28 يوليو 2024

صراع التنانين: كيف يتحدى التنين الصيني هيمنة النسر الأمريكي في سماء الذكاء الاصطناعي

في قاعة مؤتمرات فسيحة بشنغهاي، يقف رجل صيني أمام حشد من الحضور، عيناه تلمعان بالفخر. بإيماءة من يده، تتحول صورة قديمة باهتة على الشاشة الضخمة خلفه إلى مشهد حي نابض بالحركة. كما كشف تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز، نرى مشهدًا هوليوديًا لبركان ينفجر في فنجان قهوة، وقطة بيضاء تقود سيارة في شارع مزدحم، وأرنبًا أبيض يرتدي نظارة يقرأ جريدة في مقهى. الحضور يتنفس الصعداء في دهشة، بينما يبتسم الرجل ابتسامة النصر. هذا العرض المذهل لتقنية "Kling" التي طورتها شركة Kuaishou الصينية يعكس التحدي الصيني المتزايد في مواجهة الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي، حيث أن هذه التقنية متاحة للاستخدام العام ويمكن للجميع تجربتها عبر تطبيق Kuaishou.
 على الجانب الآخر من المحيط، سبق أن أعلنت شركة OpenAI عن نموذجها "Sora" بعملية دعائية ضخمة تثير الإعجاب، لكن هذا النموذج لم يُتح بعد للجمهور. بدلاً من ذلك، تم تقديمه لمجموعة محدودة من الخبراء والفنانين لتقييم المخاطر المحتملة وتحسين النموذج، ما أثار استياء الكثيرين ممن انتظروا بفارغ الصبر استخدام هذه التقنية المذهلة. كما قال أحد الخبراء الصينيين في تقرير نيويورك تايمز، "أصدقائي الأمريكيون لا يزالون غير قادرين على استخدام Sora، ولكن لدينا هنا حلول أفضل متاحة للجميع."
 لطالما كانت الولايات المتحدة الرائدة في هذا السباق، لكن الصين اليوم تلحق بالركب بسرعة مذهلة، مهددة بقلب موازين القوى التقنية العالمية. يتفوق Kling على Sora في عدة جوانب رئيسية. أولاً، يمكنه إنتاج مقاطع فيديو تصل مدتها إلى دقيقتين بدقة 1080p وبمعدل 30 إطارًا في الثانية، بينما تقتصر Sora على دقيقة واحدة فقط. كما أن Kling يُعرف بإنتاجه لمخرجات عالية الدقة مع تفاصيل دقيقة، مما يجعله مثاليًا للمحتوى الاحترافي الذي يتطلب نسيجًا دقيقًا. بالتالي، يعتبر Kling مناسبًا بشكل خاص للمشاريع المهنية مثل مقاطع الفيديو التسويقية والرسوم المتحركة الاحترافية، حيث يتميز بقدرته على إنتاج مقاطع فيديو عالية الدقة وواقعية.
 في محاولة لكبح التقدم الصيني، فرضت الولايات المتحدة حظرًا على تصدير أقوى رقائق GPU من شركة Nvidia إلى الصين. كانت هذه ضربة قاسية للسوق الصيني، لكن ما حدث بعدها كان أشبه بقصة العنقاء التي تنهض من رمادها. هنا تبرز قصة هواوي، تلك الشركة التي تحولت من مجرد صانع هواتف إلى منافس شرس في عالم الذكاء الاصطناعي. ففي تحدٍ صارخ للعقوبات الأمريكية، طورت هواوي شريحة Ascend 910B، والتي تحقق 80% من كفاءة أقوى شريحة أمريكية في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، بل وتتفوق عليها بنسبة 20% في بعض الاختبارات.
 لكن الأمر لا يقف عند حد الأجهزة. فقد طورت هواوي أيضًا نظام تشغيل خاص بها يسمى HarmonyOS ومتجرًا للتطبيقات AppGallery، في خطوة تهدف إلى تحرير نفسها من الاعتماد على التقنيات الأمريكية. هذا التحدي الصارخ للهيمنة والعقوبات الأمريكية ضد الصين يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التكنولوجيا العالمية. والأرقام تتحدث عن نفسها: وصل عدد مستخدمي متجر AppGallery المطور من هواوي إلى 580 مليون مستخدم نشط شهريًا بنهاية عام 2022، بينما بلغ عدد مستخدمي نظام HarmonyOS 900 مليون مستخدم اعتبارًا من يونيو 2024. بل إن HarmonyOS أصبح ثاني أكبر نظام تشغيل للهواتف الذكية في الصين، متجاوزًا iOS من آبل.
 يقول الدكتور كاي-فو لي، المؤسس المشارك لشركة https://t.co/Nf1PaSP4y4 الصينية، والذي عمل سابقًا في عمالقة التقنية الأمريكية: "لقد أثبتنا خطأ الاعتقاد الشائع بأن الصين تفتقر إلى المواهب أو التقنيات اللازمة للمنافسة مع الولايات المتحدة. هذا الاعتقاد أصبح من الماضي". إلى جانب ذلك، تستمر الصين في تطبيق فلسفة مختلفة تمامًا في نهجها نحو الذكاء الاصطناعي. بينما تتردد الشركات الأمريكية في إطلاق تقنياتها المتقدمة خشية إساءة استخدامها أو لتحقيق المزيد من الأرباح عبر احتكار التكنولوجيا بنماذج مغلقة الشفرة، تتبنى الصين نهجًا أكثر جرأة وانفتاحًا، خاصة في مجال التقنيات مفتوحة المصدر.
 في خضم هذا السباق المحموم، تبرز أسئلة أخلاقية ملحة: كيف نضمن أن يخدم الذكاء الاصطناعي البشرية جمعاء، لا النخبة التقنية فحسب؟ كيف نحمي خصوصيتنا وحرياتنا في عصر المراقبة الرقمية الشاملة؟ وكيف نعيد تعريف العمل والتعليم في عالم تسيطر عليه الخوارزميات والروبوتات؟
 الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذا السباق هائلة. في الصين، نرى كيف يغير الذكاء الاصطناعي وجه المدن. في هانغتشو، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة المرور في الوقت الفعلي، مما يقلل الازدحام بنسبة تصل إلى 15%. في المقابل، تثير هذه التطورات في الولايات المتحدة مخاوف حول مستقبل العمالة والخصوصية.
 يقول كليمان ديلانج، الرئيس التنفيذي لشركة Hugging Face: "الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر هو أساس التطور في هذا المجال. لقد بنت الولايات المتحدة ريادتها من خلال التعاون بين الشركات والباحثين، ويبدو أن الصين تسير على الدرب نفسه." هذا التقدم السريع للصين يثير تساؤلات عميقة: هل نحن على أعتاب عصر جديد من الانقسام التقني العالمي؟ وماذا يعني هذا للمستهلك العادي، لك ولي؟ ربما، في نهاية المطاف، سنكتشف أن السباق الحقيقي ليس بين الصين وأمريكا، بل بين البشرية وتحدياتها. الفائز الحقيقي سيكون من يسخر قوة الذكاء الاصطناعي لحل مشاكلنا الكبرى مثل: تغير المناخ، الأمراض المستعصية، والفقر العالمي.
 نعم، نحن نقف على أعتاب حقبة جديدة، حيث تتشابك التكنولوجيا والسياسة والاقتصاد في نسيج معقد. مثلما كان سباق الفضاء في الستينيات محركًا للابتكار والتنافس العالمي، يبدو أن سباق الذكاء الاصطناعي اليوم يرسم ملامح القرن الحادي والعشرين. في النهاية، علينا أن نتساءل: هل نحن على استعداد لاحتضان هذا العصر الجديد بروح من التعاون والابتكار والمسؤولية؟ أم أننا سنترك الفرص تمرنا ونتعثر في صراعات لا طائل منها؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد مصيرنا ومصير أجيال المستقبل، وهي بلا شك تستحق منا التفكير العميق والعمل الجاد لضمان مستقبل أكثر إشراقًا للبشرية جمعاء.
 أمثلة : لمخرجات النموذج الصيني: 
 https://t.co/EmvKkU7J6D

7 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤