12 يونيو 2025

"قافلة الصمود" أم قافلة التآمر؟ في تشريح مسرحيّة سياسيّة رديئة الإخوان يعودون متنكّرين: قراءة في خبث القوافل وحكمة الرفض المصري

 تبدو "قافلة الصمود" المزعومة كما لو أنّها خرجت من مخيّلة مخرج درامي رديء، أراد أن يصنع ملحمة تضامنيّة فانتهى به المطاف إلى مهزلة سياسيّة من الطراز الرخيص. ذاك أنّ القافلة التي انطلقت من ليبيا، عابرةً تونس، محاولةً اقتحام الحدود المصريّة، لا تحمل من الإنسانيّة إلاّ قشورها، ومن التضامن إلاّ أبواقه الصدئة. والحال أنّ مَن يتأمّل في تركيبة هذه المسرحيّة الهزليّة وتوقيتها المريب، لن يحتاج إلى عبقريّة استثنائيّة ليكتشف أنّنا أمام عمليّة محكمة التدبير، غايتها ليست إطعام جائع في غزّة أو مداواة جريح، بل وضع مصر في قفص الاتّهام أمام محكمة الرأي العامّ الأعمى.
بيد أنّ الأمر الأشدّ فجاجة، والذي يكشف عن ذكاء يضاهي ذكاء الحمير، هو اختيار هؤلاء "المتضامنين" للطريق البرّي الأطول والأعقد، متجاهلين البحر الذي يفصلهم عن غزّة بساعات معدودة. لماذا لم يستأجروا مركباً من طرابلس أو صفاقس؟ ولماذا لم يكلّفوا أنفسهم عناء مكالمة هاتفيّة واحدة للتنسيق مع السلطات المصريّة وأخذ الموافقة الرسمية؟ الجواب أوضح من شمس الظهيرة: لأنّ الهدف لم يكن الوصول إلى غزّة، بل الوصول إلى عنق مصر وليّه أمام الكاميرات.
والمفارقة التي تدعو للضحك المرير أنّ التنظيم الدوليّ للإخوان، بعد أن طُرد من كل عاصمة عربيّة "محترمة"، وبعد أن صار اسمه مرادفاً للخيانة والإرهاب، يعود اليوم متنكّراً في ثياب الإنسانيّة، متّخذاً من جراح غزّة مطيّة لعودته المشؤومة. أولئك الذين أشعلوا النار في كل بلد حلّوا فيه يتقمّصون اليوم دور رجال الإطفاء! لكنّ مصر، التي تعلّمت من تاريخها الطويل مع الأفّاقين والدجّالين، لم تنخدع بهذه المسرحيّة الرديئة. فالقاهرة التي فتحت معابرها لعشرات الآلاف من الجرحى الفلسطينيّين، والتي تستقبل يوميّاً مئات الأطنان من المساعدات المنظّمة، لا تحتاج إلى شهادة حسن سلوك من عصابة من المغامرين السياسيّين الذين يتاجرون بدماء الأبرياء. الفرق شاسع بين العمل الإنسانيّ المنظّم والمُنسّق، وبين السيرك السياسيّ الذي يتّخذ من المأساة الإنسانيّة خشبة مسرح لعروضه البائسة.
أغلب الظنّ أنّ وراء هذا التوقيت المحسوب بدقّة صانع المتفجرات المحترف أصابع لا تكفّ عن العبث بأمن المنطقة. فبينما تقود الرياض جهوداً دبلوماسيّة حثيثة لوقف نزيف الدم في غزّة، وبينما تلعب القاهرة دور الوسيط القوي بين الأطراف المتصارعة، تخرج علينا هذه القافلة المشبوهة لتخلط الأوراق وتعكّر صفو المياه. وكأنّ أصحابها يقولون: دعوا الحرب مستعرة، دعوا الدماء تسيل، فنحن نتغذّى على الفوضى ونزدهر في الخراب!
من الرياض، حيث تُصنع السياسات بعقل بارد وقلب حارّ، ننظر كمواطنين  بعين الريبة والاشمئزاز إلى هذه المحاولات المكشوفة لابتزاز مصر ورئيسها وجيشها وإضعاف موقفها. المملكة التي اكتوت بنار الإخوان وأذيالهم، تعرف جيّداً أنّ هؤلاء لا يحملون في جعبتهم سوى الخراب والدمار. لهذا فإنّ وقوفها الحازم إلى جانب مصر ليس مجرّد تضامن عاطفي، بل هو موقف استراتيجي يدرك أنّ أمن مصر من أمن المنطقة بأسرها، وأنّ كل محاولة لزعزعة الاستقرار المصري هي طعنة في خاصرة الأمّة كلّها. والحقيقة المُرّة، التي تقضّ مضاجع دعاة الفوضى، هي أنّ الطريق إلى القدس لا يمرّ عبر تدمير القاهرة، وأنّ نصرة فلسطين لا تكون بتفتيت مصر وابتزازها. هذه القوافل المسرحيّة، مهما تزيّنت بالشعارات البرّاقة والرايات الخفّاقة، ستبقى مجرّد فقاعات صابون تتلاشى عند أوّل احتكاك مع الواقع. أمّا مصر، القلعة الحصينة والحارس الأمين، فستبقى صامدة في وجه كل المؤامرات، شامخة رغم كل المحاولات اليائسة لإركاعها. وليعلم الحالمون بإسقاطها أنّ أحلامهم ستتبخّر كما تبخّرت أحلام من سبقوهم، وأنّ التاريخ لا يرحم الحمقى مهما تقنّعوا بأقنعة النبل الزائف. 

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤