معالي الشيخ عبد الله آل حامد،
تحية ود وتقدير وبعد،
إنّ مسلسل الأحداث الأخير في ساحتنا الإعلامية الخليجية يستدعي وقفة تأمل، لا لنقد النوايا الطيبة التي لا نشك فيها، بل لتسليط الضوء على مأزق تقني يكاد يكون كوميدياً لولا خطورة تداعياته.
لنبدأ من البداية: أطلق معالي تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودي، صرخة تحذير للمغردين الخليجيين، منبهاً إياهم من فخاخ الفتنة المنصوبة بين السطور. كانت دعوة حكيمة، تنم عن بصيرة نافذة لمخاطر الانزلاق في متاهات التراشق الإلكتروني.
ثم جاء دوركم، معاليكم، بمبادرة " #تبليك_بدون_تعليق "، محاولاً حشد الجهود الجماعية لكبح جماح المسيئين. وأعلنتم عن تنسيق مرتقب مع وزير الإعلام السعودي، في خطوة عظيمة وحكيمة بدت كتتويج لجهود احتواء الأزمة.
لكن، معاليكم، وقع ما يشبه "زلة القدم الرقمية". فالرسم البياني الذي استندتم إليه في تغريدتكم الأخيرة ليس سوى سراب تكنولوجي، نسجته خيوط ما يُعرف في أوساط الذكاء الاصطناعي بـ "الهلوسة".
سأشرح هذه الظاهرة بلغة أكثر دقة: عندما يُواجه نموذج لغوي متقدم كـ GPT-4 بسؤال يتجاوز نطاق معرفته أو قدراته، فإنه لا "يعترف بجهله" كما يفعل البشر. بل يلجأ إلى ما يمكن تشبيهه بـ "التخمين الإبداعي". إنه يولّد إجابة تبدو منطقية ومتماسكة، معتمداً على أنماط البيانات التي تدرب عليها، لكنها في الحقيقة محض اختلاق.
وهنا تكمن المفارقة المذهلة: حتى نظام Grok 2، الذي طوّرته شركة X (تويتر سابقاً) بنفسها، يقف عاجزاً أمام مهمة تحليل وتصنيف التغريدات بهذه الدقة المزعومة. فكيف لنموذج خارجي أن يحقق ما عجز عنه ابن الدار؟
هذا الخطأ، ليس مجرد هفوة تقنية عابرة. إنه يكشف عن فجوة معرفية خطيرة في فهمنا لحدود وإمكانيات الذكاء الاصطناعي. وهو ما يستدعي مراجعة جذرية لآليات التحقق والمراجعة في مؤسساتنا الإعلامية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف مرّ يوم كامل دون أن ينبه أحد في فريقكم، معاليكم الكريم، إلى هذا الخلل الجوهري؟ أليس في هذا الصمت ما يستدعي إعادة النظر في ثقافة النقد البناء داخل أروقة مؤسساتنا؟ لقد انتظرت حتى الساعة أن تقوم بالتصحيح فاضطررت للكتابة لكم.
إنّ جهودكم في التصدي للإساءات عبر منصات التواصل الاجتماعي هي بلا شك محل تقدير وترحيب شديد. لكن الواقع يصرخ في وجوهنا: هل تكفي حملة "تبليك" لمعالجة جرح غائر في نسيج علاقاتنا الخليجية؟
فها هو ذا "الياسات" يحذف تغريداته المسيئة للسعودية، بعد تواصلكم معه، مما يدل أنه مواطن إماراتي، ولا ننسى "الذئب البريء" - وما أبعده عن البراءة - الذي تخطى كل الخطوط الحمراء بإساءاته للقيادة السعودية، بل وللملك المؤسس عبدالعزيز في سابقة مروعة. ومثله المدعو عبيد، وغيرهم.
وبكل صراحة معالي الشيخ؛ بما أنكم تعرفتم على هؤلاء المواطنين أو المقيمين، فهل ستسكتون عنهم مكتفين بخوفهم من تدخلكم وحذفهم لمشاركاتهم؟ أم أنكم ستحيلونهم لمرجعية والد الجميع الشيخ زايد، رحمه الله، نحو القضاء تجاه من أساء لمؤسس السعودية وملكها وولي عهدها؟
معاليكم، سأكون صادقاً معكم، نحن كمغردين سعوديين نعرف جيداً عمق العلاقات بين البلدين، ونرى في الشيخ زايد والداً لنا كما تنظرون للملك سلمان، وكلنا ينظر للملك المؤسس عبدالعزيز كرمز للخليج والعالم العربي بأسره. ولكن، واسمحوا لي بالصراحة التامة، أعتقد أن الصورة ليست واضحة لمعاليكم عما حصل من تجاوزات. فمن أخفى عنكم -قبل وبعد- حقيقة الإحصائية التي نشرتموها هو ذاته من يخفي عنكم حقيقة ما حصل، وبذلك سنستمر بالدوران في حلقة مفرغة.
معاليكم، إنّ ما نحتاجه اليوم في مباحثاتكم مع معالي وزير الإعلام السعودي @SalmanAldosary هو استراتيجية شاملة، تجمع بين صرامة القانون وسيف العدالة وعمق الفهم التكنولوجي. استراتيجية تحاسب المسيئين بحزم، وتعزز في الوقت ذاته الوعي بمخاطر التضليل الرقمي. أما العفو عن من أساء لقيادات البلدين فأعتقد أنه خط أحمر لا تسامح فيه.
حاسبوا من تجاوز الخطوط الحمراء، ونبهوا من وقع في مستنقع الفتنة، وانشروا قائمة رسمية دورية لكل الحسابات التي تدعي أنها من أحد الدولتين وبينوا أنهم الذباب الإلكتروني الحقيقي، الذي يقبض بالدولار ويقلد اللهجة الخليجية. أما أبناء السعودية والإمارات الحقيقيون فليسوا ذباباً إلكترونياً، بل هم ما بين متحمس منجرف بعاطفته الوطنية - وهم الأغلب - أو سيء النية ذو ميول أيديولوجية يجب محاسبته قانوناً وجعله عبرة.
ختاماً، لنتذكر أن الفضاء الإلكتروني، رغم افتراضيته، قد يكون ساحة حرب حقيقية. وكما أن الجندي لا يترك خندقه دون أمر، فلا ينبغي للمغرد الواعي أن يترك موقعه في معركة الوعي هذه. لكن ليكن سلاحه الحقيقة، ودرعه الأخلاق، وهدفه الإصلاح لا الهدم.
شاكراً ومقدراً لكم، معالي الشيخ، رحابة صدركم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.