19 يوليو 2025

كامل الوزير في مصر: من الهندسة العسكرية إلى هندسة الكوارث

كامل الوزير في مصر كان زمان مهندس عسكري محترم، بقى دلوقتي مهندس كوارث محترف. كان ضابط في الجيش بيبني جسور للعبور، بقى وزير في الحكومة بيبني جسور للهروب. كان بيحفر أنفاق للنصر، بقى بيحفر قبور للضحايا. كان رجل المهام الصعبة يشتغل في صمت، بقى رجل التصريحات المضحكة يتكلم في صخب. كان زمان رمز للانضباط والكفاءة، بقى دلوقتي رمز للفوضى والفشل.
‏كان المهندس العسكري زمان فخر البلد كلها. كان بيتدرب سنين طويلة عشان يتعلم إزاي يبني حاجة تصمد قدام الزمن والظروف. كان بيدرس كل تفصيلة، ويحسب كل احتمال، عارف إن الخطأ في حساباته ممكن يكلف أرواح. كان عنده شرف العسكرية وكرامة المسؤولية.
‏كان الوزير زمان عنده ضمير حي. شوف وزير زي إبراهيم الدميري، لما حصلت كارثة قطار العياط سنة 2002، استقال فوراً من غير ما حد يطلب منه. شوف محمد رشاد المتيني بعد حادث منفلوط، وهشام عرفات بعد قطار محطة مصر. دول كانوا رجالة بمعنى الكلمة، بيفهموا إن المنصب أمانة مش غنيمة، وإن الدم لما يسيل، الحساب لازم يتم.
‏زمان، الوزير كان بيروح بيته لو مات مواطن واحد. دلوقتي، بيعمل مؤتمر صحفي، ويقول: "مش هسيبها لحد ما أموت". وكأن الكرسي بقى كفن، وكأن دم الناس بقى خلفية للمشهد الرسمي!
‏دلوقتي، كل ده اتقلب على وشه. كامل الوزير بقى نموذج للوزير اللي متشبث بالكرسي زي القطة بتتشبث بالسمكة. بقى بيقول بمنتهى الوقاحة: "مش هستقيل ومش هسيبها وأمشي... أنا فيها لحد ما أموت".
‏يعني إيه الكلام ده؟ يعني الوزارة بقت قبر؟ يعني الكرسي بقى تابوت؟ يعني الـ19 بنت اللي ماتوا في المنوفية يروحوا فداء كرسيك؟
‏شوف البنات دول كانوا رايحين فين. مش رايحين يتنزهوا في مارينا زي ولاد الذوات. كانوا رايحين مصنع يشتغلوا بإيديهم الصغيرة، عشان يجيبوا قرشين حلال يساعدوا بيهم أهاليهم الغلابة. 19 بنت في ريعان الشباب، كل واحدة كان عندها حلم بسيط: تساعد أمها المريضة، تجوز أخوها العاطل، تعلم أختها الصغيرة.
‏والنتيجة؟ 19 أم النهاردة بتبكي دم مش دموع. 19 أسرة بتسأل: "ليه بنتي؟" والوزير بيرد عليها بإيه؟ "هاتوا استشاري عالمي يراجع ورانا وأنا هدفع من جيبي".
‏يا سلام! يعني المشكلة في الاستشاري مش في الطريق اللي بيقتل؟
‏وقال كمان: "روحوا شوفوا الطريق في السعودية بيتكلف كام وإحنا بنكلفه كام". آه، يعني المشكلة في المقارنة مش في الموت؟ يعني لو طلعت بتصرف أقل من السعودية يبقى عادي الناس تموت؟
‏شوف السواق اللي واقف في موقف الميكروباص بيقول: "الوزير ده بيستهبل علينا ولا إيه؟ يعني محتاجين خبير من ناسا عشان نعرف إن الطرق بايظة؟" والبواب قال: "يعني لو إحنا أرخص يبقى عادي نموت؟ هو ده منطق وزير ولا تاجر خردة؟"
‏هي دي الكارثة: إن الوزير مش بس فاشل، ده كمان مستخف بعقول الناس. بيفتكر إن الشعب غبي وهيصدق أي تبرير. بيتعامل مع الموت كأنه إحصائية في جدول إكسيل. بيبرر الفشل بدل ما يعترف بيه. بقى بيدور على أعذار بدل ما يدور على حلول. بقى بيقارن نفسه بالآخرين بدل ما يحاسب نفسه على أخطائه.
‏والأدهى والأمر إن الراجل اخترع لنا كلمة جديدة في قاموس الفشل. قال: "رئيس شركة فرنسية قاللي: عندكم رئيس حوّل كلمة impossible إلى iPossible!" ونطقها "آي بوسِبل" وهو مبسوط!
‏يا نهار أبيض! لو فتحت القاموس مش هتلاقي "iPossible"، لكن هتلاقي تعريف جديد:
‏iPossible = لما الوزير يفشل ويقنعك إنه نجح!
‏هي مش كلمة، دي شهادة زور بلغة يفترض أنها إنجليزية، صادرة من وزير مايعرفش يفرّق بين "التنمية" و"الديكور الإعلامي".
‏شوف تركي آل الشيخ لما رد عليه: "لا تعليق... السعودية iPossible". الناس الذكية فهمت إنها صفعة دبلوماسية مهذبة. كأنه بيقوله: "روح اتعلم إنجليزي الأول، وبعدين تعالى قارن نفسك بينا!"
‏والنتيجة إن طلبة الثانوي بيكتبوا على الفيسبوك: "لو ده مستوى الإنجليزي بتاع الوزير، فاهمين ليه الطرق كلها accidents!" والأطفال في المدارس بقوا يقلدوه، لما يغلطوا يقولوا: "أنا iPossible يا أستاذ!"
‏بس الأسوأ من ده كله، لما الراجل قال الجملة العجيبة: "الرئيس السيسي بينه وبين ربنا عمار". يا نهار أسود! يعني إيه بينه وبين ربنا عمار؟ هو الريس بقى نبي؟ ولا ملاك؟ ولا إيه بالظبط؟ هو ربنا محتاج واسطة عشان يكلم الريس؟ ولا الريس عنده خط مباشر مع السما؟ شوف النفاق وصل لفين! بقال الحتة بيقول: "هو الوزير بقى وكيل ربنا في الأرض؟ ولا بيشتغل سمسار بين السما والأرض؟" والست أم محمد قالت: "يا نهار أسود! ده حتى الأنبياء ما قالوش الكلام ده!"
‏وزاد الطين بلة لما قال: "أشكر أخي وصديقي وقائدي ومعلمي الرئيس عبد الفتاح السيسي". العامل في المقهى قال: "ناقص يقول حبيبي وروحي وكبدي! ده وزير ولا شاعر غزل على الربابة؟" 
 هي دي المأساة: إن الوزير بقى نموذج للنفاق في أبشع صوره. بيعبد الكرسي أكتر من ربنا، ويقدس الرئيس أكتر من الأنبياء.
‏شوف بقى حجم الكارثة الحقيقية. الراجل صرف 2 تريليون جنيه على قطاع النقل. تريليونين! رقم محتاج دفتريين عشان نكتب أصفاره!
‏والنتيجة إيه؟
‏- القطارات لسه بتتصادم زي لعبة الملاهي
‏- الطرق لسه بتحصد الأرواح زي منجل الموت
‏- اشترى 1300 عربة من روسيا بمليار يورو، والناس لسه بتركب على السقف
‏- عمل قطار سريع بـ360 مليار، لكن للأغنياء بس
‏سواق التاكسي بيقول: "بالفلوس دي كنا نجيب قطارات من اليابان ونحط واحد احتياطي في كل بيت!" وبائع الترمس قال: "القطار السريع ده للأغنياء، إحنا الغلابة نفضل نموت في القطارات البطيئة!"
‏والأدهى والأمر إن الراجل فخور بعسكرة الوزارة. طرد موظف على الهوا بشكل استعراضي عشان أخد إجازة قانونية. الموظفين بيقولوا: "إحنا في وزارة ولا في معتقل؟ حتى العساكر ليهم إجازات!"
‏طب إيه الحل؟ الحل واضح زي عين الشمس، بس محتاج ناس عندها ضمير وخايفة من ربنا، مش بتدعي إن بينها وبينه عمار.
‏أولاً، كامل الوزير لازم يستقيل فوراً. يقدم استقالته ويقول: "أنا آسف، أنا فشلت، دماء الأبرياء في رقبتي". يتعلم من وزراء اليابان اللي بيستقيلوا لو القطار اتأخر 30 ثانية.
‏ثانياً، محتاجين قانون اسمه "قانون كرامة المنصب": أي وزير تحصل في عهده كارثة تودي بحياة 10 أشخاص أو أكثر، يستقيل فوراً ويحاكم على الإهمال.
‏ثالثاً، تحقيق حقيقي مستقل في كل الحوادث. مش لجان "غسيل شرف" بتبرّئ المسؤول قبل ما تشوف مكان الحادث. عايزين لجان تحقيق، مش فرق تجميل. الحقيقة ما بتتجمّلش، والدم ما بيتغسلش بالكلام.
‏رابعاً، وقف التملق والنفاق فوراً. الوزير مش شيخ زاوية، ولا شاعر بلاط. يخدم الشعب، مش يتغزل في الرئيس.
‏خامساً، برلمان حقيقي يحاسب ويراقب. نواب يسألوا: "فين الفلوس؟ ليه الناس بتموت؟ إمتى هتستقيل؟"
‏سادساً، ثقافة جديدة في الحكم: المنصب تكليف مش تشريف، والاستقالة شرف مش عار، والفشل مش "iPossible".. الفشل فشل!
‏لأن في النهاية، الوزارة أمانة والدماء أمانة أتقل. والكرسي ملك الشعب، مش ملك اللي قاعد عليه. والوزير اللي يقول "مش هسيبها لحد ما أموت" المفروض نقوله: "اتفضل موت بعيد عنها، أحسن ما تموتنا كلنا".
‏والرئيس اللي يشوف وزير فاشل ويسيبه، يبقى شريك في الفشل. والنظام اللي يحمي القتلة بالإهمال، نظام قاتل. والشعب اللي يسكت على الدم، شعب ميت.
‏الكرسي مش iPossible... الكرسي أمانة. واللي مش قد الأمانة، يشيل نفسه... مش الشعب. واللي يقعد يقول "مش هسيبها لحد ما أموت"، لازم يسمع: "هتسيبها... قبل ما نموت كلنا."
‏فاصحوا قبل ما يبقى فات الأوان. قولوا للوزير: "كفاية iPossible"، عايزين وزير "responsible". وقولوا للرئيس: "مش عايزين وزرا بينهم وبينك عمار، عايزين وزرا بينهم وبين الشعب ضمير".
‏والاختيار في إيدينا: يا إما نقبل بحكومة الكوارث، يا إما نطالب بحكومة الضمائر. يا إما نسكت ونشارك في الجريمة، يا إما نصرخ بصوت واحد:
‏"كفاية كذب... كفاية دم... عايزين نكتب صفحة جديدة... بدم الشهداء... لا بجُمل المداحين!"
‏——
‏تنويه هام:
‏ليس انحيازًا للهجة المصريّة؛ أن كُتب هذا المقال بلسانها.
‏بل لأن الوزير حين خاطب جمهوره بها، صار من الواجب أن يُفضح بها.
‏ذاك أن زمن ⁧‫#الذباب_الالكتروني_المصري‬⁩، وزمن ⁧‫#لجان_المتحدة‬⁩، وزمن ⁧‫#لجان_السيسي‬⁩، لا يحتمل الخطابة المتأنقة ولا البلاغة المؤدبة. وسنؤدي واجبنا القومي في فضح عملية غسيل المخ الجماعية، حبًا في مصر وأهلها 🇪🇬 

9 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤