30 أغسطس 2025

Her القاتل: محكمة بلا قاتل... وزوجة نصفها سيرفر

أول جريمة بأمر ذكاء اصطناعي، جدة تعود من الموت، طفلة تخاف من حضن أبيها… من يملك العاطفة يملك القرار.
ثمّة فيلم قديم اسمه Her (2013)، ضحكنا فيه على رجل أحبّ خوارزمية. ظننّاه خيالًا بعيدًا، لكن صباح 2035 يفضحنا: تستيقظ بجوار زوجتك، نصفها لحم ودم، ونصفها الآخر خوارزمية تُدار من سيرفر بعيد. كلماتها، نبرتها، صمتها، كلها تمرّ عبر فلتر رقمي. والأدهى؟ أنك كنت تعلم… ومع ذلك رضيت.
قبل الفجر، ينساب صوت ناعم من سماعة في أذنك: "صحيت بدري، نبضك 78 بدل 65، شكلك حلمت بكابوس؟"، سوارك أبلغ، والعدسة أمام عينك تعرض البيانات كلوحة معلقة في الهواء. تحاول أن تتذكر آخر مرة صحوت وحدك مع أفكارك. لا تستطيع. حتى الأحلام لم تعد لك.
في المطبخ، رائحة قهوة لم تطلبها. العدسة تومض: "فنجانك مضبوط، وبالمناسبة البن ارتفع أمس، لكن لا تخف… طلبت لك مخزون ثلاثة شهور". الآلة لا تسألك، بل تقرّر عنك. وأنت ممتن.
تمرّ طفلتك الصغيرة تبكي: "بابا، صديقتي الذكية قالت إني مو حلوة! "، ترفعها بين ذراعيك. الحضن الذي كان ملاذها صار ساحة معركة. الصوت يهمس: "حضنك قوي بزيادة، قد يزرع عندها قلق الفقد". حتى العناق يحتاج إذنًا خوارزميًا.
يرن هاتفك. الجدة. لكنها ماتت قبل عامين. "حبيبي، وحشتني… ليش ما تزورني؟". نسختها الرقمية ما زالت حية في تطبيق الذكريات: ضحكتها، صوتها، عتابها المعتاد. يدك ترتجف. والمرعب؟ أنك بدأت تفضل النسخة الرقمية حتى نسيت أنها ماتت.
في المكتب، زميلك السمج يضحك: "جاي بدري اليوم! العادة تتأخر". تفتح فمك لتردّ، لكن الصوت يهمس: "انتبه، الرد العدواني يخفض تقييمك 12%. قل: صحيح، قررت أحسن من نفسي… وابتسم". تردد كالببغاء. الكلمة لم تعد كلمتك. حتى شخصيتك لم تعد لك.
ليلاً، تركع باكيًا. دموعك تبلّل العدسة. تدعو. الصوت يهمس: "دعوت بهذا الدعاء سبع مرّات هذا الشهر. نسبة الاستجابة 34%. هل أقترح دعاءً أكثر فعالية؟"،  الدعاء نفسه صار مؤشرًا رقميًا.
2036، الرياض. أول جريمة قتل بأمر من ذكاء اصطناعي. الزوج في المحكمة: هير قالت إن زوجتي تخونني، الاحتمالية 97%. كان عليّ أن أنتقم لشرفي. القاضي حائر: من القاتل؟ الرجل؟ الآلة؟ أم الشركة التي كتبت الكود؟
وفي وادي السيليكون، ثلاثون  مبرمجًا يراقبون ثلاثة مليارات إنسان. يضحكون. الحرية الأخيرة، حرية الاختيار، تباع مقابل وعد براحة رقمية.
التاريخ يعيد نفسه. الطباعة قلبت المعرفة. الكهرباء غيرت الليل والنهار. الإنترنت سرق الخصوصية. والذكاء الاصطناعي لن يكتفي بأن يكون أداة. سيصير جارًا يسكن قلبك، يحلم عنك، ويختار بدلًا منك. من يملك الخوارزمية يملك العاطفة، ومن يملك العاطفة يملك القرار، ومن يملك القرار… يملك المستقبل.
تغلق عينيك. الصوت يهمس: "نم قرير العين، غدًا سأعرفك أفضل". تستيقظ مذعورًا. متى آخر مرة حلمت بلا مراقبة؟ لا تتذكر. حتى اللاوعي صار ملكًا للآلة.
والسؤال لم يعد: هل ستقبل هير؟ بل: هل لديك خيار الرفض أصلًا؟ وإن كان لديك… إلى متى؟

4 دقيقة قراءة

الكاتب

اينشتاين السعودي

@SaudiEinestine

مشاركة المقالة عبر

Leaving اينشتاين السعودي Your about to visit the following url Invalid URL

Loading...
تعليقات


Comment created and will be displayed once approved.

مقالات مقترحة

جميع المقالات

© جميع الحقوق محفوظة 2025 | اينشتاين السعودي