ذاك أنّ المشهد بات يشبه مسرحية سوريالية: فتاة سعودية تحمل كأس بطولة دولية بتقنيات متقدمة، وذباب إلكتروني يلسعها لأنّها غطّت وجهها!
والحقّ أنّ في هذا المهزلة ما يفوق قدرة العقل على الاستيعاب. فلو حاولت أن تشرح للمتنبي أو ابن خلدون كيف أنّ طالبة تفوّقت على 200 فريق من 16 دولة في علوم المستقبل، لكنّ الناس تجاهلوا عبقريتها وتشاجروا حول غطاء وجهها، لعدّوك مخبولاً!
أغلب الظنّ أنّنا أمام "فخّ الخسارة المسبقة". هؤلاء الفاشلون لن يرضوا عن السعودية أبداً:
لو ظهرت بنقاب، قالوا: متخلّفة.
لو ظهرت بغطاء وجه، قالوا: متشدّدة.
لو ظهرت بحجاب، قالوا: مقموعة.
لو ظهرت بلا حجاب، قالوا: متبرّجة.
لو فازت، قالوا: استثناء.
لو خسرت، قالوا: قاعدة.
إنّها معادلة عبثية أشبه بنزال مصارعة حيث الحكم والخصم والجمهور شخص واحد!
والطريف أنّ 90% من هذا الذباب المسعور يطنّ من خارج السعودية! حساباتٌ وهمية ومأجورة، قذرة كبقايا الطعام في مراحيض المطاعم المهجورة، تديرها دول معادية ومنظمات مشبوهة.
مَن تتوقع أن يكون وراء هذا الهجوم على فتاة فائزة بمسابقة علمية لمجرّد تغطية وجهها؟ إنّها "إمبراطورية الكراهية" ذاتها، التي يؤرقها ويفزعها مشهد دولة عربية إسلامية تنهض وتتقدّم وتبني.
هم لا يهاجمون غطاء الوجه بقدر ما يهاجمون ما خلفه: عقول سعودية نابغة!
لقد كان بإمكانهم، وفق تقاليد الرياضة والمنافسة، الاحتفاء بالنصر العلمي؛ أن يرفعوا قبّعاتهم (إن كانت لهم قبّعات!) للذكاء السعودي. لكنّ الحسد المُقيح والعداء المريض حوّلهم إلى كائنات أشبه بكلاب البحر: لا ترى إلاّ الدم ولو كان من جرح بجسدها!
والمضحك المبكي أنّ السعودية قدّمت نموذجاً فريداً في حرية الاختيار. أيّ امرأة سعودية يمكنها اليوم أن تختار ما تلبس، في إطار الاحتشام العام. وهذا تحديداً ما يستفزّهم: كيف لبلد عربي أن يجد نموذجه الخاص للتقدّم، بدلاً من استيراد النماذج الغربية كالببغاوات الهرمة؟
لقد تفوّقت السعودية مرّتين: مرّة حين أطلقت حرية المرأة في الاختيار ضمن حدود تنوع المذاهب والفتاوى التي كلها تختلف ولكنها واقعًا تلتزم بمفهوم الاحتشام، ومرّة حين خرّجت عقولاً تتفوّق علمياً. وفي كلتا الحالتين، بدا خصومها كالقزم الذي يحاول طعن عملاق بإبرة صدئة!
أما أدعياء الحرية هؤلاء، الذين يزعقون ضدّ غطاء وجه اختارته فتاة بإرادتها، فهم يشبهون تماماً رجال دين متشدّدين يفرضون النقاب ويكفرون من لاترتديه! كلاهما يريد مصادرة جسد المرأة لصالح أيديولوجيته الفاسدة.
وهم، على كلّ حال، لا يدافعون عن المرأة، بل يصنعون منها سلّماً للصعود السياسي والإعلامي. يستخدمونها كرمز، لا كإنسان.
تماماً كالقوّاد الذي يتاجر في جسد فتاة، ثمّ يدّعي أنّه يدافع عن "حقوقها"!
والغريب أنّ هؤلاء أنفسهم يصمتون صمت القبور عن انتهاكات حقوق النساء في دول أخرى. أين بكاؤهم على محجّبات فرنسا المطرودات من المدارس؟ أين احتجاجاتهم على قمع النساء في إيران وأفغانستان؟
لا صوت لهم. لا كلمة. لا موقف.
لأنّ الهدف ليس المرأة، بل السعودية. ليس الحرية، بل التشويه. ليس الحقوق، بل الكراهية.
وفي لحظة انكشاف كهذه، يتبدّى مشهد كاريكاتوري: مخلوقات هزيلة تطنّ حول نمر ضخم، تحاول أن تزعجه، فيما هو ماضٍ في طريقه.
إنّ السعودية اليوم كطائر الرخّ الأسطوري: تحلّق فوق جبال التقدّم، والذباب يحاول اللسع.
لكنْ، وكما قال المتنبي، "وإذا أتتك مذمّتي من ناقص... فهي الشهادة لي بأنّي كامل".
أمّا الذباب الإلكتروني المأجور، فمصيره معروف منذ الأزل: الفناء والزوال. سيبقى ينعق فترة ثم يتلاشى، فيما تبقى إنجازات الفتاة السعودية وأخواتها شاهدة على عصر سعودي جديد. لا تعيقه العباءات، ولا تقيّده الأقمشة، ولا توقفه حملات التشكيك.