31 يوليو 2024

مشاهير الفلس ظاهرة العصر الجديد!

 منذ متى أصبح الفراغ محتوى، والسفاهة موهبة، والتفاهة شهرة؟ يبدو أننا دخلنا عصراً جديداً.. عصر "مشاهير الفلس"! هؤلاء الذين لا يملكون في جعبتهم سوى "الطقاع"، ولا يقدمون للمجتمع إلا ما هو أقل قيمة من "زبيرية" قديمة، أصبحوا نجوماً تتهافت عليهم الشركات وتتسابق لنيل بركاتهم الملايين!
 لنتأمل - إن كان في العمر بقية - بعض النماذج التي تزين شاشاتنا وتملأ فراغ حياتنا بالمزيد من الفراغ: أحدهم - ولعل الله يهديه أو يأخذه - يستعين بحراس شخصيين في حفل زفاف! وكأنه رئيس جمهورية "الفزعات" أو زعيم عصابة "تهريب الكشتة" ! أي عقل هذا الذي يفكر بهذه الطريقة؟ أغلب الظن أنه عقل معطل منذ الولادة، أو ربما قبلها بتسعة أشهر! وهناك آخر - حفظه الله من العقل - يتباهى بعلاقاته مع الأثرياء ويزدري "الطفارى"! وكأن قيمة الإنسان بما في جيبه لا بما في عقله وقلبه! ولو كان الأمر كذلك، لكان هذا المشهور أقل قيمة من علبة "تونة" منتهية الصلاحية! أما الطامة الكبرى فهي تلك التي نشرت فيديو لأحد أقاربها وهو يدوس على العملة الوطنية! أي استخفاف هذا بالرموز الوطنية ومشاعر الناس؟ لعل هؤلاء يظنون أن الوطن مجرد تطبيق يمكن حذفه وإعادة تحميله متى شاءوا!
 ولا ننسى تلك التي أشعلت مواقع التواصل بشجار عائلي مع والدها! وكأن البيوت أصبحت استديوهات للتصوير والناس مجرد كومبارس في مسرحية هزلية! متى تحولت خصوصياتنا إلى مادة للتسلية؟ ومتى أصبحت كرامة الآباء رخيصة إلى هذا الحد؟
 السؤال الذي يطرح نفسه - ويا ليته لا يطرح -: لماذا يتابع الناس هؤلاء؟ هل هو الفراغ؟ أم حب الفضول؟ أم الرغبة في الهروب من الواقع؟ أم أن عقولنا قد تحولت إلى مكب نفايات نرمي فيه كل ما هو تافه وسخيف؟ أياً كان السبب، فإن النتيجة واحدة: مجتمع يمجد التفاهة ويكافئ السفاهة ويرفع من شأن كل من هب ودب ونب!
 إن ظاهرة " #مشاهير_الفلس " تستحق الدراسة الجادة من علماء الاجتماع والنفس والأمراض العقلية! فهي تعكس خللاً عميقاً في منظومة القيم والأخلاق، بل وفي تركيبة الدماغ البشري نفسه! كيف تحول الفراغ إلى محتوى؟ وكيف أصبحت التفاهة موهبة؟ وكيف صارت السفاهة شهرة؟ وكيف تحولنا نحن - معشر المتابعين - إلى قطيع من الأغنام نلهث وراء كل ناعق ونعجل بكل مهرج؟ إنها أسئلة تحتاج إلى إجابات عميقة وحلول جذرية، وربما إلى ثورة ثقافية شاملة تعيد برمجة عقولنا وتنظف أدمغتنا من هذا التلوث الفكري المستفحل!
 وأخيراً.. رسالة إلى كل من يتابع هؤلاء - إن كان لا يزال هناك من يقرأ -: توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير! فكلما زاد عدد متابعيهم، زاد تأثيرهم السلبي على المجتمع، وكلما ارتفعت أسهمهم، انخفضت قيمة العقل والأخلاق في بورصة القيم والعادات الأصيلة!
 تذكروا دائماً: ليس كل ما يلمع ذهباً.. وليس كل من له متابعون كثر يستحق المتابعة! بل إن الغالبية العظمى منهم لا يستحقون حتى أن نبصق في وجوههم العكرة! فلنرتقِ بذائقتنا - إن كان فينا بقية من ذوق - ولنختر بعناية من نتابع ومن نجعل منهم قدوة لأبنائنا وبناتنا. وإلا.. فسنجد أنفسنا قريباً في مجتمع كله "مشاهير الفلس"، حيث تصبح التفاهة هي القاعدة، والعقل هو الاستثناء، والكرامة مجرد كلمة في قاموس قديم لا يفتحه أحد!
 وفي النهاية، لعل الله يرحمنا برحمته الواسعة، أو يرسل لنا طوفاناً يغسل عقولنا من هذا الهراء، أو زلزالاً يهز أساسات هذا السخف، أو حتى نيزكاً يسقط على رؤوسنا فيعيد ترتيب أولوياتنا! فقد وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الكارثة الطبيعية أرحم علينا من كارثة "مشاهير الفلس" التي نصنعها بأيدينا وعقولنا الخاوية!

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤