مصر التي في خاطري: حكاية وطن ينهض كطائر الفينيق ويصمد كالأهرامات
ألم تكن مصر، على مر تاريخها، كالنيل الخالد، تصمد أمام كل التحديات وتخرج منها أقوى؟ مصر كالأهرامات، تقف شامخة أمام رياح التغيير. وهل كان لها أن تنجو من عاصفة "الربيع العربي" - ذلك الزلزال الذي كان ليهز عرش الفراعنة لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر - لولا صلابة جيشها وحكمة رئيسها؟
ألم يكن مبارك كفرعون مصري معاصر، ورث عرشاً شامخاً بناه من سبقوه، فحافظ عليه بيد من حديد وقلب من صخر؟ كحارس للأهرامات، ظل ثابتاً في وجه عواصف الفوضى، محافظاً على استقرار مملكته رغم هبوب رياح المحيط القاسية في وجهه.
حين نتحدث عن حسني مبارك، ألا نتحدث عن بطل حرب أكتوبر بامتياز؟ فالرجل الذي شارك بفعالية في حرب الاستنزاف، وقاد صقور مصر في حرب أكتوبر - كأنه عقاب يحلق في سماء المجد - لم يكن ليتخلى عن وطنه في أحلك الظروف. ألم يكن مبارك هو المهندس الحقيقي للنصر الجوي في حرب 1973 - كقائد أوركسترا يعزف سيمفونية النصر؟ شخصية قيادية فذة، كالألماس الذي يصقله الضغط.
لكن مبارك لم يكن مجرد رجل حرب، بل كان رجل سلام يدرك ثمن الحرب - كحكيم يزن الأمور بميزان الذهب- ألم يحافظ على السلام مع إسرائيل رغم كل الضغوط - كحارس يحمي بوابة الاستقرار؟ ألم يجنب مصر مغامرات عسكرية غبية كانت ستكلف الشعب المصري ثمناً باهظاً، كربان ماهر يتجنب الصخور في بحر هائج؟
وفي حرب تحرير الكويت، ألم يكن مبارك هو المهندس الدبلوماسي العصيد لأخيه الملك الفهد للتحالف العربي، كمروض أسود يروض ضباعًا عربية خائنة وأجبرها على التناغم في احتماع جامعة الدول العربية الشهير؟ ألم يقف بجانب الفهد معاونًا لأخيه على إعادة الكويت إلى الحضن العربي، كأطباء مهرة يعيدون الحياة لقلب توقف للتو؟ يقول الرئيس جورج بوش الأب: "كان دور الرئيس مبارك حاسماً في بناء الإجماع العربي". أليس هذا اعترافاً دولياً؟
ألم يمت مبارك كبطل، صامداً في وجه الاتهامات، رافضاً مغادرة وطنه حتى النهاية، كسفينة ترسو في مينائها الأخير؟ ألم يكن موته على أرض مصر - تلك الأرض التي أحبها وخدمها طوال حياته - رافضًا أي محاولة للخروج الكريم مؤكدًا على ختام لائق لمسيرة حافلة بالعطاء كختام مسك لقصيدة وطنية؟
لكن ما الذي حدث بعد رحيل مبارك؟ ألم تكن "ثورة الربيع العربي" في مصر من تخطيط إدارة أوباما وهيلاري كلينتون - مسرحية هزلية كُتب سيناريوها في واشنطن- ألم تكشف الوثائق عن دور السفارة الأمريكية في تدريب وتمويل نشطاء المعارضة، وماذا عن الدعم الأمريكي للإخوان؟ ألم تخصص إدارة أوباما 200 مليون دولار لدعم "الديمقراطية" في مصر، ذهب جزء كبير منها لمنظمات مرتبطة بالإخوان، كمن يسقي شجرة مسمومة في خدعة كبيرة لم يطل على الشعب المصري كذبها وإفشالها؟
وماذا عن تدخلات حماس وحزب الله في ثورة يناير؟ ألم يقتحموا السجون المصرية ويثيروا الفوضى، كذئاب تتسلل في جنح الظلام؟ تقول السجلات الموثقة: "تسللت عناصر مسلحة من حماس وحزب الله عبر الأنفاق لإشعال الفتنة". أليس هذا تدخلاً عسكرياً سافراً في الشأن المصري، كخنجر مسموم في ظهر مصر؟
حين وصل الإخوان إلى السلطة، ألم تكن مصر على شفا الهاوية - كسفينة تتأرجح على حافة شلال- فكيف لجماعة سرية أن تدير دولة بحجم مصر - كمن يحاول قيادة طائرة بدليل لقيادة الدراجات- وكما يقول المصريون؛ "كان حكم الإخوان أشبه بكابوس مظلم جثم على صدر مصر". ألا يلخص هذا حجم الكارثة التي واجهتها البلاد كليلة حالكة بلا قمر؟
أما مرسي، فهل كان أكثر من دمية في يد الجماعة يحركها خيرت الشاطر بخيوط لا تستحي من إخفاء نفسها؟ ألم يحاول تقويض استقلال القضاء ، كمن يحاول هدم أعمدة العدالة؟ ألم يتقارب مع إيران على حساب علاقات مصر مع دول الخليج، كمن يبيع "عزوته" من أجل إرضاء قاتل أبيه؟ وماذا عن فشله الذريع في إدارة أزمة سد النهضة، كان كمن يحاول إطفاء حريق بالبنزين!
ألم يكن تدخل الجيش بقيادة السيسي هو طوق النجاة الذي أنقذ مصر من السقوط في هاوية الفوضى، كيد قوية تنتشل غريقاً؟ يقول اللواء العصار: "لولا حزم الرئيس السيسي، لكانت سيناء قد تحولت إلى إمارة للإرهاب". ألا يكشف هذا عن رؤية استراتيجية ثاقبة، كبصيرة صقر يرى فريسته من ارتفاع شاهق.
أما السيسي، أفلا يذكرنا بصلاح الدين في عزمه وحزمه؟ كفارس على صهوة جواده، يقود مصر في معركة البناء والتنمية، ساعياً لإعادة أمجاد الماضي وبناء مستقبل مشرق. كقائد يحمل راية الإصلاح في يد، وسيف الحماية في الأخرى، يواجه تحديات الداخل وأطماع الخارج بعزيمة لا تلين.
السيسي كربان السفينة، يقود مصر في بحر متلاطم من التحديات الإقليمية. الاقتصاد المصري كالنيل، يتدفق بالحياة رغم موانع التنمية. الجيش المصري كدرع الوطن، يصد سهام الإرهاب عن صدر الأمة.
في حين كانت إثيوبيا تسعى لبناء سد النهضة دون مراعاة حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وقف مبارك موقفه التاريخي مهددًا بقصف السد على رؤوس الأحباش حتى تراجعوا صاغرين، واستمر السيسي على هذا النهج المتشدد واتخذ مواقفًا صارمة وجادة لحماية مصالح مصر. لقد جعل من الدبلوماسية المصرية كخيوط الحرير، تنسج نسيج العلاقات الدولية بمهارة. قام بعدة زيارات دبلوماسية إلى الدول الأفريقية والأوروبية لشرح موقف مصر العادل والمشروع. وأثمرت هذه الجهود عن تعزيز العلاقات المصرية مع دول حوض النيل وكسب تأييد دولي لحق مصر في مياه النيل. ويعتبر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، خطوة استراتيجية لتعزيز مكانة مصر الإقليمية والدولية في ملف المياه والطاقة.
وفي سياق تعزيز الأمن القومي، نجحت مصر تحت قيادة السيسي في تحقيق إنجازات ملموسة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. فقد شهدت البلاد إطلاق العديد من المشروعات القومية الكبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة كفجر جديد، يبزغ على أرض الكنانة. مشروعات التنمية كبذور الخير، تُزرع اليوم لتثمر غداً.
ولعل من أبرز هذه المشروعات هو مشروع قناة السويس الجديدة، الذي تم إنجازه في وقت قياسي، وأدى إلى مضاعفة إيرادات القناة وتحقيق قفزة نوعية في حركة التجارة العالمية عبر الأراضي المصرية. قناة السويس الجديدة كشريان حيوي، يضخ الحياة في عروق الاقتصاد العالمي.
وفي المقابل، ألم تكن فترة حكم مرسي كومضة خاطفة في سماء مصر المشرقة؟ كمن وجد نفسه فجأة على عرش لم يكن مستعداً له، كان كالغريب في وطنه، عاجزاً عن فهم نبض الشارع المصري أو تلبية تطلعات شعبه.
مرسي مثل كافور الإخشيدي، مخصي ولا يعرف مكرمة ولا رجولة، بدا وكأنه غير قادر على إدراك عظمة المسؤولية الملقاة على عاتقه أو التصرف بحكمة تليق بمكانة مصر التاريخية.
وفي قضية تهجير الفلسطينيين إلى غزة سيكتب التاريخ بكل صراحة رفض مبارك والسيسي لذلك بكل قوة وحزم، لم يرضحوا للضغوط ولم ترهبهم عصا ولم تجذبهم جزرة، عكس مرسي الأخشيدي الإخواني الذي كان يتفاوض على ذلك ويزخرف له بديع والشاطر الفتاوى والتبريرات وفقه الواقع المزعوم.
إن الإنجازات التي حققتها مصر تحت قيادة مبارك والسيسي لم تقتصر على الصعيد الاقتصادي فقط، بل شملت أيضاً جهوداً مكثفة في مكافحة الإرهاب. فقد تمكنت القوات المسلحة المصرية من تطهير سيناء من الجماعات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
وفي النهاية، ألا تبقى مصر، كالنيل الخالد، تتدفق بالحياة رغم كل العقبات، وتخرج من كل محنة أقوى وأعظم، كالنخلة العربية الباسقة التي تزداد شموخاً بعد كل عاصفة، وتمد جذورها أعمق في رمال الوطن؟أليست هذه هي مصر التي عرفناها عبر التاريخ، منارة للعلم والحضارة، وقلعة للعروبة والإسلام، تقف شامخة في وجه كل التحديات، تحمي تراثها وتصنع مستقبلها بيد من حديد وقلب من ذهب؟
الشعب المصري كصخر الأهرام، صلب في وجه العواصف السياسية. الثقافة المصرية كمنارة الإسكندرية، تضيء طريق الحضارة للعالم.
فلتحيا مصر - أم الدنيا - ولتبقَ دائماً عزيزةً أبيّة، تسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق، تحت قيادة حكيمة تدرك قيمة التاريخ وتستشرف آفاق المستقبل. ألا تستحق مصر - بكل ما قدمته للإنسانية عبر آلاف السنين - أن تنعم بالاستقرار والازدهار، وأن تأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم كقوة عظمى في المنطقة والعالم؟ بلى والله وإن شاء الله.
9 دقيقة قراءة
الكاتب
اينشتاين السعودي
@SaudiEinestine
مشاركة المقالة عبر
Leaving SaudiEinsteinYour about to visit the following urlInvalid URL