سنة 2015... ما زلت أذكر ذلك المساء العجيب عندما عادت أختي من إحدى العزائم النسائية لأسرة من العوائل المعروفة في الرياض، والمعروفة هنا بثرائها القديم وهياطها الجديد!
كانت العزيمة في قصر فاخر، والمدعوات أمهات طلاب الصف التمهيدي، جُمعن عبر قروب الواتساب. نساء لا يعرف بعضهن بعضاً، اجتمعن تحت سقف واحد بدعوة من سيدة تظن أنها من طبقة أخرى... طبقة تستحدث القيم وتصنع "البرستيج"!
دخلت النساء القصر العامر بالرخام والثريات، خلعن عباياتهن، وتزيّنّ كما تتزين النساء في مجالسهن الخاصة...
وفجأة
دخل عليهن رجال فلبينيون يرتدون السموكنج الأنيق، يحملون صواني القهوة والتمر!
"ياخزياه"! رجال يخدمون على نساء متزينات؟!
انقلب المجلس رأساً على عقب. النساء يتلفتن في ذعر، يبحثن عن عباياتهن، يحاولن التستر بما تيسر... والخدم الفلبينيون يتجولون بينهن كأن الأمر طبيعي جداً!
خرجت النساء من ذلك القصر كأنهن يفررن من وباء، ولم تطأ قدم إحداهن عتبة ذلك البيت مرة أخرى!
اليوم، وبعد عشر سنوات، شاهدت مقطع فيديو لعزيمة رجال يُقدم لهم البخور خادمات فلبينيات...
قلت في نفسي: سبحان الله! من الرجال الذين يخدمون على النساء، إلى النساء اللاتي يخدمن على الرجال!
في الحالتين: الهياط واحد، والعقول مغيّبة، والكرامة مهدورة!
تريدون التفسير؟
الأسرة الأولى - رغم ثرائها القديم وعراقتها المزعومة - مصابة بداء خطير اسمه: "وهم الطبقة الخاصة"!
يظنون أنهم من نخبة تستحدث القيم! من طبقة تصنع "البرستيج" الخاص بها! ومن يقلدهم - في نظرهم - هو الذي "يفهم"!
يا للعجب! كأنهم يقولون: نحن نصنع الموضة الاجتماعية، ومن لا يفهمها فهو متخلف!
أما أصحاب العزيمة الثانية، والذين يبدو أنهم من محدثي النعمة، فحدّث ولا حرج! لن ينتظروا جيلًا أو جيلين ليُصنفوا من الطبقة المخملية؛ فالعمر مرة واحدة. والثقة بالنفس -ماشاء الله عندهم تصك الطبلون- فوصل بهم الهياط إلى استيراد الخادمات ليقدمن البخور للرجال!
في كلا الحالتين، السبب واحد: الهياط!
لكنه هياط من نوع خاص... هياط "النخبة" التي تتوهم أنها تصنع القيم!
هؤلاء الذين يعيشون في أبراجهم العاجية، يظنون أن المال القديم كان أو جديدًا يمنحهم الحق في هدم الأعراف وإعادة بنائها !
يتخيلون أنفسهم "صُنّاع البرستيج"... وأن الناس يجب أن تقلدهم لتكون "راقية"!
والحقيقة المُرة: هم مجرد مهايطية بثياب الحرير!
أتذكر مقولة الصديق حكيم المعلم "فاهم بن فهام": "الهياط أن يعلم المستمعون أنك تهابط، وأنت تعلم أنهم يعلمون... وأنت ولا يهمك!"
لكن هياط "النخبة" أخطر! لأنهم يظنون أن كذبهم حقيقة... وأن هياطهم رقي... وأن انحرافهم تقدم!
اليوم خادمات فلبينيات يقدمن البخور... غداً ماذا؟ نادلات صينيات يقدمن الشاي بعزاء الرجال؟ بعد غد؟ الله أعلم بما ستبتدعه عقولهم "الراقية"!
أسوأ ما في الأمر أن هذه "النخبة الوهمية" تُصدر هياطها للمجتمع!
الطامعون -من محدثي النعمة- في الانتماء لهذه "الطبقة" يقلدونهم ظناً أن هذا هو "البرستيج"!
فيصبح الانحراف موضة... والهياط ثقافة... وكسر الأعراف "تحضراً"!
حتى وصلنا لمرحلة أن من يستنكر هذه الممارسات يُتهم بالتخلف وعدم فهم "البرستيج"!
رسالة أخيرة:
إلى "النخبة" المزعومة: العراقة الحقيقية في الحفاظ على القيم، لا في هدمها! والرقي في احترام المجتمع، لا في صدمه!
إلى مقلدي "البرستيج" الزائف: لا تبيعوا كرامتكم مقابل وهم الانتماء لطبقة متخيلة!
وإلى الجميع: كفانا هياطاً! سواء كان هياط محدثي النعمة، أو هياط "العراقة" المدعاة!