قبل يومين.. كنت أقلب في هاشتاقات تويتر، لأجد قصة اعتقال مجموعة من المشهورات في قضية خطف وابتزاز. الاسم الذي تصدّر القائمة كان "الجادل القحطاني". لأول وهلة ظننت أن الأمر لا يعدو خلافًا بين مؤثرات على فلتر أو إعلان، لكن التفاصيل كشفت أننا أمام ملهاة اجتماعية من النوع الثقيل. ثمة شهرة تُبنى على كلمات أو أغنية، وثمة شهرة تُبنى على بطولة أو إبداع، بيد أن الجادل اختارت طريقًا مختلفًا: عمليات تجميل جعلت "مؤخرتها" أكبر من منجز الحصول على جائزة نوبل عند مواليد الستينات.
يكفي أن نلقي نظرة على جمهورها لندرك المفارقة. معظم متابعيها، حسبما يهمس المغردون، رجال في الستين من العمر. هؤلاء الذين كان حلمهم في التسعينات فتاة الأغنية الشهيرة "البرتقالة"، وجدوا في الجادل نسخة محدثة من أحلامهم القديمة، نسخة مدعومة بالسيليكون والفلترات. من الواضح أن السوشال ميديا لم تبتكر ذائقة جديدة بقدر ما أعادت تدوير الذائقة القديمة بأدوات حديثة. نصف الجمهور يصفق بحماس كأنه في عرس، والنصف الآخر يجلدها بتغريدة كأنه قاضٍ شرعي، لكن النتيجة واحدة: كلاهما صنع منها بطلة.
إذا أردنا أن نفهم القصة جيدًا، فعلينا أن نعود للبدايات. الفتاة لم تبدأ من منصة أكاديمية أو منبر ثقافي، بل من مقاطع سناب شات وتيك توك تتمايل فيها أمام الكاميرا. كان الأمر سيظل محصورًا في نطاق الجدل حول هل يطبق عليها "لائحة الذوق العام" لولا أن الخلاف تطور إلى جريمة: خطف وابتزاز وتعرية وتصوير. القصة لم تشمل الجادل وحدها، بل معها مشهورات أخريات: صيته والعنود السبيعي ورجلان آخران، تواطؤوا جميعًا في استدراج فتاة تُدعى نجد الأنجد إلى مكان منعزل. هناك، تم ضربها وتعريتها وتصويرها في أوضاع مخلة، ثم ابتزازها بالصور لإسكاتها أو الانتقام منها.
هنا تبرز حساسية أخرى: استخدام أسماء القبائل والعوائل في السوشال ميديا. بعض هؤلاء المشهورات يدّعين الانتماء إلى قبائل كبرى وكأنها بطاقة حماية أو وسام شرف. من الواضح أن هذا التوظيف يزج باسم قبيلة كاملة في وحل فضيحة شخصية. قبيلة كاملة لا تتحمل خطأ "مهبول" أو "مهبولة"، تمامًا كما أن اسم مدينة لا يتحمل ذنب لص أو محتال. ثمة مسؤولية على هيئة الإعلام لقطع الطريق أمام هذه الممارسات. يكفي أن يُلزم المؤثرون بكتابة أسمائهم الصريحة (الاسم واسم الأب) من دون إقحام العائلة أو القبيلة، أو أن يخضع أي استخدام لهذه الأسماء لموافقة مسبقة بناء على جودة المحتوى.
دعونا نتأمل: كيف انتقلت من محتوى تافه إلى قضية جنائية؟ الجواب بسيط: عندما تكون الشهرة قائمة على الجسد أو على الاسم الكبير، فإن أي خلاف يتحول بسهولة إلى صراع قذر. الجادل وصديقاتها لم يعدن يتنافسن على مشاهدات تيك توك، بل على فضائح جنائية تحولت إلى عناوين في الصحف.
وليس الأمر محليًا فقط. من الواضح أن شهرة الفراغ هذه لها نظائر عالمية. في أميركا رأينا كيف سقطت نجمات إنستغرام في فضائح مخدرات، وفي بريطانيا تحولت مؤثرات إلى عناوين سوداء بسبب ابتزاز وفضائح مالية.
من الطريف أن الحادثة لم تبقَ مجرد قصة أمنية، بل تحولت إلى مسرحية جماعية على منصات التواصل. حسابات نشرت تفاصيل دقيقة وكأنها نشرة أخبار رسمية. المغردون انقسموا بين من يشمت، ومن يصرخ طلبًا بالعدالة، ومن يسخر قائلاً إننا انتقلنا من حرب القبائل إلى حرب الفلترات. الجمهور كان أكثر انشغالاً بالمؤخرة من القضية نفسها.
ما الذي يجعل فتاة مثل الجادل القحطاني مشهورة أصلًا؟ هل لأنها قدمت قيمة فنية أو فكرية؟ لا. لأنها جسّدت رغبات جيل بأكمله في هيئة فيديو مدته عشر ثوانٍ. لا شك أن هذا الجيل نفسه كان يصفق لفتاة "البرتقالة" قبل عقدين، بيد أن الفارق أن البرتقالة كانت أغنية خفيفة الظل، أما الجادل فقد صارت ملفًا في شرطة الرياض.
هذه القضية لا تتعلق بفتاة واحدة، بل بظاهرة اجتماعية أوسع: صناعة نجوم من لا شيء. يكفي أن يكفي أن تَملِكِي جسدًا مُلفِتًا وتطبيقًا على الهاتف حتى تُصبِحي مؤثِّرة، حتى لو انتهى بكِ الحال في زنزانة. المجتمع نفسه يشارك في صناعة هذه النماذج: نصفه يطاردها بإعجاب، ونصفه الآخر يطاردها بالبلاغات، لكن كليهما يمنحها الأكسجين الذي تتنفس به.
النهاية لم تكن عابرة. القضية تحولت إلى تحقيق رسمي، والنيابة العامة دخلت على الخط، والجمهور بدأ يطرح أسئلة أكبر: هل نحن أمام جريمة جنائية أم أمام مرآة لمستوى الشهرة؟ ثمة خيط رفيع بين المؤثرة والمجرمة، بين الفيديو الراقص والفيديو الابتزازي، بين الفلتر وملف القضايا.
الخاتمة؟ لنلخصها بجملة: من جسدها صنعت شهرتها، ومع صديقاتها صنعت فضيحتها، ومن اسم قبيلتها صنعت عبئًا على غيرها، ومن جسدها صُنع ملفها الجنائي. متى سنكف عن تحويل المؤخرة إلى منصة إعلامية، ثم نتفاجأ إذا كان مصيرها في المؤخرة الحقيقية للسجن؟