07 أغسطس 2024

روسيا والغرب: تكرار أخطاء التاريخ في القرن الحادي والعشرين

 وقفت أمام الساحة الحمراء في موسكو مساءً، أتأمل الحشود المتدفقة من المواطنين الروس. كانوا يحملون لافتات وأعلاماً، ويهتفون بشعارات وطنية. هذا المشهد لم يكن احتفالاً عادياً، بل كان تعبيراً عن موجة قومية متصاعدة تجتاح روسيا اليوم، في صورة تذكرنا بشكل مقلق بألمانيا في عشرينيات القرن الماضي.
 
 لقد شهدت الانتخابات الروسية الأخيرة تأييداً ساحقاً للخطاب القومي. في لقاء مع مسؤول روسي رفيع المستوى، قال لي بنبرة حازمة: "لقد تعلمنا من التاريخ. لن نسمح بإذلال روسيا كما أُذلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى."
 
 هذه الكلمات تعكس شعوراً عميقاً بالمرارة تجاه ما يُنظر إليه على أنه محاولات غربية لإضعاف روسيا.  خلال زيارتي لمعهد الدراسات الاستراتيجية في موسكو يوم أمس، أوضح لي أحد الباحثين: "منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، شهدنا توسعاً مستمراً لحلف الناتو نحو حدودنا. هذا ليس مجرد تهديد عسكري، بل هو إذلال لأمة عظيمة."
 
 في الشوارع الروسية، يتردد صدى هذا الشعور. قال لي أحد الباحثين في المركز: في استطلاع حديث تبين أن 89% من الروس يعتقدون أن الغرب يسعى لتدمير روسيا، وأكد قائلًا: استطلاعات مركز ليفادا أشارت أن نسبة تأييد بوتين بلغت 86% في فبراير 2023. هذا الرقم المرتفع يعكس نجاح الدعاية الحكومية في توحيد الشعب تحت راية القومية.
 "الغرب لم يتعلم من نابليون وهتلر أن روسيا مقبرتهم،" هكذا صرح لي أحد الباحثين الشباب، مردداً عبارة نسبها لترامب. هذه العبارة، التي أصبحت شعاراً شائعاً، تعكس الاعتقاد السائد بأن روسيا قادرة دائماً على هزيمة أعدائها، مهما كانت قوتهم.
 الحرب في أوكرانيا، من المنظور الروسي، ليست مجرد صراع إقليمي، بل هي معركة وجودية ضد الهيمنة الغربية. في مقابلة مع ضابط عسكري روسي في ذات المعهد، قال لي: "نحن نقاتل اليوم لمنع تكرار ما حدث في التسعينيات. لن نسمح بتفكيك روسيا كما فُكك الاتحاد السوفيتي." هذا الخطاب القومي المتصاعد يغذيه أيضاً الشعور بالحصار الاقتصادي. العقوبات الغربية، التي كان يُفترض أن تضعف روسيا، بدت وكأنها تعزز الشعور بالوحدة الوطنية. في زيارة لمصنع في ضواحي موسكو، أخبرني أحد العمال: "كلما زادوا الضغط علينا، زاد إصرارنا على الصمود. نحن نبني اقتصاداً مستقلاً الآن."
 لكن هذا الصعود القومي يأتي بتكلفة. ناشط صحفي روسي قال لي بحذر: "إن قمع المعارضة وتقييد الحريات يتزايد يوماً بعد يوم. نحن نشهد عودة إلى أيام الرقابة السوفيتية."
 في النهاية، تجد روسيا نفسها في موقف يشبه بشكل مقلق موقف ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. الشعور بالإذلال والحصار يغذي نزعة قومية متطرفة، تهدد بدفع البلاد نحو مسار خطير. السؤال الملح الآن هو: هل سيتمكن الغرب وروسيا من كسر هذه الحلقة المفرغة من سوء الفهم والعداء المتبادل؟ أم أننا نشهد بداية حرب باردة جديدة، قد تكون أكثر خطورة من سابقتها؟

 خلال رحلة العودة إلى الفندق، تذكرت كلمات المؤرخ الروسي فاسيلي كلوتشيفسكي: "التاريخ لا يُعلم أحدًا، بل يُعاقب من لا يتعلم من دروسه".
 اليوم، يبدو أن كلا من روسيا والغرب يقفان على حافة ارتكاب أخطاء الماضي نفسها، في مشهد قد تكون عواقبه وخيمة على العالم بأسره.

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤