ما يجري في فضائنا الإعلامي الخليجي ليس مجرد سجال عابر، بل يرقى إلى ظاهرة تستدعي الوقوف أمامها بحزم. ذاك أنّ وسيم يوسف، هذا الخفاش المتلبس بعباءة المشيخة، قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في تطاوله السافر على
@abdulrahman صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد، القامة الثقافية والاجتماعية السعودية المرموقة.
والحال أنّ ما نشهده يشبه مسرحية سوداء: قزم فكري متورم بالغرور يتطاول على الجبال الراسخات. فكيف تحوّل هذا الخفّاش الذي لا يرى إلا في ظلمة الفتنة إلى "داعية" يسمح له بنفث سمومه ضد السعودية ورموزها؟
لنضع الأمر في سياقه المثير للاستغراب: فلسطيني يتبرأ من أصوله كمن يهرب من ظله، أردني-فلسطيني سابق، إماراتي لاحق، ينصب نفسه قاضياً على العلاقات الخليجية-الخليجية. أليس غريباً أن يتحول هذا الغراب الذي استعار ريش الطاووس إلى بوق إعلامي مسموع؟
إنّ السيرة الذاتية لهذا المتمشيخ تشبه مناطق الوحل في يوم ماطر: خريج سجون إماراتية، مبعد عن إمامة المساجد في الإمارات ذاتها، متصهين بدرجة تجعله كبائع متجوّل في سوق التطبيع، حتى ليخال المرء أنه يحمل في جيبه جوازاً إسرائيلياً إلى جانب جوازاته المتعددة. وفوق هذا كله، نراه يصب الزيت على نار الفتنة بين السعوديين والمصريين على طريقة "إياك أعني واسمعي يا جارة"، وكأنه جرذ يقضم بهدوء أسس العلاقات الأخوية في المنطقة.
ولنتذكّر أنّ بدايات هذا المتمشيخ كانت من بوابة "تفسير الأحلام"، هذا الباب الذي أدرك أنه مدخله الأسهل للولوج إلى عقول البسطاء. فبات يرمي شباكه في بحر اللاوعي الديني ليصطاد أسماك الشهرة الزائفة، مستغلاً هشاشة العوام وتعلّقهم بمن يحدثهم بالدين؛ دون تفريق بين مشايخ الحق وأمثال هذا الرويبضة المأفون. هذا الصنّاج الذي يطرق على طبل مثقوب، تقرّب من أصحاب النفوذ بتمييع الخطاب الديني كتاجر الأقمشة المغشوشة، ينتقي ما يوافق أهواء مستمعيه ويلبس لكل حالة لبوساً.
ومن سخرية القدر أن يدّعي هذا البهلوان الإصابة بالسرطان، فيرتدي ثوب المرض استدراراً للعطف، وكأنه نعامة تدفن رأسها في الرمال هرباً من حقيقتها المفضوحة. لكن؛ كل مطرود ملحوق، كما يقول المثل، فلا يمكن لهذا الثعلب أن يخفي ذيله مهما أتقن التمويه.
والسؤال المُلحّ الذي بات يطرح نفسه بإلحاح: من هي الشخصيات النافذة التي تقف وراء هذا الكلب المسعور؟ أي أيدٍ خفية تطلقه من قفصه ليعوي ضد المملكة وعلمائها وأمرائها؟ وأي حسابات سياسية مريضة تدفع بهذا المهرّج إلى مقدمة المشهد ليكون رأس حربة في حرب إعلامية خفية؟ إنّ الأسئلة تتوالد، لكنّ الإجابات تبقى معلّقة كالسيوف فوق رقاب العلاقات الخليجية البينية.
لقد كسر هذا المتسلق الفجّ قواعد اشتباك راسخة في العلاقات الخليجية البينية، فبدا وكأنه نمل يحاول تسلق جذع النخلة الشامخة متخيلًا أنه سيسقطها. هذا التحول الخطير في قواعد اللعبة يفتح الباب لما هو أشد خطورة: إذا كان يُسمح لصانع دمى في مسرح العرائس أن يتطاول على شخصية بوزن الأمير عبدالرحمن، فما الذي سيُمنع بعد اليوم؟
إنّنا نقف اليوم على حافة هاوية خطرة تنذر بعودة الفتنة بين السعودية والإمارات بصورة أشدّ ضراوة من سابقتها.
ذاك أنّ هذا المتمشيخ، بسلوكه المريب، يبدو كعنز الفتنة التي تثغو عالياً في انتظار تيوس الفرقة أن تنزو عليها. والخطر كامن في أنّ الشخصيات التي تدعم هذا الكلب المسعور وتوجهه إنما تلعب بالنار في مستودع بارود، فقد بلغ السيل الزبى، ولن تُجدي بعد اليوم أي وساطة أو مبادرة في إصلاح ما أفسدته مثل هذه التصرفات الرعناء.
ليدرك داعمو هذا المهرّج أنهم يغيّرون قواعد الاشتباك بشكل خطير، مراهنين على أحجار في رقعة شطرنج قد تنقلب عليهم في أي لحظة. فالعلاقات بين الدول ليست لعبة هواة، والشعوب ليست قطعاناً تُساق خلف نباح كلب متلبّس بلبوس الوعظ والإرشاد.
إنّ رائحة الحريق تسبق ألسنة اللهب، وما يفعله هذا الدجّال الصغير ليس سوى إشعال عود ثقاب في مستودع للبارود. فهل سينتظر العقلاء في البلدين الشقيقين حتى يتحوّل الخليج إلى ساحة حرب إعلامية مفتوحة تصب في خدمة أعدائه؟ أم أنّهم سيكتشفون، قبل فوات الأوان، أنّ هذا الكلب المسعور إنّما ينهش بأنيابه السامة نسيج العلاقات الأخوية التي ظلت صامدة رغم كل المحن؟
الحقيقة المرّة أنّ وسيم يوسف ليس سوى عرّاب صغير في لعبة كبيرة. وإذا ما أُجهضت هذه الفتنة في مهدها، فإنّ مشعلها سيذهب إلى مزبلة التاريخ ككلب نباح أُعيد إلى قفصه بعد أن أحدث ما يكفي من الفوضى. أمّا إذا استمرّت نيران كراهيته في الاشتعال، فسوف يحاسبنا التاريخ بقسوة: كيف سمحنا لعنز المنابر أن يعبث بأمن المنطقة واستقرارها، وكيف تركنا أشباه المشايخ يزرعون ألغام الكراهية في طريق الوحدة الخليجية؟