المشهد خطير بكل المقاييس: أجير بائس محسوب على الإعلام المصري، شهرته كشهرة أحمق عارٍ في سوقٍ مزدحم، الناس تضحك عليه ولكنها تعرفه. تموله الشركة المتحدة المملوكة رسميًا لجهاز المخابرات المصري، يخرج باسمه الحقيقي لا باسم مستعار، ويكتب علنًا على تويتر إساءات صريحة بذيئة خسيسة بحق الملك الأب المؤسس عبدالعزيز رحمه الله. ثم، حين يرى الغضب يتفجّر، يسارع مذعورًا إلى حذف تغريدته، وكأن الحذف سيمحو الفضيحة.
والحال أنّ ما جرى لم يكن خطأ فرديًا ولا زلة عابرة. بيد أنّ صدوره من قواد إعلامي يقبض راتبًا من شركة مملوكة لجهاز سيادي مصري يضعنا أمام سابقة غير مسبوقة: تطاول معلن ضد المؤسس الأول للسعودية، الأب الروحي للتحالفات العربية، ورمز السيادة الوطنية. ذاك أنّ هذه الإساءة لم تمر مرور الكرام؛ بل تحولت إلى عاصفة رأي عام جعلت الوسم يتصدر التريند السعودي الأول، ويتصدر لاحقًا التريند العالمي الأول. أي أن الجرح لم يُقرأ محليًا فقط، بل انكشف أمام العالم كله، كاشفًا حجم الاحتقان الشعبي في السعودية والعالم العربي على نتانة ما خلفه الإعلام المصري حتى صار يتمرغ جهارًا في وحل البذاءة، ويقتات على فكر اللجان. لقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، لكنها هذه المرة جاءت بحجم جبلٍ لا قشة.
وهنا تكمن الخطورة:
1 - المصدر رسمي: الإعلامي ليس مجهولًا ولا هاويًا، بل تابع معروف لمؤسسة إعلامية تابعة للدولة المصرية، ما يجعل كلامه انعكاسًا لصورة مؤسسية لا فردية.
2- المستهدف الرمز السيادي: الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ليس مجرد شخصية تاريخية نادرة، بل هو الأب المؤسس الذي وحّد الجزيرة ورسم معادلاتها، وأيقونة خالدة في سجل التاريخ السعودي والخليجي والعربي والإسلامي. المساس به ليس إساءة لشخص، بل مساس بالسيادة السعودية واستفزاز لشعب وأمة كاملة.
3- الأثر الشعبي والسياسي: وصول الأزمة إلى قمة التريند عالميًا كشف عن احتقان واسع، ليس سعوديًا فحسب بل عربيًا وإسلامياً أيضًا، يُهدد بتحويل التغريدة إلى فتنة كبرى بين الشعوب، تقوّض الثقة وتفتح الباب لخصوم الإقليم لاستغلال الشرخ.
وما حدث ليس تجاوزًا فرديًا، بل فتنة مكتملة الأركان تهدد العلاقة بين بلدين شقيقين، وتفتح ثغرة خطيرة لخصوم الأمة لينفخوا فيها. والسؤال هنا: من له مصلحة في ذلك؟ أهو إعلام مصري مأجور فقد السيطرة على نفسه، أم أن المنظومة الإعلامية المصرية نفسها باتت مخترقة؟ فإن كان مأجورًا وجب تطهير الساحة منه، وإن كان مخترقًا وجب التحقيق فيمن فتح الباب لخصوم البلدين.
هذه ليست أول مرة يتعرض الإعلام المصري الرسمي لانتقادات بشأن أدائه، لكنها المرة الأولى التي ينزلق فيها أحد العاملين تحت مظلة الدولة إلى سبّ الأب المؤسس للمملكة، علنًا، وباسمه، وفي وسط مصر! سابقة لم تحصل منذ أوج الخلافات السياسية في حقبة كان الإعلام فيها كالهرّ يتظاهر بصولة الأسد قبل النكسة. ثم تغيرت الصورة ودخل الإعلام غرفة العناية المركزة: في مؤتمر الخرطوم 1967، جاء عبد الناصر منكسرًا بعد هزيمة يونيو الساحقة، فلم يجد من يعيد له كرامته وكرامة جيشه المظلوم من حماقته وغروره إلا الملك فيصل رحمه الله.. واليوم، بعد أكثر من نصف قرن، يأتي إعلامي رسمي محسوب على مصر ليرد هذا الوفاء وما تلاه من قصص تروى فتذكر أو تخفى فتشكر بالإساءة إلى المؤسس نفسه. أي انقلابٍ هذا؟
المفارقة القاتلة: لو أن إعلاميًا سعوديًا تفوّه بكلمة واحدة ضد رئيس مصر، لكانت الدنيا قامت لدينا ولم تقعد، ولرأينا البلاغات والقضايا عاجلة. أما هناك، فيُظن أن الحذف يكفي لدفن الفضيحة!
ولذلك نقول بوضوح: الحذف لا يكفي. المطلوب هو:
• محاسبة قانونية مشددة في مصر، لأنه ببساطة إعلامي مصري كتب من داخل السيادة المصرية.
• اعتذار علني رسمي يثبت أن ما صدر لا يمثل الدولة المصرية ولا توجهاتها.
• ضبط المؤسسة الإعلامية نفسها، لأن موظفيها لا يتكلمون في فراغ بل بظل مؤسساتهم. أو هكذا يفترض!
كمواطنين سعوديين، لا نملك رفاهية الصمت أمام من يطعن في أبينا المؤسس. لا نقبل أن تُمس مكانته بعبارة، ولا أن تتحول شتيمة إلى فتنة. لقد ظهر الاحتقان على منصات العالم، وما لم يُعالج قانونيًا وسياسيًا وبصرامة، فستبقى النار تحت الرماد.
من يظن أن الحذف يطفئ العاصفة، كمن يظن أن قنديلًا مكسور الزيت يوقف الشمس عن السعودية. لكن نور عبدالعزيز لا يُطفأ، والفتنة لا تُطفأ إلا بالمساءلة والرد الرسمي. وإلا.. فلن ينفع البكاء على زيت قنديل أشعل نارًا على الأخوة في بيتها.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.