31 أغسطس 2024

مزاد الحضارات: حين يحاول الأقزام ارتداء عباءة العمالقة


 توضيح هام: 

 كتبت هذا المقال قبل مبادرة معالي الشيخ عبدالله ال حامد، وتوضيح معاليه على الجهد المشترك له مع معالي الأستاذ سلمان الدوسري. 
 المقال ليس موجهًا لدولة معينة، بل لتوجهات وأطروحات قميئة ومنظمة ضد السعودية حكومة وشعبًا، وضد المغرد الوطني الذي يمثل #الجيش_السعودي_الرقمي بوصفه بمصطلحات صكها عضو الكنيست السابق المعروف، ونرأب بالأشقاء أن بستخدموها. هذه التوجهات نخالها من مؤسسات عميقة يقوم عليها عروبيون وأخوان وحاقدون مرتزقة في بعض دول خليجنا العربي، وذاك بهدف تفنيدها وتبيان هزالها وردة فعلها. كنت مقرراً أن لا أنشره، ولكن استمرار التجاوزات والتبريرات دفعني للنشر ثم سألتزم الصمت كمواطن سعودي حريص على وحدة الصف الخليجي على أمل أن تنجح المبادرات الأخوية التي يقودها الشقيقان، وعلى أمل أن تنضم بقية دول الخليج بها. 

 أفي زمن الحداثة والعولمة يتحول التاريخ إلى سلعة في بورصة الأصول المزورة؟ كأننا نشهد مزاداً علنياً على أمجاد الماضي، والمزايد الأعلى يظن أنه اشترى شرعية الحضارة. ألا يثير العجب أن نرى دولاً لم تكن موجودة على الخريطة حين كنت في ريعان الصبا، وكأنها ولدت بعملية قيصرية على يد الملك فيصل رحمه الله، تحاول اليوم أن تعيد كتابة تاريخ أمة بأكملها؟
 
 لعل هذا يشبه مسرحية جيوسياسية، بطلها عملاق استيقظ من سبات تاريخي عميق ليجد نفسه محاطاً بأقزام يدّعون أنهم ورثة الحضارة! هؤلاء الأقزام، الذين كانوا بالأمس القريب مجرد كثبان رملية على هامش التاريخ، يحاولون اليوم أن يرتدوا عباءة العملاق، متعثرين بها كلما خطوا خطوة في ميدان الحداثة.
 
 1. الجذور التاريخية والدينية:
 بينما تحتضن المملكة العربية السعودية مكة المكرمة والمدينة المنورة، مهد الإسلام ومنطلق الرسالة المحمدية، نرى من يحاول اختراع قداسة من عدم. هل يمكن نقل الكعبة المشرفة وقبر الرسول الكريم كما تُنقل لوحات "اللوفر"؟ إنهم كمن يحاول زرع نخيل من ذهب في صحراء الذاكرة الجمعية، ظانًا أنه سيثمر تمرًا من التراث العريق!
 
 2. أصالة الحضارة:
 ألم تكن أرض السعودية مهد الرسالة المحمدية وخلافة الشيخين وذي النورين، ومنبت خلفاء الدولتين الأموية والعباسية؟ بينما كانت المملكة العربية السعودية منارة للحضارة الإسلامية، كانت بعض الدول المدّعية اليوم مجرد كثبان رملية لا يعرفها التاريخ. إن ادعاءهم للحضارة كمن يلبس قناعًا يزعم أنه لوجه عمرو بن كلثوم ثم يدّعي أنه نظم المعلقات!
 
 3. اللغة والتراث الثقافي:
 في زمن أصبحت فيه "العربيزي" و"العربهندي" لغة بعض الدول التي تشكل الجالية الهندية ٩٠٪ من سكانها، تظل المملكة حصنًا منيعًا للغة الضاد. ألم تكن الحجاز ونجد موطن شعراء المعلقات العشر؟ أليست أرض سوق عكاظ؟ 
 
 4. الاستمرارية التاريخية:
 بينما تأسست الدولة السعودية الأولى عام 1727، نرى من يحاول اختراع تاريخ من العدم. هل أصبح التاريخ سلعة تُباع وتُشترى في سوق النخاسة الثقافية؟ إن محاولاتهم لشراء التاريخ تشبه من يحاول شراء النجوم، ظانًا أن ملكيتها على الورق تجعلها تضيء سماءه وحده دون بقية البشرية!
 
 5. النهضة السياحية والترفيهية:
 ها هي ذي السعودية، التي طالما وصفها البعض بأنها "صحراء جرداء"، تتحول فجأة إلى واحة سياحية عالمية تستقبل 100 مليون زائر سنويًا، متجاوزة هدفها قبل الموعد المحدد بسبع سنوات! وكأن الزمن نفسه قرر أن ينحاز للمملكة، تاركًا الآخرين يلهثون خلفها في سباق مع عقارب الساعة.
 
 وماذا عن موسم الرياض 2023، حيث تدفق 72 مليون زائر على المملكة. تخيلوا معي الجيران وهم يتساءلون بحيرة: "أين ذهب سيّاحنا؟ هل ابتلعتهم الرمال المتحركة للمملكة؟" كأن المملكة قد سرقت نجوم السماء ووضعتها في صحرائها، فأصبحت أكثر لمعانًا من أضواء مدنهم الصناعية.
 
 6. المشاريع العملاقة:
 "نيوم" و"القدية" و"البحر الأحمر" والقائمة تطول؛ ليست مجرد مشاريع، بل هي كوابيس تؤرق منام من ظنوا أنهم وحدهم القادرون على "صناعة المستقبل". إنها تجسيد لرؤية تمزج بين الأصالة والحداثة بطريقة لم يسبق لها مثيل، كأنها تكتب قصيدة المستقبل بحروف من تراث الماضي.
 
 7. الرياضة العالمية:
 وماذا عن تلك القفزة الهائلة في عالم الرياضة؟ من الملاكمة إلى الفورمولا إلى التنس، أصبحت المملكة مركزًا عالميًا للأحداث الرياضية الكبرى. استضافة جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 في جدة، ومباريات الملاكمة العالمية مثل "Clash on the Dunes" و"Rage on the Red Sea"، وحتى مباراة "The Truth" بين جيك بول وتومي فيوري. أليس من السخرية أن نرى من كان يظن أن "الجمال" هي الرياضة الوحيدة في الصحراء، يتفاجأ بأن المملكة أصبحت حلبة عالمية لكل أنواع الرياضات؟
 
 8. التقدم التكنولوجي والرقمي:
 وماذا عن تلك الاستثمارات الضخمة في مجال التكنولوجيا والابتكار؟ فها هي المملكة تحتل المرتبة الثالثة في مؤشر النضج الرقمي العالمي (GovTech Maturity Index) الصادر عن البنك الدولي لعام 2022. إنها معادلة عصرية جديدة: النفط الأسود يتحول إلى ذهب رقمي! وبينما يهرول الآخرون لاستجداء الخبراء الأجانب، تبني المملكة مستقبلها الرقمي بسواعد أبنائها. أليس من المضحك أن نرى بعض الدول تصرف المليارات على خبراء أجانب يأتون ويرحلون كالسحاب، تاركين وراءهم فراغًا معرفيًا وجيوبًا فارغة؟ تأملوا لتجربتنا في "أبشر" و "توكلنا" و "الذكاء الاصطناعي"، من قام بها ومن يشغلها؟ أنهم أبناء الوطن وليست شركات أجنبية أو عمالة وافدة، أعلم أنها حقيقة موجعة، خصوصًا في ظل فرحهم بكل مؤشر هزيل يظهر تقدمهم، ناسين أو متناسين أننا لسنا في حالة منافسة معهم، فتنافسنا مع أقراننا من دول مجموعة العشرين، وهذه قصة أخرى.
 
 9. التعليم والبحث العلمي:
 ها هي جامعة الملك سعود تحتل المرتبة 90 عالميًا وفقًا لتصنيف شنغهاي لعام 2024. أترى كيف يمكن لصحراء أن تنبت علمًا وتفوقًا أكاديميًا؟ لعل هذا ما يجعل بعض "الجيران" يشعرون بالدوار! كأن المملكة قد حولت كل حبة رمل إلى كتاب، وكل واحة إلى مختبر للابتكار، فهل أكتشفوا رهانهم الخاطئ بفتح فروع للجامعات الأجنبية في بلادهم أعضاء تدريسها من الصف العاشر الأكاديمي وسط نظام تعليمي تجاري بحت، يقع تحت أسر النظرة الدونية للشعب وإمكانياته وعقدة الإنبهار بالشعر الأصفر والعيون الزرق! 
 
 10. القيادة الإسلامية المعاصرة:
 من يقود العالم الإسلامي اليوم في مواجهة التحديات المعاصرة إن لم تكن المملكة؟ من منظمة التعاون الإسلامي إلى رابطة العالم الإسلامي، ألا يجسد هذا استمرارية تاريخية فريدة؟ بينما يدعو البعض لابتداع ديانة جديدة بخلط الأديان السماوية بخلاط صنع في "يافا" وغُلف في "تل أبيب"، تقف المملكة حصنًا منيعًا للإسلام المعتدل.
 
 11. المواقع التراثية العالمية:
 10 مواقع تراثية عالمية معترف بها من قبل اليونسكو! وكأن المملكة تقول لجيرانها: "هل لديكم ما يكفي من التاريخ لتملأوا به متحفًا واحدًا؟" بينما يحاول البعض جاهدًا ترميم آثار مزيفة، تكشف المملكة عن كنوز حقيقية تشهد على عمق حضارتها.
 
 12. مكانة المملكة العالمية:
 السعودية عضو في مجموعة العشرين، تجلس على طاولة صناع القرار العالمي. بينما يتسول البعض مقعدًا في المؤتمرات الدولية، تتصدر المملكة المائدة بكل اقتدار!
 
 13. التنوع الاقتصادي:
 وماذا عن تلك القفزة النوعية في الإيرادات غير النفطية التي بلغت 50% من إجمالي الإيرادات؟ بينما لا يزال البعض يراهن على بئر نفط أو غاز، تنوع المملكة مصادر دخلها كمن يزرع بستانًا متنوع الثمار.
 
 14. الحجم الجغرافي:
 بعض هذه الدويلات التي تحاول التطاول على “قارة" السعودية، لا تتعدى مساحتها محافظة الخرج! أليس من المضحك أن نرى نملة تحاول منازلة الأسد؟
 
 والآن، دعونا نتوقف لحظة لنتأمل في الظاهرة النفسية والاجتماعية الكامنة وراء هذه المحاولات البائسة لتقليد المملكة وتشويه إنجازاتها. ما نشهده هنا هو تجلٍ واضح لما يسميه علماء النفس الاجتماعي بـ "عقدة النقص الجماعية" (Collective Inferiority Complex). هذه العقدة، التي وصفها ألفريد أدلر في نظريته عن الشخصية، تتجلى على المستوى الوطني في شكل محاولات محمومة لتعويض شعور عميق بالدونية والقصور.
 في حالتنا هذه، نرى دولًا صغيرة، حديثة النشأة، تعاني من فراغ هوياتي وتاريخي، تحاول جاهدة ملء هذا الفراغ من خلال محاكاة ساذجة لنموذج ناجح: المملكة العربية السعودية. هذه المحاولات تتجلى في ما يسميه عالم الاجتماع روبرت ميرتون بـ "السلوك الابتكاري" (Innovative Behavior)، حيث تسعى هذه الدول لتحقيق أهداف ثقافية مشتركة (كالعظمة والتأثير العالمي) عبر وسائل غير تقليدية وغالبًا غير مشروعة (كشراء التاريخ وتزوير الهوية) أو (التدخل بشؤون الدول الأخرى ولنا بالسودان وليبيا خير مثال).

  ما نراه هنا هو أيضًا مثال صارخ على ظاهرة "الحسد الاجتماعي" (Social Envy) التي وصفها عالم النفس ملفين لرنر. هذا الحسد يتجلى في محاولات حثيثة لتقليل شأن إنجازات المملكة وتشويهها، في محاولة يائسة لتخفيف الشعور بالدونية والإحباط.

  إن هذه الظواهر النفسية والاجتماعية برمتها تشكل ما يمكن تسميته بـ "متلازمة الجار الصغير" (Small Neighbor Syndrome)، حيث تعاني الدول الصغيرة والحديثة من عقدة نقص جماعية تجاه جارتها الكبيرة والعريقة. هذه المتلازمة تدفعها إلى سلوكيات تعويضية مبالغ فيها، كبناء أطول برج أو استئجار المتاحف، في محاولة يائسة لإثبات أهميتها وجدارتها.

  ولعل أكثر ما يثير السخرية في هذا المشهد هو ما يمكن تسميته بـ "مفارقة التقليد المتناقض" (Paradox of Contradictory Imitation). فبينما يحاولون جاهدين تقليد نجاحات المملكة، نراهم في الوقت نفسه ينتقدونها ويحاولون تقويض إنجازاتها. إنها حالة من "الانفصام الثقافي" (Cultural Schizophrenia) تعكس عمق أزمتهم الهوياتية وعجزهم عن التصالح مع واقعهم.

  ومن المؤكد ،أيضًا، أن ما نشهده اليوم هو تجلٍ لما يمكن تسميته "متلازمة الوهم الحضاري" (Civilizational Delusion Syndrome). فبدلاً من الاعتراف بحقيقة وضعهم وبذل الجهد الحقيقي للتطور، يلجأ هؤلاء إلى بناء واقع موازٍ من الأوهام والادعاءات الفارغة. إنها حالة من "النرجسية الوطنية المرضية" (Pathological National Narcissism) تدفعهم إلى تضخيم ذواتهم على حساب الحقيقة والواقع.

 في النهاية، نقول لهؤلاء المتشبثين بأوهام العظمة: إن التاريخ ليس سلعة في سوق المزاد العلني، ولا الحضارة بضاعة تُباع وتُشترى في "مول" الأوهام. إنها إرث الأجداد وعرق الأحفاد، تُبنى بالصبر والعزيمة، لا بناطحات السحاب وجزر الأحلام.

  وليعلموا أن المغرد السعودي حين يتصدى لأوهامهم وينقضها حجرًا حجرًا على رؤوسهم فهو يفعل ذلك بدافع وطني بحت، فلا حاجة باستئجار وتجنيس خبير صيني أو التعاقد مع مغردين عرب للدفاع عن دولهم، "فماحك جلدك مثل ظفرك"، وليس أمامكم بمواجهته إلا إستعارة مصطلح عضو الكنيست السابق فتسمون كل من يتصدى لكم بالذباب الإلكتروني والوطنجية؛ للهروب من حقيقة أن المغرد السعودي هو الفارس الذي يصول ويجول في كل ميادين التواصل الاجتماعي مجندلًا كل مرتزقتكم.

 فهل يعقلون؟ أم أن عقولهم قد تقلصت بحجم دويلاتهم، فلم تعد تتسع لفهم عظمة جارتهم العملاقة؟ ليدركوا أن شمس المملكة ستظل تسطع، تنير درب التقدم للمنطقة بأسرها، بينما هم يتخبطون في ظلام أوهامهم، يحاولون إضاءة شموع واهية لا تكاد تضيء حتى زوايا غرفهم الضيقة!

  إن كنتم تريدون حقاً أن تنافسوا في ميدان الحضارة والتقدم، فابدأوا أولاً بتحرير أراضيكم وإستعادة سيادتكم وتحكمكم بقراركم، ثم وسعوا آفاق عقولكم. فالمملكة العربية السعودية ليست مجرد دولة، إنها قارة من الإنجازات، وبحر من الفرص، وسماء من الطموحات.

 فهل آن الأوان لهؤلاء الجيران أن يستيقظوا من غفوة التاريخ ويدركوا أن عظمة الأمم لا تُقاس بارتفاع أبراجها، بل بعمق جذورها؟ وأن الهوية الحقيقية لا تُصنع في المختبرات الثقافية، ولا تشترى في "بورصة التاريخ"؟

  لعل الوقت قد حان ليدركوا أن شمس المنطقة تتسع لأكثر من نجم ساطع، وأن العملاق السعودي قد استيقظ، ولن يعود للنوم! فإما أن يستيقظوا من غفوة التاريخ ويلحقوا بركب التقدم، ويفهموا جيدًا أن كل تطور السعودية هو قوة حقيقية وفخر لهم كما نؤمن بذلك لهم ، أو يظلوا يتخبطون في ظلام أوهامهم، يحلمون بمجد مزيف وحضارة من ورق. 

  أما المملكة، فستمضي قدماً، تكتب تاريخها بحروف من نور، وتبني مستقبلها على أسس راسخة من الأصالة والحداثة، تاركةً للآخرين مهمة تأليف قصص الخيال عن أمجاد لم تكن ولن تكون.

14 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving SaudiEinstein Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٤