29 أغسطس 2024

من وهم الخلافة إلى مهزلة التوبة .. وحصان طروداة الإخواني

 
 هل سمعتم بآخر نكتة سياسية؟ الإخوان المسلمون يطلبون العفو مقابل "اعتزال السياسة" لمدة ١٠-١٥ سنة! نعم، تلك الجماعة التي لطالما حلمت بتحويل مصر إلى ولاية في خلافتهم الموهومة، تأتينا اليوم بوجه الحَمَل الوديع. وكأن تاريخ مصر مجرد لعبة "الحجلة" يمكنهم القفز فيها من مربع الإرهاب إلى مربع التوبة بنزوة طفولية!
 
 دعونا نتذكر من هم هؤلاء "التائبون". منذ تأسيسهم عام 1928 على يد حسن البنا بشعار "الجهاد سبيلنا"، وسجلهم حافل بالدم والخيانة: من اغتيال القاضي الخازندار في 1948، إلى محاولة اغتيال عبد الناصر في 1954، وصولاً إلى اغتيال السادات في 1981. وكأن تاريخهم مسلسل تركي، كل حلقة أكثر مأساوية وأقل منطقية من سابقتها!
 
 لكن الفصل الأكثر إثارة في مسرحيتهم العبثية هو علاقاتهم المشبوهة مع الاستخبارات الأجنبية. من MI6 البريطانية في الأربعينيات، إلى CIA الأمريكية في الخمسينيات. وكأن الوطنية عندهم بضاعة في مزاد في سوق "العبودية" الدولية، تُباع لأعلى مزايد!
 
 ولم يكتفوا بذلك، بل رأيناهم في العصر الحديث يتراقصون على أنغام إدارة أوباما وهيلاري كلينتون. رسائل البريد الإلكتروني المسربة كشفت عن دعم أمريكي صريح لهم، في محاولة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وكأن مصر مجرد قطعة "بازل" في لعبة القوى العظمى!
 
 أما عن علاقتهم بحماس، فحدث ولا حرج. هذه الحركة، التي هي في الحقيقة ذراع الإخوان في فلسطين، لعبت دورًا قذرًا في اقتحام السجون المصرية خلال أحداث يناير 2011. نعم، استعانوا بإرهابيين من الخارج لتحرير قياداتهم! وكأن السيادة المصرية مجرد كلمة في قاموس "المعاني المقلوب" الخاص بهم.
 
 ولا ننسى، بالطبع، حكمهم الكارثي 2012-2013. الذي شهد محاولات محمومة لأخونة الدولة وإقصاء كل مخالف. بل إن محمد مرسي، في ذروة هذيانه السياسي، فكر في توطين الفلسطينيين في سيناء! وكأن أرض الفيروز المقدسة مجرد قطعة أرض في لعبة "مونوبولي" الشرق أوسطية!
 
 والآن، بعد كل هذا التاريخ الأسود، يأتون إلينا بابتسامة عريضة، يعدون بترك السياسة لعقد أو عقد ونصف. هل يظنون أن الشعب المصري يعاني من فقدان الذاكرة الجماعي؟ أم أنهم يراهنون على أن التاريخ يُكتب بالحبر السحري القابل للمحو؟ أم أنهم يحاولون عصرنة حصان طروادة لإعادة حلمهم بحكم مصر وأحياء الخلافة المزعومة؟ 
 
 إن قبول مثل هذه المبادرة سيكون كمن يدعو الثعلب لحراسة الدجاج، ثم يستغرب عندما يجد القن فارغًا إلا من بعض الريش المتناثر! الإخوان لم يتغيروا، بل هم فقط يبحثون عن فرصة لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب صفوفهم، كممثلين هواة يستعدون لمسرحية هزلية جديدة.
 
 ولنفكر في التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه "المصالحة". هل نريد أن نرى الاستثمارات الأجنبية تهرب من مصر كما تهرب الفئران من السفينة الغارقة؟ هل نريد أن نعود إلى خطاب "نحن والآخر"، وكأن مصر لم تكن يومًا وطنًا للجميع منذ آلاف السنين؟
 
 مصر اليوم تتطلع نحو بناء دولة مدنية حديثة، دولة تحترم التنوع وترفض الإقصاء. فكيف تسمح لمن يؤمنون بالعنف وسيلةً للتغيير أن يعودوا للمشهد السياسي؟ هل تريد أن تستبدل الحكم الرشيد بـ"الثيوقراطية"؟ أم أن هناك توقًا لعودة عصر محاكم التفتيش، ولكن هذه المرة بعمامة بدلاً من القلنسوة؟
 
 يفترض يكل عاقل ان يقول للإخوان: إن كنتم صادقين في توبتكم - وهذا أضعف الإيمان - فحلوا تنظيمكم نهائيًا. تبرؤوا علنًا من كل أفكاركم السابقة عن الحاكمية والخلافة. اعترفوا بأخطائكم واعتذروا للشعب المصري عن كل قطرة دم سالت بسببكم. عندها فقط، ربما، يمكن لشعب مصر العظيم أن يفكروا في قبولكم كمواطنين عاديين، لا كجماعة تدعي احتكار الحقيقة والفضيلة وكأنها وكيل الله الحصري على الأرض!
 
 وإذا كان لابد من نسيان شيء، فلننسَ فكرة أن الإخوان يمكن أن يتغيروا. فكما قيل: "الحية تغير جلدها، لكنها لا تغير طبيعتها". أو كما يقولون في مصرنا المحروسة: "اللي اتلسع من الشوربة، ينفخ في الزبادي"!
 
 فلنحذر من الذئاب التي تأتينا في ثياب الحملان، ولنتذكر دائمًا أن حرية الوطن وأمنه أغلى من أي مصالحات مشبوهة. فالتاريخ لا يرحم الساذجين.
 
 ولكل من يروج لفكرة المصالحة مع الإخوان: هل تريدون أن إعادة كتابة التاريخ بحبر من دماء المصريين؟ أم أنكم تريدون أن تثبتوا للعالم أن مصر لا تتعلم من أخطائها؟
 
 مصر أكبر من أن تكون مسرحًا لهواة السياسة ومحترفي الخيانة. فلنتذكر دائمًا أن حرية الوطن وأمنه أغلى من أي مصالحات مشبوهة. وكما قال المثل: "من جرّب المجرّب، كان عقله مخرّب". فهل مصر على استعداد لتخريب عقول شعبها ومستقبلها من أجل وعود واهية من جماعة لم تعرف يومًا معنى الوفاء للوطن؟

5 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤