22 أغسطس 2024

ساعة الرمل العالمية: سباق مع الزمن.. قبل حرب البشر الأخيرة

 في صيف 2024، يقف العالم على شفا كارثة. ليست هذه مجرد أزمة عابرة، بل لحظة تاريخية فاصلة تذكرنا بالأيام المشؤومة التي سبقت الحربين العالميتين. لكن هذه المرة، الأزمات تتشابك كخيوط نسيج معقد، تهدد بتمزيق النظام العالمي الذي عرفناه منذ نهاية الحرب الباردة.
 
 تخيلوا العالم كلوحة فسيفساء هائلة، كل قطعة فيها أزمة متفجرة. وفي مركز هذه اللوحة، تقف أوكرانيا كحجر الزاوية الذي يهدد بإسقاط البناء بأكمله.
 
 دعونا نبدأ من أوكرانيا، حيث كتب الفصل الأحدث في هذه الملحمة المعاصرة. في 6 أغسطس 2024، اجتاحت القوات الأوكرانية الحدود الروسية، متوغلة عشرات الكيلومترات داخل منطقة كورسك. هذا التطور المذهل ليس مجرد انتصار عسكري؛ إنه زلزال جيوسياسي يهز أسس النظام العالمي.
 تخيلوا للحظة ردة فعل بوتين وهو يستيقظ على أخبار القوات الأوكرانية وهي تجوب شوارع القرى الروسية. هل سيشعر بما شعر به هتلر عندما اجتاحت القوات السوفيتية برلين؟ أم سيستحضر روح ستالين في ستالينغراد، مصمماً على تحويل الهزيمة إلى نصر مهما كلف الثمن؟
 
 الخطر الحقيقي هنا ليس في التوغل الأوكراني بحد ذاته، بل في رد الفعل الروسي المحتمل. كما قال لي دبلوماسي روسي سابق مؤخراً: "عندما يُحاصَر الدب الروسي، فإنه لا يستسلم؛ بل يصبح أكثر شراسة". هل نحن على وشك رؤية هذه الشراسة تتجلى في شكل رؤوس نووية تكتيكية؟
 
 والسؤال الهام هل ماتتعرض له روسيا الآن من إذلال يذكرنا بما تعرضت له المانيا بعد الحرب العالمية الأولى؟
 
 لننتقل الآن إلى مضيق تايوان، حيث تتصاعد الأحداث بوتيرة مقلقة. الصين، التي طالما اعتبرت تايوان "المقاطعة المتمردة"، تكثف مناوراتها العسكرية في أكبر استعراض للقوة منذ عقود. هذه ليست مجرد تدريبات روتينية؛ إنها رسالة واضحة للعالم: الصين مستعدة لاستعادة ما تعتبره أرضها بالقوة إذا لزم الأمر.
 الولايات المتحدة، من جانبها، تعزز وجودها العسكري في المنطقة بشكل غير مسبوق منذ حرب فيتنام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل الردع العسكري التقليدي لا يزال فعالاً في عصر الحروب الهجينة والاقتصادات المترابطة؟
 
 وفي الشرق الأوسط، نشهد مشهداً يبدو وكأنه مزيج من أزمة الصواريخ الكوبية وحرب الأيام الستة. إيران تقترب من عتبة القدرة النووية، في حين تقف إسرائيل على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربة استباقية. هذا الوضع المتفجر ازداد تعقيداً مع اغتيال إسماعيل هنية في طهران.
 
 رد إيران على قصف قنصليتها ومن ثم اغتيال هنيه بين أحضانها كان بمثابة تغيير جذري في قواعد الاشتباك. الهجوم المباشر السابق على إسرائيل باستخدام طائرات مسيرة، رغم محدودية تأثيره العسكري، يمثل تحولاً استراتيجياً في الصراع. فهل تجاوزنا نقطة اللاعودة، والمواجهة المباشرة أصبحت حتمية؟
 
 إضافة إلى ذلك، تصعيد الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر، وهجماتهم الرمزية على إسرائيل، يضيف بعداً جديداً للأزمة. هذه الهجمات ليست مجرد عمليات عسكرية؛ إنها تهديد مباشر لشريان التجارة العالمية.
 
 وسط هذه الفوضى، يبرز عامل جديد لم يكن موجوداً في الصراعات السابقة: الترابط الاقتصادي العالمي المعقد. مجموعة البريكس، التي تضم الآن قوى صاعدة مثل الهند والبرازيل، تتحدى هيمنة الدولار الأمريكي. هذا التحدي ليس مجرد منافسة اقتصادية؛ إنه إعادة تشكيل للنظام العالمي بأكمله.
 
 لكن هل سيكون هذا الترابط الاقتصادي درعاً واقياً ضد الحرب؟ التاريخ يعلمنا أن الاعتماد المتبادل ليس ضماناً للسلام. في نقاش مع صديق قال لي: "قبل الحرب العالمية الأولى، كانت أوروبا في ذروة العولمة الاقتصادية. لكن ذلك لم يمنع الكارثة".
 
 في خضم هذه الأزمات، يبرز عنصر جديد يغير قواعد اللعبة: الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة في المجال العسكري واستخدامات الدرونز والحرب الإلكترونية. هذه التكنولوجيا لا تغير فقط كيفية خوض الحروب، بل تثير أيضاً أسئلة أخلاقية عميقة.
 
 ولا ننسى أيضًا تصاعد الخطاب اليميني في غالب دول العالم!
 
 وسط هذا المشهد القاتم، نرى محاولات دبلوماسية خجولة لنزع فتيل الأزمة. لكن هذه الجهود تبدو وكأنها محاولة لإطفاء حريق هائل بكوب من الماء. فنحن؛ نحاول حل مشاكل القرن الحادي والعشرين بأدوات القرن العشرين.
 
 كما قال لي مرة أحد الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية الامريكية : "في السياسة الدولية، الحكمة لا تكمن في تجنب الأخطاء، بل في عدم تكرار نفس الخطأ مرتين". اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى هذه الحكمة.
 الوقت يمر، والتاريخ ينتظر. هل سنكون على قدر التحدي، أم سنترك للأجيال القادمة عالماً أكثر خطورة مما ورثناه؟ الإجابة، كما يقولون، تكمن في أيدينا. لكن الوقت، للأسف، ليس في صالحنا.

6 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤