ألا يبدو مضحكاً أن تتحوّل الألعاب الأولمبيّة، رمز التنافس الشريف، إلى كرنفال للعبث الجندريّ؟ ذاك أنّ ما نشهده اليوم من محاولات لإقحام الرجال في ثياب النساء في المنافسات الرياضيّة، تحت شعار "الشموليّة"، يثير الضحك والبكاء في آن واحد. وهذه "الشموليّة" المزعومة، التي تدّعي إدماج جميع الفئات في الرياضة بغض النظر عن هويتهم الجنسية، حتى لو كان ذلك على حساب العدالة والمنطق، قد تأتي على حساب ملايين النساء. أليس هذا أشبه بإلغاء معايير التأهل لدوري المحترفين السعودي لإرضاء فريق حواري يصرّ رئيسه "أبو مناحي" على أنّ فريقه يستحق المشاركة لمجرد أنه هزم فريق حي السويدي في مباراة على ملعب ترابي؟ يا لها من "عدالة" مبهرة! لعل المسحل يلغي لائحة التأهل لدوري المحترفين ويكتفي بلجنة من أبومناحي وزملائه في بقية الحواري بتحديد الفرق المشاركة!
لنتأمّل المهزلة التي حدثت في مباراة الملاكمة بين الإيطاليّة كاريني والجزائري/ة خليف. 46 ثانية! حتى صرخت كاريني مستسلمة ومحتجة في حلبة النزال قائلة: "هذا ليس عدلا" في إشارة لعدم العدالة بسبب "جنس" الملاكم/ة الجزائري/ة. خليف سبق وان استبعده الإتحاد الدولي للملاكمة من المشاركة في نهائي وزن 66 كغ ببطولة العالم للسيدات التي جرت شهر مارس من السنة الماضية (2023) في نيودلهي بالهند بسبب "جنسه" الذكوري، ولكن مع أولمبياد باريس "مس حتقدر تغمض عينيك"؛ فهي بطولة باهرة! كأنّنا نشاهد فيها نزالاً في قفص مغلق بين "جربوع" و "أسد". هل هذا ما نسمّيه الآن "المساواة" في الرياضة؟ ربّما علينا إعادة كتابة قواعد الملاكمة: الفائز هو من يبقى واقفاً لمدة دقيقة كاملة! أو لعلّنا نحتاج إلى فئة جديدة: "وزن الخداع المفتوح: الرجال يلبسون الستيان"!
بيد أنّ المسرحيّة الهزليّة لا تقف عند حدود الحلبة. فها هو ويليام توماس، أو "ليا" كما يحلو له أن يُدعى، يحطّم الأرقام في سباحة السيّدات. يا للعجب! رجل يهزم النساء في السباحة! أليس هذا إنجازاً تاريخيّاً يستحقّ التصفيق؟ ربّما يجب أن نمنحه جائزة نوبل في "الشجاعة البيولوجيّة"! أو لعلّنا نحتاج إلى فئة جديدة في السباحة: "سباق الخداع الحر"! وماذا عن غافين هوبارد، أو "لوريل" إن شئتم؟ أوّل رجل يتظاهر بأنّه امرأة في الألعاب الأولمبيّة. ألا يستحقّ وساماً خاصّاً لهذا "الإنجاز" الفريد؟ ربّما يمكننا إنشاء فئة جديدة: "أفضل أداء تمثيلي في دور إمرأة رياضية: جائزة الخداع الذهبية لأشباه الرجال". أو لعلّنا نحتاج إلى أوسكار خاص للأداء المتميّز في خداع اللجنة الأولمبيّة!
بهذه المعايير العظيمة فالحلّ الأمثل لكلّ رياضيّ فاشل بات واضحاً الآن: هل أخفقت في منافسة الرجال؟ لا تقلق! ما عليك سوى إعلان أنّك امرأة الآن، وستجد نفسك فجأة بطلاً أولمبيّاً! أليست هذه وصفة سحريّة للنجاح؟ تخيّلوا لو طبّقنا هذا المنطق في مجالات أخرى: هل فشلت في الحصول على وظيفة؟ أعلن أنّك من الأقليّات! هل خسرت في الانتخابات؟ ادّعِ أنّك من فئة مهمّشة! يا له من عالم رائع نعيش فيه، حيث يمكن للمرء أن يغيّر هويّته كما يغيّر قميصه، ويحصد الذهب على حساب سنوات من كدّ الآخرين وتعبهم!
والأكثر إثارة للسخرية، أنّ هذه الظاهرة آخذة في التزايد. كأنّنا نشهد سباقاً جديداً: من يستطيع أن يدمّر أحلام وطموحات أكبر عدد من الفتيات في أقصر وقت ممكن؟ آلاف الفتيات يقضين سنوات في التدريب الشاقّ، ليجدن أنفسهنّ يخسرن أمام رجال فاشلين قرّروا تغيير "الجنس" كما يغيّرون ملابسهم. يا لها من "عدالة" مبهرة! ربّما يجب أن نعيد كتابة شعار الألعاب الأولمبيّة ليصبح: "ادّعِ أنك امرأة: الطريق السهل للذهب الأولمبي"!
لكنّ الطرفة الأكثر مرارة تكمن في الأرقام والإحصاءات. فدراسات علميّة تؤكّد أنّ الرجال المتحوّلين يحتفظون بميزة في القوّة تصل إلى 12% حتّى بعد عامين من العلاج الهرمونيّ. يا للمفاجأة! من كان يظنّ أنّ الجينات والبيولوجيا لها دور في الأداء الرياضيّ؟ ربّما علينا إعادة كتابة كتب البيولوجيا لتتماشى مع هذا "الواقع الجديد" الذي يريد اليسار الراديكالي فرضه على العالم! ولعلّنا نحتاج إلى فصل جديد بعنوان: "كيف تتجاهل الحقائق العلمية بأسلوب رياضي"!
وفي خضمّ هذا المسرح العبثيّ، نسمع أصواتاً عاقلة تحاول إيقاظنا من هذا الكابوس المضحك. فها هي مارتينا نافراتيلوفا، أسطورة التنس العالمي وحاملة 18 لقباً في بطولات الغراند سلام، تقول بوضوح: "السماح للرجال بالتنافس كنساء في الرياضات النسائيّة ليس عادلاً. إنّه في الواقع غشّ صريح". وكأنّ هذه البطلة الأسطورية تحاول أن تذكّرنا بأنّ الرياضة كانت يوماً ما عن العدل والمنافسة الشريفة، لا عن الخداع والتمثيل!
وها هي شارون ديفيز، لاعبة كرة القدم الإنجليزية السابقة التي قادت منتخب بلادها لأكثر من عقد، تؤكّد بحكمة سنوات خبرتها: "لا يمكن للاعبات التنافس ضدّ لاعب كرة قدم ذكر تحوّل إلى أنثى. إنّه ببساطة غير عادل من الناحية البيولوجيّة". وكأنّها تحاول أن تذكّرنا بأنّ الحقائق البيولوجية لا تتغير بمجرد تغيير الملابس أو الأسماء! لكنّ من يسمع صوت العقل في زمن الجنون؟ ربّما يجب أن نعيد تعريف "العقل" أيضاً ليصبح "القدرة على تجاهل الحقائق البيولوجيّة بمهارة فائقة"!
في النهاية، نتساءل بمرارة: هل آن الأوان لنعيد تسمية الرياضة النسائيّة بـ"رياضة الرجال الفاشلين"؟ أم أنّنا سنظلّ نتظاهر بأنّ الإمبراطور يرتدي ثياباً جديدة، بينما هو في الحقيقة عارٍ تماماً من المنطق والعدل؟
وإذ نختم هذه الكوميديا السوداء، نتساءل: متى سنستيقظ من هذا الحلم المضحك المبكي؟ أم أنّنا سنظلّ نصفّق لهذا المسرح العبثيّ حتّى تسدل الستارة على الرياضة النسائيّة برمّتها؟ ربّما حان الوقت لنعلن عن بطولة جديدة: "الأولمبياد العبثي"، حيث الفائز هو من يستطيع تجاهل الحقائق البيولوجيّة بأكبر قدر من الإبداع! وليكن شعارها: "لا حدود للخيال... ولا للعدالة"!