27 أغسطس 2025

فريق فالكون السعودي يحول بوليفارد الرياض إلى هوليوود جديدة

 من ميلروز إلى بوليفارد الرياض: حين يصفق لوس أنجلِس لفالكون
قبل أيام جلست في مقهى على شارع ميلروز في لوس أنجلِس. شاشة عملاقة تنقل بثًا من بوليفارد رياض سيتي. أب أمريكي يشرح لابنه بحماس: “الفريق السعودي فاز”. ثمة مشهد غريب: قبل سنوات كان أب سعودي يعرّف ابنه على هوليوود، واليوم أب أمريكي يعرّف ابنه على الرياض.
لا شك أن نسخة 2025 من كأس العالم للرياضات الإلكترونية لم تكن مجرد بطولة. سبعة أسابيع كاملة، أكثر من ألفي لاعب من مئة دولة، وجوائز تجاوزت السبعين مليون دولار. بيد أن اللحظة الأبرز كانت حين حضر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الحفل الختامي، وسلّم السيف الذهبي لفريق فالكون بعد فوزه للعام الثاني. لحظة واحدة جعلت جمهور المقهى الأمريكي يصفق، وجعلتني أتذكر كيف كان العرب يصفقون للشعراء في سوق عكاظ.
المفارقة أن بطولة إلكترونية واحدة حققت للسعودية سمعة عالمية تفوق ما تدفعه وزارة السياحة في حملاتها بمليارات الدولارات. يكفي أن ترى كيف تحولت الرياض إلى مادة يومية في مقاهي لوس أنجلِس لتدرك أن الدعاية التي يصنعها الشباب بالشاشات أقوى من أي إعلان مدفوع.
حسبما أرى، إدخال الشطرنج لم يكن عفويًا. اللعبة التي عرفها العرب منذ قرون دخلت وسط كرنفال الأضواء. في المقهى الأمريكي كان رجل يشرح لابنه ما يسمى بافتتاحية الملكة: نقلة يبدأ فيها اللاعب بدفع بيدق الملكة خطوتين إلى الأمام ليفتح الطريق أمام الوزير والفيل. لعبة الصمت القديمة صارت ضيفًا في بطولة الشاشات.
لكن من الواضح أن التفوق لم يكن في الجوائز فقط، بل في صناعة الحكاية. IMG جعلت البث سردًا متكاملًا: كواليس، موسيقى من التراث، مقاطع من سوق الزل وشارع التحلية. فجأة صار الأمريكي يعرف عن بوليفارد الرياض أكثر مما يعرف عن بعض أحياء مدينته.
في سوق المعيقلية قبل أشهر، رأيت طفلًا يشرح لجده لعبة على الهاتف. الجد يضحك: “زماننا كنا نلعب الكيرم”. يرد الحفيد: “وأنا ألعب مع أولاد من اليابان وأمريكا”. كما لا يخفى عليكم، هذا الحوار البسيط يختصر التحول كله: من لعبة في مجلس شعبي إلى بطولة عالمية في بوليفارد.
وفي المعيقلية أيضًا ترى طفلًا آخر يحلم أن يكون لاعبًا عالميًا، بينما جدّه ما زال يراه “يضيع وقته”. المفارقة أن 67% من السعوديين اليوم لاعبون، لكننا نتعامل مع الألعاب كأنها نزوة عابرة. إذا أردنا الحقيقة، مشكلتنا ليست في غياب البطولات، بل في غياب لعبة تروي قصتنا. اليابان صنعت ألعابًا تحكي شوارع طوكيو، وكوريا بنت موسيقاها على قراها، أما نحن فما زلنا نلعب قصص الآخرين.
بيد أن الجدل لم يغب. أحد الحاضرين في المقهى قال ساخرًا: “هذا مجرد استعراض للثروة”. عندها خطر لي أن اليابان صنعت ألعابها بعد الحرب، وكوريا باعت موسيقاها، ونحن لم نكتفِ باستضافة بطولة، بل صنعنا بطولة جعلت الآخرين يهرولون إليها. إذا أردنا الحقيقة، الصراع لم يعد على النفط ولا الغاز، بل على انتباه الشباب. الدولة التي تكسب عيونهم وقلوبهم ستقود المستقبل.
في الخمسينات قاوم الآباء دخول التلفزيون. اليوم الألعاب الإلكترونية هي تلفزيون هذا الجيل. من الواضح أن الرياض تحاول أن تكون “هوليوود” هذه الصناعة.
في النهاية، قد نكتشف أن أسرع طريقة لغزو هوليوود ليست عبر الأفلام ولا عبر النجوم، بل عبر لاعب سعودي يضغط زر “Start Game” في بوليفارد الرياض. والمفارقة أن بعض الأمريكيين ما زالوا يظنون الرياض مدينة في ولاية تكساس، ومع ذلك يصفقون لفريقها (فالكون) كأنهم يشجعون دالاس كاوبويز. والسؤال يبقى: هل سنبقى نكتفي بتصفيق الآخرين، أم نصنع لعبتنا الأولى عن صحرائنا وأسواقنا وأحيائنا، لعبة تجعل العالم يصفق لنا ونحن نروي قصتنا؟ 

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي