هل يُصبح الدفاع عن الوطن تهمةً يُراد بها تشويه صورة المواطن؟ وهل تتحوّل الوطنيّة إلى وصمة عارٍ في زمن الانحطاط الأخلاقيّ والفكريّ؟ يبدو أنّ الإجابة، للأسف، هي نعم. وكأننا في مسرحية عبثية، حيث البطل هو من يبيع وطنه بأبخس الأثمان، والشرير من يدافع عن أرض الحرمين الشريفين.
ذاك أنّ حادثة الممثّل العُمانيّ الذي شارك في فيلم هنديّ مسيء للسعوديّة وشعبها كشفت عن ظاهرة مقلقة تتجاوز حدود الفنّ والإبداع لتصل إلى محاولات تشويه الهويّة الوطنيّة ذاتها. إنه كمن يرقص على أنقاض كرامته، ظناً منه أنه يؤدي عرضاً فنياً رفيعاً، متناسياً أن السعودية ليست مجرد مشهد عابر في فيلم، بل هي تاريخ عريق وأصل الحضارة العربية والإسلامية ومهبط الوحي، وإن رغمت أنوف المتطاولين.
ولعل من سخرية القدر أن هذا الممثل، الذي لا يمثل عُمان ولا شعبها الكريم ولا سلطانها الحكيم، يحمل اسماً يفضح أصوله الفارسية. فلا غرابة إذن أن ينضح بهذا الحقد الدفين على المملكة العربية السعودية. إنه كالغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس، فلم يتقن مشية الطاووس ونسي مشيته الأصلية، ليصبح مسخاً لا هو بالعربي الأصيل ولا هو بالفارسي الصريح.
فالممثّل لم يكتفِ بالمشاركة في عمل فنّيّ يسيء لدولة شقيقة، بل ذهب أبعد من ذلك حين وصف المنتقدين السعوديّين بـ "الذباب الإلكترونيّ". متناسياً أن أمثاله؛ من "الذباب البشري" الحقيقي هو من باع ضميره بثمن بخس في سوق "مواسير الصرف الصحي"، وليس من يدافع عن تاريخه ووطنه وشعبه بشموخ الصقور.
والمفارقة العجيبة – وهنا تكمن سخرية القدر – أنّ تهمة "الذباب الإلكتروني" و"الوطنجية" التي يُراد بها النيل من السعوديين المدافعين عن وطنهم، قد استحالت إلى وسام شرف يُعلَّق على صدورهم. ذاك أنّ هذه التهمة الواهية غدت، من حيث لا يدري مطلقوها، شهادة حق بوطنية هؤلاء المغردين وإخلاصهم. فكأنّنا أمام مسرحية عبثية، حيث يمنح الأعداء – وهم في ذروة حنقهم – أنبل الأوسمة لخصومهم!
إن مروجي هذه المصطلحات المشوهة كالغربان التي تنعق بالخراب، ظانة أنها تغني أوبرا. هؤلاء المسيئون كالجرذان التي تقرض جذور الهوية، متوهمة أنها تبني حضارة. إنهم كالببغاوات العمياء، ترددّ ما يُملى عليها دون وعي، ظانة أنها تنطق بالحكمة. مروجو هذه الأفكار المسمومة كبائعي الأوهام في سوق النخاسة الفكرية، يبيعون الضلال بثمن بخس. إنهم كالسراب في الصحراء، يخدعون العطشى بوهم الماء، تاركين إياهم يموتون من الظمأ الحقيقي للحقيقة.
في المقابل، فإن المغردين السعوديين كنجوم الصحراء، تضيء ظلام الافتراءات وترشد الحائرين إلى الحقيقة. الوطنية السعودية كماء زمزم، نقية صافية، تروي ظمأ الانتماء وتطهر النفوس من أدران الشائعات.
إنّ ما يحدث هنا أشبه بعمليّة غسيل دماغ جماعيّة، تهدف إلى تفريغ الوطنيّة من محتواها النبيل وتحويلها إلى مجرّد "وطنجيّة" مبتذلة. إنها عملية تجميل فاشلة، تحوّل الوجه الجميل إلى قناع مشوّه، كأنما يريدون تحويل لوحة الوطن الزاهية إلى رسم كاريكاتوري هزيل.
بيد أنّ السؤال الأهمّ هنا: من المستفيد من هذا التشويه المتعمّد لمفهوم الوطنيّة؟ أهم تجار الأوطان الذين يبيعون الهوية الوطنية بالكيلو في سوق الدعارة الثقافية؟ أم هم سماسرة الضمائر الذين يتاجرون بالكرامة في "بازار الخيانة" المفتوح على مصراعيه؟
لعلّ الإجابة تكمن في تلك القوى التي تسعى إلى تفتيت الهويّات الوطنيّة وإضعاف الانتماء الوطنيّ. إنهم كالنمل الأبيض الذي ينخر في جذوع الأشجار حتى تسقط من تلقاء نفسها، أو كالفيروسات التي تهاجم جهاز المناعة الوطني، لتترك الجسد عرضة لكل الأمراض والعلل.
إنّ ما نحتاجه اليوم، في مواجهة هذه الهجمة الشرسة على الوطنيّة، هو إعادة الاعتبار للمفهوم الحقيقيّ للوطنيّة. فالوطنية ليست بضاعة في سوبر ماركت الهويات المستوردة. الوطنيّة ليست "ذباباً" ولا "وطنجيّة" مبتذلة، بل هي انتماء نبيل وشعور صادق بالمسؤوليّة تجاه الوطن وقضاياه. إنها الدفاع عن كل ذرة رمل في صحراء الربع الخالي، وكل قطرة ماء في البحر الأحمر.
فإن لم يعجبهم ذلك فليمنحونا من حيث لا يدرون وسام الشرف بمصطلحاتهم المشوهة؛ المصقولة على يد عضو الكنيست السابق لقتل كل ما هو جميل في هويتنا وحبنا لأوطاننا. إنه بخبث شديد مرر المصطلح "الموسادي" وتلقفه كل عدو لنا، ليتسلل كالثعبان في أروقة وسائل الإعلام ومراكز الفكر العربية التي يسيطر عليها؛ وتلقفها كل ناعق وخائن بهدف قتل "الحمية الوطنية".
إن كل محاولة لتشويه حبنا لوطننا ليست إلا دليلاً جديداً على صدق انتمائنا وعمق جذورنا في تربة هذه الأرض. وكلما ازداد نباحهم، ارتفع صوت الحق السعودي، كنشيد وطني يتردد صداه في كل ركن من أركان
#السعودية_العظمى .