهرباء لتبريد سمكة.
‏بلد يتحدث قادته عن “تحرير القدس”، بينما أمهات ينتظرن في طوابير الخبز، يحملن أرغفة محترقة بيد وأطفالًا جائعين باليد الأخرى.
‏هذه ليست مقاومة. هذه مهزلة على جثث الناس.
‏وهكذا نعود للبداية.
‏تنظيم محاصر يفاوض دولًا.
‏رئيسه يخطط لنزع سلاحه.
‏وطوائفه تصرخ طلبًا لحياة طبيعية.
‏بين غبار الضاحية وأنوار الرياض النووية، الفرق صار واضحًا:
‏من يعيش على رماد الماضي، ومن يكتب التاريخ بالحبر الاستراتيجي.
‏إن مضت خطة نزع السلاح حتى نهايتها، فلن يكون السؤال: هل يحتفظ الحزب بسلاحه؟ بل هل يحتفظ بوجوده السياسي ذاته.
‏والقرار الأخير، في نهاية المطاف، لن يُحسم في موسكو أو طهران أو الرياض وحدها، بل في بيروت، حيث يختار اللبنانيون بين دولة ودويلة.

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي